الرئيسة \  واحة اللقاء  \  حوادث "مبهجة" من انتخابات الرئاسة في سوريا

حوادث "مبهجة" من انتخابات الرئاسة في سوريا

26.05.2014
عارف حمزة


المستقبل
الاحد 25/5/2014
من كثرة طيبة قلب الشعب السوريّ، ظنّ العديد منهم بأنّ تأخّر الرئيس السوريّ بشّار الأسد، في ترشيح نفسه لمنصب رئيس الجمهوريّة، سيحمل مفاجأة من العيار الثقيل؛ ألا وهي عدم ترشيح نفسه لدورة رئاسيّة ثالثة! إنّهم ما زالوا يعقدون الآمال تلو الآمال من أجل أن يصحو ذاك الطبيب، الذي تلقّى علومه في الغرب، من الاتقان المفرّط لدور الديكتاتور الدمويّ.
عدم ترشيح الأسد لنفسه في البداية، كان، من وجهة نظر أولئك البشر نوعاً من الحلّ السحريّ، لوقف آلة القتل الضاجة بالنشاط. الحلّ السحريّ الذي يشابه امتلاكه "العصا السحريّة"، التي قال بأنّه لا يمتلكها في بداية عهده في عام 2000. ولكنّه وعد الشعب العاطفيّ بأنّه سيمتلكها لا محالة، من أجل عمليّة "التطوير والتحديث". ويبدو أنّه احتاج لأحد عشر عاماً من أجل امتلاك تلك العصا السحريّة، الغليظة والسّامة، لاستعمالهاعلى خشبة مسرح التطوير والتحديث، الجارية منذ أكثر من ثلاثة أعوام متواصلة.
الآمال نفسها ستتكرّر، وستتخثّر ثمّ ستموت، مع كلّ خطاب رئاسيّ عن الأحداث التي تجري في سوريّا. إذ ظلّ الشعب متوسّماً الخير في جلاده، في أن يخرج على الشعب، ويعلن اعتقال عاطف نجيب وماهر الأسد وعلي مملوك.. إلى آخر القائمة التي سيصوّرها للناس على أنّه "انقلاب أبيض"، ضد الذين أخفوا العصا السحريّة عن طبيب العيون.
وكان هناك منهم مَن تمادى في آماله، في أن يعلن الأسد تنحيه عن كرسيّ الرئاسة، من أجل وقف إراقة دم السورييّن. خصوصاً من "العمّال والفلاحين"، الذين ظلّ حزب البعث يجهّزهم لهذه المحرقة المأساويّة، التي تجري بعنف كبير في الأرياف.
وربّما لحدّ الآن، بعد قتل أكثر من مئتي ألف شخص، واعتقال عشرات الآلاف، ونزوح تسعة ملايين مواطن، وهدم مئات المدن والبلدات، هناك من يقول بأنّ الأسد لا علاقة له بما يجري؛ فهو "عبد مأمور". طامرين أفعاله الخياليّة في الإجرام، بطبقات سميكة من حسن الظنّ.
ماذا فعل النظام لهذا الشعب، طوال العقود الذهبيّة للديكتاتوريّة، حتى يكون عاطفيّاً لهذه الدرجة؟ حتى يتوسّم خيراً من جلاده الدمويّ؟ ألا يشبه ذلك أن يركض أحدنا من مكانه الآمن إلى ذلك المكان غير المتوقّع، كي تصيبه القذيفة الطائشة؟
قد يُخطئ ماهر الحجّار خطأ ذلك الشعب، ويظنّ نفسه قادراً على إزاحة الديكتاتور عن كرسيّ الرئاسة، بترشيح نفسه للانتخابات الرئاسيّة. ولكنّ الحجّار شخص عمليّ، وليس عاطفيّاً؛ فسرعان ما صرّح بأنّه سينتخب بشّار الأسد وبالدم. وكان على الناس أن تقول له: بالصرماية وليس بالدم يا سيّد ماهر. وهكذا تكون قد خطت خطوة أكبر خارج عاطفيّتها المزمنة.
في انتخابات عام 1985 فاز الرئيس السوري الراحل حافظ الأسد (1930 2000) بنسبة 100 في المئة في الاستفتاء الشعبيّ المخزي، بعد مرور ثلاث سنوات تقريباً على أحداث "حماه"، وتكرّرت هذه النسبة في الاستفتاءات اللاحقة. ومع ذلك أزعج السلطات الأمنيّة اكتشاف ورقة اقتراع واحدة ترفض استمرار تولّي الأسد الحكم في سوريّا في بلدة "صوران" في ريف حماه، على سبيل المثال. فما كان منهم سوى اعتقال أكثر من مائتي شاب من تلك البلدة، واقتيادهم إلى مكان مجهول. وما زال ذلك المكان مجهولاً منذ عام 1985، ولم يعد أحد من أولئك الشبّان بعد!
أمّا في "مبايعة" حافظ الأسد في عام 1999 فقد تمّ اكتشاف العشرات من أوراق الاقتراع التي تبايع فيها الرئيس العراقي السابق "صدام حسين" في مدن محافظة دير الزور!
ما يثير الضحك أكثر في سيرة الانتخابات في سوريّا، من أصغر عمليّة انتخابيّة إلى أعلاها، هو ذلك التزوير المفضوح، بشكل يثير السؤال حول استخفاف أجهزة النظام الأمنيّة بعقول أبناء هذا الشعب. ففي الانتخابات البرلمانيّة الأخيرة على سبيل المثال لا الحصر، بعد صدور القانون الجديد الناظم للأحزاب، كان التزوير شغّالاً على قدم وساق، ولكن هذه المرّة بشكل "قذر" من أجل صدم عقول أولئك الذين نادوا بتعديل المادة الثامنة من الدستور القديم؛ التي كانت تنص على أنّ حزب البعث الحاكم هو الحزب القائد للدولة والمجتمع. ففي مدينة رأس العين السوريّة التابعة لمحافظة الحسكة، والتي تبعد عن المحافظة دمشق ما يُقارب الألف كيلومتر، حصلنا على قوائم المنتخبين من اللجان المراقبة لعمليّة الانتخاب. واكتشفنا أنّ بشار الأسد قد شارك في الانتخابات في تلك المدينة البعيدة. أي أن بشار الأسد قد مارس حقّه الانتخابيّ مرّتين في ذات اليوم؛ مرّة في العاصمة دمشق، وأخرى في مدينة رأس العين! وكان لا بدّ من وجود اسم الممثلة سلاف فواخرجي في تلك القوائم أيضاً. كما عثرنا على أسماء معارضين لا يستطيعون الدخول أحياء إلى مناطق النظام؛ مثل جورج صبرا وبرهان غليون. وسيكون مبهجاً أكثر أن يكون من بين الذين انتخبوا أعضاء البرلمان السوري الحالي والعتيد مواطنون سوريّون يحملون أسماء: خالد بن الوليد وعمر بن الخطاب ومحمود درويش ونزار قباني وتوفيق زياد وطارق بن زياد وابن المقفع!
إنّ هذه الآمال تشبه تماماً، ويا للأسف، منطق العبيد في انتظار المكافآت والغفران من السيّد الإقطاعيّ. إنّها نقيض الحريّة التي نادى بها الأحرار من الشعب. وهي تقارب القصة التي سردها عليّ أحد فقراء مدينتي، عندما ترافعتُ عن ابنه الذي اعتقلوه بسبب التظاهرات. فبعد أن شكرني ذلك الرجل، وقلتُ له بأنّه واجبي كمحام، قال لي: يا أستاذ ابني جحش. فقلت له بأنّ ابنه شجاع وليس جحشاً، وبأنّه عبّر عن رأيه وحقه و.. ولكن الرجل قاطعني ليقول:
ـ يا أستاذ. أريد أسألك سؤالاً.
ـ تفضّل. قلت له.
ـ إذا كان عندك قطعة أرض. طابو أخضر باسمك.
ـ نعم.
ـ ثمّ جاء أحد الناس ليأخذها منك. ولم تستفد من القانون. ألا تدافع عن أرضك؟ ألا يمكن أن تقتل ذلك الشخص لإنّه يريد أخذ أرضك ورزقك؟
ـ ممكن. بس لوين بدك توصّل؟. سألته.
ـ هذه هي المسألة يا أستاذ. إنهم ينظرون إلينا كعبيد لهم في هذه الأرض. وثمننا رصاصة واحدة، ثمنها قروش، يستطيعون قتلنا بها في الوقت الذي يشاؤون. نحن لسنا بشراً في نظرهم. نحن عبيدهم.
هذا الوصف من ذلك الأب الفلاح، الأميّ والفقير، أهم وأعمق من كلّ الفلسفات التي أحاطت بهذه الثورة وبهذا النظام.