الرئيسة \  واحة اللقاء  \  حوارات القاهرة وموسكو

حوارات القاهرة وموسكو

03.01.2015
سلامة كيلة



العربي الجديد
الخميس 1-1-2015
حراك متتابع يتعلّق بالملف السوري، جرى ويجري منذ أيام، الأساس فيه عودة موسكو إلى الملف السوري، بعد انغماس في الأزمة الأوكرانية، حرّضه، كما يبدو، التقدم الأميركي نحو سورية، عبر "الحرب على داعش"، وجعل واشنطن طرفاً "ملموساً" في الملف، وكانت تتصرّف من بعيد، بدعم الحل الروسي، كما في جنيف1 وجنيف2، أو تسهيل دور "الجهاديين" الذين كان يعتقد نظاما دمشق وطهران أنهما يلعبان بهم، خصوصاً ضد الثورة في سورية والحراك الشعبي في العراق.
تريد موسكو حواراً بين أطراف المعارضة تستضيفه، يكون مقدمة لحوار بين المعارضة "الموحدة" والسلطة السورية. ويحاول النظام المصري أن يلعب دوراً، بدعوة المعارضة لتجتمع في القاهرة قبل الذهاب إلى موسكو، بأمل وصولها إلى تصوّر مشترك، يساعد على تسهيل المهمة في موسكو. ويقال إن هناك تنسيقاً بين العاصمتين، وإن واشنطن مطلعة عليه وتدعمه.
وقد تسربت أوراق تتعلق بنقاط التوافق في إطار المعارضة، وحول "خريطة طريق" لحل قائم على مبادئ جنيف1. وهي أوراق جدية ومهمة، حيث تنطلق من إبعاد الصفين الأول والثاني في السلطة في سورية أساساً للحل، وبالتالي، ترتيب صيغة الدولة في المرحلة الانتقالية. وربما هذه هي الورقة الأنضج في ما طُرح منذ بدء الثورة، خصوصاً بعد الاستعصاء، ثم الميل إلى تقديم حلول سياسية.
لا يبدو أن موسكو استفادت من تجربة جنيف2. لهذا، قررت أن يأتي الوفد نفسه الذي أفشل تلك التجربة، وأن يكون بشار الأسد السلطة التي يجب الحوار معها. وكأنها ما زالت تريد حلاً في ظل السلطة القائمة. وبهذا، هي لا تريد الحل، بل ما زالت تتمسك بسلطة لا إمكانية لحل في ظلها. هذا ليس نتيجة "تشنّج"، بل نتيجة فهم الواقع السوري الآن، والذي يقول إنه حتى وإنْ وافقت كل المعارضة على الحل في ظل الأسد، فإنه لن ينجح، لأن ما جرى ثورة تريد "إسقاط النظام"، وبغض النظر عمّا آلت إليه، لم تعد الجرائم التي ارتكبتها السلطة تسمح بأن يظل مرتكبها في السلطة.
وإذا كانت كل المعارضة غير مؤثرة في الواقع، فالذي يجعل الحل السياسي ممكناً أو يفشله هو "وضع الشعب"، أقصد الشعب بكل فئاته، والذي تعرّض للقتل وعانى من الدمار، وبات لاجئاً، وأيضاً الشعب الذي خيضت الحرب باسمه، وفقد أكثر من مئة ألف من شبابه "دفاعاً عن السلطة". ليس سهلاً إقناع كل هؤلاء بأن الأمر انتهى بـ"تبويس لحى"، وأن كل القتل والدمار كان عفواً. وبالتالي، سوف يعود الوضع وكأن شيئاً لم يكن، أو أن تعديلاً بسيطاً حدث في بنية السلطة، وهو تعديل كان يمكن أن يتحقق بكل بساطة، من دون كل هذا الدم والدمار، وجنون السلطة الوحشي، واستجلب تدخلاً إقليمياً ودولياً، كان يصبّ في خدمة السلطة نفسها.
بالتالي، ليس مطلوباً أن يقدَّم الحل للمعارضة، أو تقبل السلطة حلاً يدمج المعارضة بها، فهذا لن يكون حلاً، لن يمتلك أي مقومات نجاح. لهذا، يمكن دمج بعض أطراف المعارضة في السلطة، لكن هذه الأطراف ستزول مع السلطة، بعد أن يظهر أن الحل ليس حلاً، وأن الصراع لم يخمد، على الرغم من كل معاناة الشعب.
هذا يعني ثلاث مسائل: الأولى أن على روسيا، إذا أرادت الحل، أن تؤسس كل نشاطها على إبعاد الأسد، وبالتالي، أن تدفع أطرافاً أخرى في السلطة توافق على مبادئ جنيف1، لكي تكون هي ممثلة السلطة. والثانية أن تعلن أنها تريد الحل من دون الأسد، والثالثة ألا تشارك المعارضة في حوار مع الطاقم نفسه الذي أفشل جنيف2، وأن تنطلق من حسم مسألة الحل من دون الأسد منذ البدء، وإلا دخلت في متاهة حوار فاشل، يضرّ أكثر ممّا يفيد.