الرئيسة \  واحة اللقاء  \  حلّوا في سوريا واربطوا بجنيف

حلّوا في سوريا واربطوا بجنيف

18.11.2013
غازي دحمان


المستقبل
الاحد 17/11/2013
قبل الذهاب إلى جنيف، لإنهاء الحرب الشرسة الدائرة على الأرض السورية، يستلزم أن يتفق الأطراف كلهم على تحديد المشكل السوري وتعيينه بدقة وصراحة. ويستتبع ذلك، ليس تحديد من يحضر في وفدي الطرفين، بل تعيين فريق منهما لتحديد طبيعة المشكل وماهيته، ثم كل ما يلي ذلك مجرد تفاصيل صغيرة.
لماذا يذهب السوريون إلى جينيف؟ وعلى ماذا يراهن طرفا الأزمة؟ وهل سيحصلان في السياسة على ما عجزا عن الحصول عليه في الميدان! أم أن الحضور" (إن حصل) سيكون مجرد استجابة لضغوط الأطراف الدولية، فيما يبدو أنه محاولة لعدم تعكير أجواء التوافق الدولي؟
ليس لدى أطراف الأزمة حتى قليل من الإجابات عشية الانخراط بالعملية السياسية في جنيف 2. لديهما الكثير من تكتيكات الخداع السياسي والمناورات السياسية المكشوفة في أغلبها، لكن هذه لن تضمن لأحد الطرفين السيطرة على الوضع الداخلي، حتى لو ضمنت له فوزاً تفاوضياً واعترافا دولياً، بنسبة معينة، ذلك أن الأزمة، ورغم درجة التأثير الخارجي فيها، إلا أنها تشتغل بديناميات داخلية، سيظل لديها القدرة على تشغيل حالة الصراع وإدامته، طالما لم يجر تفكيك تلك الديناميات وإبطال مفاعيلها.
ورغم ما يحكى عن تدخل خارجي لصالح طرفيّ الأزمة، من دعم عسكري ومعنوي، فإن ذلك لم يفعل سوى رفع منسوب الصراع، بالنسبة لأزمة وصل فيها الخلاف الداخلي إلى درجة صار معها الاستقطاب الخارجي واحداً من آليات اشتغالها. فلم يكن العامل الخارجي قادراً على التعبير عن نفسه بهذا الوضوح لو لم يتسنَ له البناء على مبررات أفرزتها بنى الصراع الداخلي. وهذا إن دلً على شيء فإنه يدلل على مدى التصدع والافتراق الحاصل في البنى الوطنية السورية، سواء لجهة أسس العيش المشترك بين جماعاتها، أو لجهة نظرة كل جماعة إلى أخرى، وتصوراتها لمآلات الصراع وحدوده.
إذاً المشكلة في الداخل السوري، والابتعاد عن المكاشفة الواضحة والصريحة لأبعاد الأزمة ومسبباتها، ليست سوى تقنيات ، أو تقيات، لضمان استمرار الأزمة. ولم يعد مفيداً الاختباء وراء المصطلحات والتسميات، رغم أثرها القانوني والسياسي. ذلك أن ما بات مطلوباً اليوم هو إنقاذ ما تبقى من البشر والعمران، فسوريا الواحدة الموحدة لن تكون لأي من طرفي الصراع بعد اليوم، كما لن يتمكن أحدهما من الفوز أصلاً في هذا الصراع، ذلك أن القضية ليست عسكر مقابل عسكر ولا سلاح مقابل أخر، القضية باتت في سوريا قضية بنى ومكونات اجتماعية في مواجهة نظيراتها" الوطنية"، كما أن أساس الصراع بات طائفياً بامتياز.
قد يرى البعض أن في ذلك انتصارا لمنطق نظام الأسد، أو تشريع نافذة له للتخلص من جرائمه بحق السوريين، ربما ذلك صحيح، لكن أيضاً ما العمل أمام حالة وطنية مشرذمة ومنقسمة، وما العمل ما دامت الحرب تخاض على الأرض بأدوات طائفية، فهل يكفي الخطاب الإعلامي والسياسي لإنكارها! الواقع والممارسات على الأرض تكذب الخطاب السياسي لطرفي الأزمة، وحالة الاستقطاب المذهبي، لدى جميع الطوائف السورية، لم تعد بحاجة للإنكار، ولا يفيد تفلت بعض الأفراد من هذه الحالة الإستقطابية العدائية التي تصبح المجتمعات في ظلها مجرد قطعان تقودها غرائز الخوف وحالة الشك تجاه الأخر.
المشكلة في الداخل السوري، وحل هذه المشكلة لن يتم بأماني الوحدة الوطنية ودعوات العيش المشترك، هذا ضرب من الأحلام المؤذية، الحل يكمن في الاعتراف بالمشكلة وتعيينها بدقة، ثم معالجة أسبابها، أو لنقل مفرزاتها، على اعتبار أن أسبابها ثورة وطنية، جرى تطييفها عبر تكتيكات سياسية اتبعها النظام، وساعده بدرجة كبيرة حالة الاستعداد والقبول لدى مكونات وطنية، ثبت أن ثقافتها السياسية عن الدولة والوطن هي ثقافة الما قبل، في حين أنها حظيت بنظام سياسي ساهم بترسيخ هذه الحالة وإدامتها.
الحل ليس في جنيف، وإن كان لا يضر إعلانه من تلك المدينة الراقية، الحل يجب أن تنتجه الدساكر والأرياف والمدن السورية، وعلى أساسه، يجب أن تصدر الوفود عن صفتها الطائفية والعرقية وتطرح هواجسها وتصوراتها عن الوطن الذي سيتم بناؤه وفق تلك الحيثيات، ومن ثم يمكن الحديث عن تشكّل مجال سياسي عام يمكن الانطلاق منه للتوافق على مختلف القضايا الإشكالية. في هذه الأثناء، يوجد في سوريا مجال للتصارع والاشتباك الحربي، فيما يتوارى المجال السياسي القادر على إنتاج الحلول السياسية.