الرئيسة \  واحة اللقاء  \  حلب .. قصة مدينتين وأكثر

حلب .. قصة مدينتين وأكثر

30.06.2013
يسار قدور

المستقبل
الاحد 30/6/2013
بعد أن شرب الأسد نخب نصره من دماء أهل القصير مع نديمه حسن نصر الله، يعلن بدء معركة عاصفة الشمال متابعاً إصلاحاته في قتل السوريين، وتعود حلب إلى صدارة المشهد العسكري، في هذه الحرب التي يشنها من يسمي نفسه قائد الوطن ضد مواطنيه.
ليس غريباً أن تحتل مدينة حلب صدارة المشهد السوري على مرّ العصور، فهي العاصمة الاقتصادية للبلاد وهي مدينة الفنون والطرب، وهي أيضاً كما يحب أن يسميها أهلها " أم المحاشي والكبب".
تُعتبر مدينة حلب من أقدم المدن المأهولة في العالم، ويمتد تاريخها السياسي إلى عام 1750 ق.م عندما كانت عاصمة لـ "يمحاض" مملكة العموريين، واسمها يعني "البياض" في اللغة الآرامية، أما قلعتها فقد بُنيت على ارتفاع خمسين متراً عن مستوى المدينة في الألف الأولى قبل الميلاد، ويعود شكلها الحالي للقرن الثالث عشر.
ينفرد الحلبيون عن غيرهم من سكان المدن أنهم يعيشون ضمن مدينتين في آن واحد. حلب الجديدة وحلب القديمة؛ تتشابه حلب الجديدة مع كل المدن السورية من حيث احتوائها على مناطق مختلفة تبعاً للطبقات الاجتماعية التي تسكنها. وبناءً على هذا الاختلاف نجد الفروقات العمرانية والخدمية الهائلة بين الأحياء التي تقطنها الطبقات الفقيرة عن تلك التي يسكنها أغنياء المدينة ومسؤوليها؛ أما الدخول إلى حلب القديمة فهو يشبه العبور من الزمن والدخول في زمن آخر يعود إلى مئات السنين. عندما يقرر أي شخص زيارة حلب القديمة فإن بإمكانه الدخول من كل الاتجاهات، عبر أبوابها المتعددة التي تشكل جزءاً أساسياً من ذاكرة هذه المدينة، الموغلة في التاريخ. الدخول إلى حلب القديمة من "باب جنين" كما يسميه أهل المدينة يوصلك إلى مكان مختلف عن المكان الذي يوصلك إليه باب انطاكية. كما أن الدخول من باب الفرج الذي يوصلك إلى الجامع الأموي الكبير، يختلف عن القدوم من باب قنسرين أو باب الحديد أو باب النصر، لكن كل هذه الأبواب تدخلك إلى حلب القديمة وسوقها المسقوف الذي يمتد طوله لأكثر من 16 كيلو مترا،ً لتمرّ عبر خان الحرير إلى سوق الصوف وسوق النسوان والعتمة والياسمين وتطل على خان الوزير وخان الجمرك وخان الشونة الذي يوصلك إلى قلعة حلب. في هذا المكان الساحر لن تجد وقتاً للتفكير أبداً، لأن قدميك ستسحبانك للصعود على درج القلعة ودخول بوابتها قاصداً مسرحها الذي كان ولوقت قريب يحتضن الكثير من الحفلات لكبار الفنانين. تغادر المسرح قاصداً ساحة العرش فتحس لعظمتها وكأنك المتنبي في حضرة سيف الدولة الحمداني. بعد مغادرة مجلس سيف الدولة تجرك قدماك نزولاً إلى "حبس الدم"، ينتشلك هذا المكان الغارق بالعتمة من التاريخ لتتذكر أقبية المخابرات السورية، التي لا تختلف عن "حبس الدم"، تخرج مسرعاً من هذا المكان وتعبر الزمن مجدداً لتجد أن مدينة حلب رغم كل الدمار الذي حل بها وبالتراث الإنساني الذي تحتويه، إلا أنها مازالت تروي قصة مدينتين وإن كانت الرواية مختلفة لتتناسب مع الحرب القائمة على ترابها.
حلب الأولى وهي مجموعة المناطق التي مازالت خاضعة لسيطرة نظام الأسد. وتسمى "المناطق الآمنة" لأنها غير معرضة للقصف. ويسكنها بعض المواطنين الموالين طوعاً لبشار الأسد أو الموالين له قسراً بسبب وجودهم في مناطق سيطرة قواته، يعاني هؤلاء السكان من قلة المواد الأساسية والغذائية بسبب مصادرة حواجز قوات النظام لمعظم المواد الغذائية والاستيلاء عليها وبيعها بأسعار باهظة الثمن. حتى أن ثمن كيلو الخبز قد يصل لأكثر من مئتي ليرة سورية. وتقوم هذه الحواجز باعتقالات عشوائية تطاول المواطنين موالاة ومعارضين على حد سواء. وقد يصل بهم الأمر إلى حد التصفية الجسدية من دون أي رادع أو رقيب. لكنّ كل هذا لا يعفي السكان من تقديم الولاء والطاعة لقائدهم الذي يمنّ عليهم برغيف الخبز بأسعار خيالية، ويسوق أولادهم مكرهين ليزجهم في حربه الكونية.
أما حلب الثانية فهي مجموعة المناطق المحررة التي يسيطر عليها الجيش الحر، وهي مناطق معرضة للقصف اليومي الذي اشتد كثيراً بعد إعلان المعركة على حلب. استطاع سكان هذه المناطق التعايش مع خطر الموت الذي يهددهم في كل لحظة. كما اعتاد هؤلاء الناس على غياب الكهرباء وشحّ المياه. لكن الجديد في هذه الحياة التي تحكمها الفوضى هو العصابات التي تتستر باسم الجيش الحر، لتسرق وتنهب البيوت التي غادرها أصحابها أو حتى المنازل المسكونة إن فرغت ولو لوقت قصير. ليظهر مفهوم جديد وهو "التشويل". كناية عن المسروقات التي توضع بأكياس كبيرة "شوالات"، ويكون شعار هؤلاء الذي يرددوه في العلن " شوّل بشار بعدو مطوّل".
أما الريف الحلبي -خاصة الشمالي منه- فهو غارق بما قد يحدث بعد كل هذه التعزيزات التي استقدمها النظام وله حكاية أخرى من الحكايات السورية.