الرئيسة \  واحة اللقاء  \  "حماية المدنيين" في سوريا

"حماية المدنيين" في سوريا

27.03.2018
حسام ميرو


الخليج
الاثنين 26/3/2018
تنصّ اتفاقية جنيف الرابعة على حماية المدنيين خلال الحروب، وقد وقعت الاتفاقية في 12 أغسطس/ آب 1949، وأصبحت منذ ذلك الوقت أهم مرجعية في القانون الدولي بما يتعلق بتعاطي الجيوش مع المدنيين أثناء الحرب، وتكمن أهمية هذه الاتفاقية في أنها لا تتعلق فقط بالنزاعات الدولية، وإنما بالحروب بشكل عام، وتطالب الاتفاقية بمعاملة المدنيين أو من هم في حكم المدنيين معاملة إنسانية، وتصنف الأفراد الذين ألقوا سلاحهم بأنهم في حكم المدنيين، وبالتالي تنطبق عليهم بنود الاتفاقية.
تضمّنت الاتفاقية بنداً خاصّاً بشأن الحفاظ على كرامة المدنيين، وحظرت "الاعتداء على الكرامة الشخصية، وعلى الأخص المعاملة المهينة والحاطة بالكرامة" كما نصّت على معاملة خاصّة بالجرحى "يجمع الجرحى والمرضى ويعتنى بهم"، كما حظرت "أخذ الرهائن"، وفي محاولة لجعل مفهوم "حماية المدنيين" أكثر شمولاً، فقد تضمنت الاتفاقية بنوداً خاصة تتعلق بالمعتقلين، وكيفية معاملتهم، ومسؤولية الأطراف كافة عن حفظ حياة المعتقلين لديها، وضرورة معرفة ذويهم بمكان وجودهم.
في الحربين العالميتين الأولى والثانية دفع المدنيون ثمناً باهظاً، وقد خسرت البشرية في الحربين عشرات الملايين بين مقاتلين ومدنيين، وهو ما دفع الأطراف الدولية التي شاركت في الحربين إلى وضع اتفاقيات خاصة بحماية المدنيين، منذ 1929، وهو تاريخ توقيع الاتفاقية الأولى بهذا الخصوص، ومنذ ذلك الوقت، وجدت مؤسسات تنفيذية تعمل على مراقبة الاتفاقية، والتواصل مع مختلف أطراف النزاعات من أجل تطبيقها، والإسهام المباشر في ذلك، من خلال مؤسساتها، وفرق العمل التي تعمل فيها، ومثالها الأشهر "اللجنة الدولية للصليب الأحمر الدولي"، وهي لجنة موجودة قبل كل اتفاقيات جنيف، وتعد أقدم مؤسسة عاملة في هذا المجال، وقد تأسست في 17 فبراير/ شباط عام 1863، وكان لهذه اللجنة دور مهم في الحروب العربية مع "إسرائيل"، من حيث متابعة قضايا الأسرى بين الطرفين، وكانت طرفاً رئيسياً مشرفاً على تبادل الأسرى بين سوريا و"إسرائيل" في عام 1984.
لكن مبدأ حماية المدنيين المنصوص عليه دولياً يصبح غاية في التعقيد حين يتعارض مع مصالح دول كبرى منخرطة في الصراع، أو خلال الحروب الأهلية، حيث لا تسمح أطراف النزاع لجهات حقوقية دولية بالعمل على الأرض، وتمنعها من الحصول على المعلومات الضرورية لعملها، وأهمها توثيق عمليات الاعتقال، وظروف احتجاز المعتقلين، وكيفية التعامل معهم، أو حاجة المدنيين في مناطق محاصرة إلى الغذاء والدواء، وعدم استخدامهم للضغط العسكري على الخصوم، والعمل على تأمين احتياجات الفئات الأكثر احتياجاً، مثل الأطفال والنساء والشيوخ والمرضى.
في السنوات القليلة السابقة، كان المثال السوري هو الأبرز لجهة غياب مبدأ "حماية المدنيين"، وقد أدى غياب تطبيق هذا المبدأ الدولي إلى فرار ملايين السكان من بيوتهم، ومغادرة قراهم ومدنهم، وعبور البحار والمحيطات إلى دول آمنة، كما فشل المجتمع الدولي في إيصال المساعدات إلى المدنيين المحاصرين في بعض البلدات والمدن، وآخرها في الغوطة الشرقية، وقبلها في مناطق عدة، كما حدث في داريا والزبداني ومخيم اليرموك ونبل والزهراء وغيرها، حيث بقيت محاصرة من قبل قوات النظام السوري والمعارضة، ما يعني استخداماً صريحاً للمدنيين كرهائن.
في ملف المعتقلين في سجون النظام هناك غموض كبير، حيث إنه منذ بداية الصراع، تحول المعتقلون إلى مفقودين، لا يمكن معرفة أماكن اعتقالهم، أو ظروف احتجازهم، مع شيوع ظاهرة تسليم البطاقات الشخصية للمتوفين داخل السجون إلى ذويهم، من دون معرفة أسباب الوفاة، وهي في معظمها ناجمة عن التعذيب والظروف غير الإنسانية للاعتقال، كما أن الكثير من الفصائل المقاتلة ضد النظام بنت سجونها الخاصة، والتي يصعب الوصول إلى معلومات حول المعتقلين لديها، فما زالت قضية الناشطين الأربعة المفقودين في الغوطة الشرقية ماثلة في أذهان السوريين، خصوصاً مع رفض "جيش الإسلام" الاعتراف بمسؤوليته.
اللافت في المثال السوري هو أن الأطراف الدولية المنخرطة في الصراع قامت هي الأخرى بانتهاكات جسيمة ضد المدنيين.
الحصاد السوري المر لم يكن فقط نتيجة للصراع، بل نتيجة عدم اكتراث بما أنجزته المنظومة الحقوقية الدولية بشأن المدنيين، وعوضاً عن تطبيق مبدأ حمايتهم أصبح المبدأ الفعلي هو استخدامهم كأدوات للفوز في الصراع.