الرئيسة \  واحة اللقاء  \  حلب وفتى إياد..السودان قدم الدرس

حلب وفتى إياد..السودان قدم الدرس

21.11.2016
سيف الدين البشير


الشرق القطرية
الاحد 20/11/2016
فتحت عيني على العالم وأمي اسمها الشام.. وفي السودان يتفاءلون خيرًا بحواضر العرب كأسماءٍ للبنات، ويسمون الشام، واليمن، ومكة، والمدينة، وجدة، وما وجدت دولةً عربيةً تحتفي بحواضر العرب كما يفعل أهل السودان.
ومن هنا لم يكن غريبًا أن يتعالى السودان على كل ظروفه ويفتح الأبواب أمام أهل سوريا قائلًا: البلد بلدكم.. مواطنين لا لاجئين..
ومراسل الجزيرة كان بالمشفى بحلب عندما دمدم السلاح اللئيم.. الممرضات هرعن غير آبهاتٍ بأرواحهن بل بأطفال الحضّانات.. ثم اثنتان كانت كل واحدةٍ منهما تحمل طفلًا يدافع الرمق.. احتضنتا حزن بعضهما البعض واستغرقتا في نوبة نشيج ينفطر له الجلمود الأخرس.. هل فارق أحد الوليدين الحياة بين يدي إحداهما؟. لا أحد يجيب!.
طفلةٌ أخرى نبشت من بين الأنقاض والدماء لم تفلح في إخفاء براءة الوجه، ولاتزال عيون الأطفال بريف حلب تتأهب للفزع الأكبر؛ كم منَّا يسترجع صيحة لقيط بن يعمر الأيادي؟.
يَا لَهْفَ نَفْسِيَ أَنْ كَانَتْ أُمُورُكُمُ شَتَّى وَأُحكِمَ أَمْرُ النَّاسِ فَاجْتَمَعا
فِي كُلِّ يَوْمٍ يَسُنُّونَ الحِرَابَ لَكُمْ لاَ يَهْجَعُونَ إِذَا مَا غَافِلٌ هَجَعَا
أَنْتُمْ فَرِيقَان هَذَا لاَ يقُومُ لَهُ هَصْرُ اللُّيُوثِ وَهَذَا هَالِكٌ صَقعَا
مَالِي أَرَاكُمْ نِيَامًا فِي بُلَهْنِيةٍ وَقَدْ تَرَوْنَ شِهَابَ الْحَرْبِ قَدْ سَطَعَا
ياَ قَوْمِ إِنَّ لَكُمْ مِنْ إِرْثِ أَوَّلِكُمْ عِزًّا قَدْ أَشْفَقْتُ أَنْ يودَى فَيَنْقَطِعَا
يَا قَوْمِ بَيْضَتُكُمْ لاَ تُفْجَعُنَّ بِهَا إِنِّي أَخَافُ عَلَيْهَا الْأَزْلَمَ الْجَذِعَا
هُوَ الْفَنَاءُ الَّذِي يَجْتَثُّ أَصْلَكُمُ فَشَمرُوا وَاسْتَعِدُّوا لِلْحُرُوبِ مَعا
لَقَدْ بَذَلْتُ لَكُمْ نُصْحِي بِلاَ دَخَلٍ فَاسْتَيْقِظُوا إِنَّ خَيْرَ الْقَوْلِ مَا نَفعَا
الغريب أن فارس التي حذر منها لقيط الإيادي هي ذات فارس التي تضمر الشر الأعظم للأمة اليوم.
وحلب تعاين الهلاك ولا يزال البعض يتخير مقاعد المتفرجين، وجامعة الدول العربية مطالبةٌ فقط بمراجعة صيحة الإيادي، ومن ثم الحراك الأعجل الأفعل.
وللسودان تجربةٌ لم يراجعها العرب، فقد ابتلي بحرب الجنوب قبل أن ينال استقلاله وكانت نتاجًا طبيعيًا لتطبيق سياسة المناطق المقفولة منذ العام 1922، وحرب الجنوب مثلت الجبهة الأطول في تأريخ الحروب من البحر الأحمر وحتى الحدود الليبية، واستمرت تتغذى من معين الغرض المبيتٍ لخمسين عامًا، حتى وضعت أوزارها عام 2005 مع توقيع اتفاقية السلام.
وقبل أن يغلق ملف نزيف الجنوب صنعوا حرب دارفور حتى انبرت قطر بعزماتٍ من جينة الأمة وبخلوصٍ في النوايا حتى تم توقيع الاتفاق وأعلن عن نفاذه التام.
وعبر بوابة دارفور جندوا المنظمات وجماعات الضغط، لإنفاذ سيناريوهات الضعضعة والتقسيم متوجين ذلك بإصدار ما سمي بمذكرة توقيف ضد رئيس الجمهورية ورمز سيادتها.. ويومها حدثناهم أن محكمة لاهاي حفرت قبرها بظفرها، وتكفي أزمتها الحالية لتصدق حدس السودان..
وقف السودان في صراعه المرير يواجه أقداره ولسان حال جلّ الأقربين:
لا ألهينك إني عنك مشغول.. وقف بمعزلٍ عن قصور المفاهيم حتى عن مقولة أكلت يوم أكل الثور الأبيض.. السودان وقف:
مهيبٌ كنصلِ السيفِ لو ضربت به ذرى أجأٍ ظلت وأعلامُها وُهدُ
وكم حدث العرب أنه لن يكون الأخير في كتاب المكر الإستراتيجي ضد الأمة بيد أنهم ظلوا يمارسون الحياد السلبي حتى ثبت لهم الدليل عبر شلال الدماء من اليمن إلى العراق إلى سوريا إلى ليبيا ولا تزال فرجة البعض هي سيدة الموقف.