الرئيسة \  واحة اللقاء  \  حلّ الأزمة السورية بيد أمريكا وليس بيد روسيا

حلّ الأزمة السورية بيد أمريكا وليس بيد روسيا

25.02.2014
د.علي بن حمد الخشيبان


الرياض
الاثنين 24/2/2014
    في السياق السياسي والدولي يجب أن ندرك أن روسيا ليست الاتحاد السوفياتي فالذين يرون روسيا اليوم من خلال ماضيها الاتحاد السوفياتي عليهم تغيير ذلك فالمعادلة السياسية لم تعد كما هي، ولكن من حق الجميع أن يطرح السؤال المهم حول ماهية الوجود الروسي في الأزمة السورية، ولماذا تسمح روسيا لنفسها بكل هذه المراكز السياسية المتقدمة على أمريكا، وهل ذلك مقبول من أمريكا او يتم تحت بند المراوغة السياسية؟
في العالم هناك مواقع يمكن لروسيا وأمريكا أن تتفقا عليها من خلال مصالح مشتركة، ولكن يجب أن ندرك أنه منذ منتصف التسعينيات سقطت فكرة الندية بين روسيا وأمريكا ولم تعد الولايات المتحدة تفكر بروسيا كما كانت تفكر بالاتحاد السوفياتي أو كما فكر بها الرئيس الأمريكي (ريغان).
عملت روسيا جاهدة خلال العقدين الماضيين وخاصة بعد سقوط اتحادها السوفياتي على تسويق نفسها كدب روسي لم يفقد قوته مع انه على المستويات الجيوسياسية فقد اكثر من سبعين بالمئة من وزنه السياسي والدولي، ولعل اكبر الامثلة على مشروع التسويق الروسي ما حدث قبل ايام فدورة الالعاب الاولمبية في (سوتشي) كلّفت خمسين مليار دولار في دولة يعاني اقتصادها الداخلي من الكثير من الازمات الملحة فالتوازن الاجتماعي والصورة الاقتصادية ونمو الطبقة الوسطى ورسوخ فكرة السلم المجتمعي لازالت مرهونة بتحولات اقتصادية وسياسية منتظرة.
دورة الالعاب الاولمبية في (سوتشي) وتلك المليارات الخمسين التي صرفت عليها لن تصنع لروسيا قبعة الاتحاد السوفياتي الحديدية وخاصة أن الاقتصاد الروسي، وحجم التبادل مع دول العالم ظلا ضعيفين متهالكين فحجم التبادل التجاري بين روسيا والولايات المتحدة يبلغ ثمانية وعشرين مليار دولار سنويا، كما أن حجم التبادل التجاري بين روسيا والصين لا يتجاوز سبعة وثمانين مليار دولار سنويا أما حجم التبادل التجاري بين الولايات المتحدة والصين فهو خمسمئة وخمسة وخمسين مليار دولار سنويّا وهذا يشرح اولوية الدول بالنسبة لأمريكا.
بهذا المعيار الاقتصادي وتلك المعادلة الاقتصادية ندرك ان روسيا ليست قادرة على تقديم الحل في سورية أو غيرها، ولن تستطيع روسيا الضغط على أمريكا بهذه القيمة المتهالكة من التبادل التجاري بينها وبين أمريكا مقارنة بحجم التبادل التجاري بين حليفة روسيا الصين وبين أمريكا.
السؤال المهم يقول ما هو الدور الروسي في الأزمة السورية، ولماذا لا تحسم أمريكا الحل بالهجوم العسكري وتتجاوز الأزمة؟
هناك الكثير من الأفكار التي يجب ان يتم طرحها فروسيا لازالت تحتفظ بموقعها في مجلس الامن وهذه ورقة دولية وليست اقتصادية، وقوة هذه الورقة الخاصة (بالفيتو) سببها السياسة الأمريكية في منطقة الشرق الاوسط وهي سياسة تقوم اعلاميا عبر نشر رغبة أمريكا بعدم التدخل عسكريا بعد تجاربها الفاشلة في افغانستان والعراق لهذا السبب أمريكا تريد الحلول من خلال الامم المتحدة بينما روسيا الراغبة في تأكيد وجودها الدولي تلوح بالفيتو لإثبات وجودها.
الحل بيد أمريكا وتحديدا بيد الرئيس اوباما والكونغرس ولن يكون الحل بيد مجلس الامن او الامم المتحدة حتى ولو طال زمن الحرب عشرات السنين ولكن أمريكا ارتكبت خطأ فادحا بمراقبة البرنامج النووي الايراني خلال العقود الماضية دون أن تعمل على ايقافه.
اليوم بينما أمريكا منشغلة بتأمين توازن القوى في المنطقة ومنشغلة بالأزمة النووية الإيرانية هنا فقط استطاعت روسيا أن تكون طرفاً يحتكر الأزمة السورية بمساعدة ايران التي تتدخل بشكل كبير في سورية ليس من اجل الاسد ولكن من اجل أن تجعل الأزمة السورية بشقها العسكري والطائفي في موقع حساس من خاصرة الولايات المتحدة بوجود روسيا التي لم تعد تمتلك من التأثير الدولي سوى مقعدها في مجلس الامن.
أمريكا وروسيا تدركان تماما أن الامم المتحدة ومجلس الامن غير قادرين على حل ازمة معقدة بحجم الأزمة السورية، كما أن تاريخ الامم المتحدة الدائم يتمثل فقط في ابراز الصراع بين الأقوياء في مجلس الامن عندما تتعارض المصالح بينهم فإما أن يتقاسموا النتيجة او يفسدوا مشروعات الامم المتحدة مهما كان حجمها.
الدول الست التي تفاوض إيران على سلاحها النووي تفاوض وفق فلسفة واحدة هي: من خلال استخدام ايران سلاحها النووي ورقة ضغط على أمريكا أو استخدام ايران ورقة ضغط على روسيا - لذلك تبدو لعبة التفاوض مكشوفة وهي لا تدار في أي موقع في العالم ولكنها تدار بين طهران ودمشق حيث اصبحت تلك الحرب الدائرة هناك في سورية ذات طابع دولي فهي حرب قوى دولية تحت مفهوم يستخدم السكان والطوائف والاحزاب بالإضافة الى استخدام كل وقود يمكن أن يساهم في إشعال تلك الحرب.
العامل الاكثر تسريعا لفض الأزمة السورية من قبل أمريكا وذلك بعد سلاح إيران النووي هو تلك المخاطر التي يمكن أن تتغير على الارض وخاصة من جانب اسرائيل فالاستقرار في مناطق الجولان معرض للخطر، والامن الذي حظيت به الجولان على مدى العقود الماضية معرض للخطر في أي لحظة مع اقتراب حزب الله واقتراب الجماعات المتشددة والقاعدة من تلك المناطق.
الأزمة السورية درس قاس في الثورات العربية وخاصة لأمريكا التي فقدت كيفية التصرف منذ بداية الأزمة، فسورية ولبنان والعراق وإيران أربع دول سوف ترهق الدبلوماسية الأمريكية فكلما زاد امد الأزمة السورية تضاعفت احتمالات الخطر التي من الممكن ان تشكلها الأزمة على أمريكا وحليفتها اسرائيل، كما أن إيران سوف تستثمر الوقت والجهد لتقوية موقفها النووي وموقفها السياسي في المنطقة عبر اللجوء المستمر للفيتو من حليفتها الاستراتيجية روسيا.
على أمريكا اليوم تقسيم الحرائق المشتعلة في غابات الشرق الأوسط الى مربعات سياسية ومن ثم البدء بإطفاء تلك المربعات واحداً تلو الأخر، اما ما يجري اليوم من ارتباك السياسة الأمريكية بين ايران وسورية والعراق والخليج واليمن ولبنان جعل السياسة الأمريكية ضعيفة الى درجة انها اعتبرت روسيا الدولة الضعيفة عسكريا، والمنهكة اقتصاديا شريكا رئيسا لها من اجل حل الأزمة السورية، وهذا الخطأ الاستراتيجي سوف تدفع أمريكا ثمنه خلال السنوات القادمة بقرارات عسكرية سوف تلقن أمريكا دروسا في الخسائر العسكرية اكبر مما تعتقد أنها تتحاشاه اليوم..