الرئيسة \  واحة اللقاء  \  حلب تعيد رسم حدود القوة الروسية

حلب تعيد رسم حدود القوة الروسية

10.08.2016
سمير الحجاوي


الشرق القطرية
الثلاثاء 9/8/2016
كثيرة هي انتصارات الثوار السوريين التي تحققت في حلب، وهي انتصارات تاريخية رغم مرحليتها، ومحدوديتها الجغرافية، فأبناء الشعب السوري الثائر هزموا وبضربة واحدة التحالف الإيراني الروسي والميليشيات العراقية واللبنانية الشيعية، ومعهم نظام الأسد بضربة واحدة، وهو انتصار يحسب لجيش الفتح وجبهة فتح الشام والفصائل التي شاركت في المعركة الكبرى التي تستحق أن نطلق عليها "ملحمة".
هذه "الملحمة" السورية الثورية أعادت رسم حدود القوة، خاصة القوة الروسية، في سوريا، بشكل كبير، فالثوار السوريون يخوضون في حلب "حربا عالمية" رغم طابعها المحلي، لأنهم يقاتلون روسيا التي تعد القوة العسكرية الثانية في العالم بعد الولايات المتحدة الأمريكية، ويقاتلون إيران التي تعد القوة الأولى إقليميا إلى جانب تركيا والكيان الإسرائيلي، ويقاتلون حزب الله اللبناني الذي يعد القوة الأولى في المنطقة من حيث حرب العصابات، ويقاتلون الميليشيات العراقية الشيعية والعلوية السورية المدججة برصيد لا ينفذ من الكراهية والحقد، ويقاتلون التآمر العربي من بعض الأنظمة العربية، وفوق كل هذا يقاتلون "التناغم الروسي الأمريكي" في سوريا، ويقاتلون التقاعس التركي أيضا.
إذن يخوض الثوار والمجاهدون السوريون حربهم على كل الجبهات، وفي كل الاتجاهات، وضد الأعداء المقاتلين والإخوة المتآمرين والأصدقاء المتقاعسين والشعوب المتفرجة، وهذا ما يجعل من انتصارهم في حلب "أسطورة" بكل المقاييس، وخارج إطار الحسابات المنطقية لمفاهيم القوة المحسوبة بعدد الجنود والعتاد والدبابات والمدافع والطائرات، وهو انتصار في "حرب غير متكافئة" على مجمل هذه القوى مجتمعة.
الهزيمة في حلب لحقت بـ"تحالف الشيطان" وعلى الأخص روسيا، التي تمرغ أنفها في التراب، ويبدو أن روسيا لا تتقن خوض الحروب خارج أرضها، فقد منيت بهزيمة كبيرة في أفغانستان أفقدتها إمبراطوريتها السوفيتية، وها هي على وشك أن تمنى بهزيمة أخرى في سوريا، ربما تؤدي إلى تفكك الاتحاد الروسي وتحرر الجمهوريات الإسلامية واستقلالها.
حتى الآن يظهر المشهد أن الخاسر الأكبر في حرب حلب هي روسيا، بعد إيران طبعا، وهي خسارة مذلة ومخزية، فقد قصفت حلب بطريقة لا هوادة فيها، وقامت طائراتها الحربية بأمطار الثوار بآلاف القنابل الفسفورية والعنقودية وغيرها، دون أن تتمكن من لجم تقدم الثوار أو حتى عرقلته، وهذا يعني أن الجيش الروسي يخسر للمرة الثانية على التوالي، لكن خسارته في سوريا ستؤدي إلى تشكيل ارتدادات دولية وإقليمية تخرج روسيا من المعادلة، وتعيدها إلى حقبة ما بعد الهزيمة المنكرة في أفغانستان.
هل خسر الرئيس الروسي فلاديمير بوتين سوريا؟ وهل تبخرت أحلامه بترميم سمعة الجيش الروسي المهزوم في أفغانستان، وضاعت طموحاته بإحكام السيطرة على "الأرض المقدسة" بحسب تعبير الكنيسة الأرثوذكسية الروسية التي باركت حربه؟ وهل خسر بوتين كرامته في حلب؟ وهل علق في المستنقع السوري الذي حذره منه الرئيس الأمريكي باراك أوباما؟
يبدو أن بوتين أغبى من أن يتعلم الدرس، فهو يخوض حربا على أرض لا يوجد له فيها أي حاضنة شعبية أو تعاطف، ويبدو أنه لا يعلم أن سوريا هي "أرض الجمر والرماد" وليست طينة يستطيع أن يشكلها كما يريد، فهي جمرة ستحرق يديه وتحيل أصابعه إلى رماد.
بوتن أغبى من أن يتعلم الدرس، أنه دخل في معمعة حرب شيعية طائفية لأسباب أيديولوجية عقائدية، تريد أن تخرج الغائب من السرداب، ولكن هذا الغائب يبدو أنه لن يخرج من سردابه إلا إذا دخل شخص آخر مكانه، وهذا الشخص سيكون بوتين الذي سيدخل روسيا معه في سرداب مظلم لا ضوء فيه، لأنه عبارة عن دهليز عقائدي ونفق عقائدي، من يدخل فيه لن يخرج أبدا.