الرئيسة \  واحة اللقاء  \  حوار الطرشان في "جنيف 2"

حوار الطرشان في "جنيف 2"

11.02.2014
عرفان نظام الدين


الحياة
الاثنين 10/2/2014
في انتظار الجولة الثانية من المفاوضات، فإنه يمكن تأكيد صحّة التوقعات القائلة إن مؤتمر "جنيف 2" للسلام في سورية سيتحول مع الأيام إلى مسرحية خطابية تتبادل فيها الوفود الاتهامات وتعلن فيه المواقف المعروفة في حوار طرشان علني وصولاً إلى "حوار طرشان" رسمي وسري متبادل بين الطرفين، أي النظام السوري والمعارضة المتمثلة بالائتلاف الوطني، وصفه البعض بأنه منازلة في عرض الشروط القصوى لعل الأيام تخفف من استحالتها.
وقد قيل الكثير عن الجولة الأولى منذ الجلسة الافتتاحية وتوابعها حتى اليوم الأخير، وسجل كل فريق أهدافاً في مرمى الفرقاء الآخرين فيما بدا الشرخ يزداد اتساعاً بين المواقف السورية أولاً ثم المواقف الدولية المنقسمة إلى محورين.
وأخشى ما أخشاه أن تلحق الجولة الثانية بالجولة الأولى الفاشلة، ومن بعدها جولات من المفاوضات العبثية والجولات المكوكية لساعي البريد، أو "البوسطجي"، الأخضر الابراهيمي ممثل الأمم المتحدة، وأن تدفن القضية وهي في مهدها وتتحول المفاوضات إلى حكاية "إبريق الزيت" أو إلى مضيعة للوقت. وهذا ما يتوقعه الكثيرون وسط أحاديث عن توافق أميركي- روسي على تجديد الضغوط على الوفدين.
فماذا استفاد السوريون من مشاركة 45 وفداً يمثلون دولاً قريبة وبعيدة، معنية وغير معنية، وبعض المنظمات الدولية فيما الدمار يتعمق والمعارك تتواصل والدم يسفك والنزوح يتزايد والآهات تتصاعد والآلام تزداد حدة والدموع تختلط بالدم الزكي ليتحول إلى شلال يدمغ البشرية بعار ما بعده عار بعد 3 سنوات على حرب ليس في الأفق أية بادرة أمل بتوقفها، وأزمة ظلام ليس في نهاية نفقه بصيص من نور.
كل ما يمكن أن يقال في المؤتمر بعد أن أخذ استراحة قد تطول هو أن المشاركة الدولية الكثيفة تمثل اعتراف العالم كله بوجود مأساة تراجيدية مرعبة، وأن من الضروري إيجاد حل عاجل لإنهائها لأن استمرارها سيحولها إلى بركان يلقي بحممه في كل مكان وسيوصل شرر نارها إلى دول الجوار ثم إلى المنطقة والعالم بأسره.
هذا الاعتراف المتأخر هو الإيجابية الوحيدة فيما الدلائل كلها لا تبشر بخير في عمل جدي لدرجة أن راعي المؤتمر الثاني سيرغي لافروف وزير الخارجية الروسي خفّف من اندفاعة الأمل بالتأكيد أن المفاوضات صعبة وهي لن تكون سهلة ونتائجها لن تكون سريعة.
هذا الكلام وجيز، لكن دلالاته كبيرة، ما يعني أن المؤتمر كان مجرد بداية لطريق طويل وصعب مزروع بحقول الألغام وأن المأساة ستستمر إلى أجل غير مسمى مع كل ما تحمله من قتل ودمار ونزيف ونزوح، فيما ينظر البعض إلى نصف الكأس الملآن بالقول إن طريق الألف ميل يبدأ بخطوة، وقد حصلت، وأن الخطوات الكبيرة تحتاج إلى خطوات صغيرة تمهد الطريق لجهد أكبر.
ولكن السؤال الكبير والملحّ المنبعث من متابعة أيام وليالي المؤتمر ومن بعده المفاوضات في غرف مغلقة ثم وجهاً لوجه هو إلى متى ستستمر الحرب؟ وإلى أين ستتجه سورية؟ وهل يمكن حسم الأمور من دون تعديل في موازين القوى أو تطور كبير في الميدان أو حتى بضغط دولي ينتهي بالتوافق على تدخل أجنبي وسط حديث عن التمهيد لإنشاء قوات لحفظ السلام ترسل إلى سورية خلال الأشهر القليلة المقبلة؟
في انتظار جلاء الأمور، لا يبدو أن أي فريق قادر على الإجابة عن السؤال وسط الجدل البيزنطي حول "جنس الملائكة" في المرحلة الانتقالية وكيف سيتم تشكيلها طالما أن الأطراف المعنية مختلفة في الأعماق على المبادئ لا على التفاصيل.
ففي الجانب الدولي، بدا واضحاً أن راعيي المؤتمر، أي روسيا وأميركا، يختلفان في الرأي حول المفهوم الأساسي الذي بنيت عليه الدعوة إلى مؤتمر "جنيف 2"، وهو القبول بمبادئ "جنيف 1" ومنها قضية الهيئة الحكومية في المرحلة الانتقالية والصلاحيات الكاملة التي ستمنح لها.
فالروس يعتبرون أن الحديث عن تنحي الرئيس الأسد غير وارد وأن موضوع المرحلة الانتقالية يترك للسوريين ليتفاوضوا في شأنه، وهذا ما يعبر عن الموقف السوري في شكل أو في آخر وتتفق معه إيران وبعض الدول. فيما يؤكد الأميركيون أن لا مكان للرئيس السوري في المرحلة الانتقالية وأن البحث يتركز حول تفاصيل الانتقال ويتفق معهم إقليمياً اللاعب التركي ومعه المملكة العربية السعودية ودول عربية عدة والدول الأوروبية في شكل عام.
ولكن الأهم من كل ذلك أن الجلسات العلنية ثم الجلسات السرية والرحلات المكوكية أكدت عمق الخلافات بين الوفدين المعنيين. فوفد النظام يؤكد الخطوط الحمر وهي: لا لتنحي الرئيس ولا بحث في هذا الأمر ولا قبول بتغيير النظام ولا للاعتراف بالائتلاف الوطني السوري كممثل شرعي وحيد للمعارضة. كما أن الوفد أكد أن المفاوضات بين السوريين يجب أن تتم على الأرض السورية، لا في مونترو ولا في جنيف. فيما وفد المعارضة كان واضحاً في أنه جاء إلى المؤتمر، على رغم الضغوط التي تعرض لها، وعلى رغم انسحاب بعض أعضائه لكي يبحث في أمر واحد، وهو تشكيل هيئة حكومية للمرحلة الانتقالية لا يكون فيها للرئيس الأسد أي دور وأي سلطة.
من هنا، يبرز عمق الخلاف وصعوبة إيجاد حل وسط في هذه المرحلة، إلا إذا حدثت مفاجأة كبرى ساعدت في تغيير المواقف وتليين التصلب، خصوصاً أن هذا الخلاف ليس الوحيد بين أطراف المؤتمر بل يبرز خلاف آخر مهم حول الأولويات، ففيما يطرح البعض بنداً وحيداً لا سابق له ولا لاحق، وهو الهيئة الانتقالية، تطرح دول أخرى بينها دول أوروبية حلولاً مرحلية تضع سلّماً للأولويات ومنها وقف إطلاق النار، فك الحصار عن المدن، إيصال المساعدات الإنسانية، إطلاق المساجين والمعتقلين والإفراج عن المختطفين والتمهيد لعودة من يرغب من اللاجئين والنازحين كبادرة حسن نية وإثبات لجدية الاتجاه نحو حل شامل.
وهنا يكمن خلاف آخر حول مثل هذا الحل، فالوفد السوري يؤكد أن أي نتيجة للمؤتمر وأي اتفاق محتمل في المفاوضات يجب أن يطرح على استفتاء شعبي في سورية، ما يزيد في تعقيد الحل ويطيل أمده، لأن أي استفتاء يحتاج إلى وقت طويل لإنجازه. كما أن تشعب الميادين وتعدد القوى التي تسيطر عليها يجعلان من الاستفتاء أمراً مستبعداً إن لم يكن مستحيلاً.
أما العقدة المحرجة والصعبة، فتتمثل في قضية القوى المتطرفة، ولا سيما "داعش" المنتمية إلى "القاعدة" وكيفية القضاء عليها بعد أن زادت من حجم المأساة وجعلت الحل الشامل شبه مستحيل ودفعت العالم إلى الخوف من نتائج تمددها في حال لم تتضافر القوى للقضاء عليها وطردها من الأراضي السورية.
وهذه القراءة الأولية لمؤتمر جنيف ومفاوضات الجولة الأولى تؤكد حجم العقد والصعوبات في ظل حوار طرشان عنوانه الأول عدم اعتراف النظام بالمعارضة وبصورة خاصة بأحقية تمثيل الائتلاف الوطني لأطياف المعارضة، فيما لا يعترف الائتلاف بالنظام وأحقيته بالتفاوض ويطالب بتنحيته ومحاكمته.
وهذا كله سيزيد من حالة التشاؤم لدى مختلف الأطراف بخاصة بعد أن استمعنا إلى تصعيد في لغة التخاطب بين الدول العربية وامتعاض إيران من سحب الدعوة الموجهة إليها بسبب رفضها الالتزام بمبادئ "جنيف 1"، ما يوحي بأنها في صدد التصعيد في سورية ولبنان وغيرهما من خلال تأكيدها أن "جنيف 2" سينتهي إلى الفشل بسبب عدم مشاركتها في الحل، بعد أن اتهمت بأنها جزء من المشكلة وليست طرفاً في الحل.
هذا مع الاعتراف بأن ما من أحد كان يتوقع أن يتم إظهار عصا سحرية تحل الأزمة بطرفة عين أو بسحر ساحر. فهذه الحرب، كما قالت ممثلة الاتحاد الأوروبي كاثرين آشتون، لا مثيل لها في التاريخ. كما أن المؤتمر نفسه على رغم السلبيات والانتقادات والاعتراف بعدم القدرة على الحل ليس له مثيل في التاريخ من حيث الحضور والمشاركة والاهتمام. والأهم من كل ذلك أن "الوقت هو أهم عامل" بالنسبة إلى مأساة الشعب السوري، وهو ما لم يحترمه أحد أو يكترث لمعاناته أو يضع جدولاً زمنياً لخطوات الحل والتصميم على المتابعة والضغط لتنفيذ كل ما يتفق عليه.
فما جرى بالنسبة إلى إيصال المساعدات الى المحاصرين في حمص وغيرها وما قيل عن الممرات الإنسانية والخطوات الصغيرة الأخرى، كان بداية طريق طويلة وليس نهاية الأزمة. وكل ما يقال غير ذلك عبارة عن ذر الرماد في العيون لأن الذي يده في الماء ليس كالذي يده في النار، والذي "يأكل القتلة" كما يقول المثل السوري، ليس كالذي "يعد العصي"... فالنهاية لم يحن أوانها بعد إلا إذا وقع حدث ما يقلب الموازين، وإلا فإن المفاوضات ستكون "صعبة وطويلة وليست سريعة" كما قال لافروف!
وهذا ما انتهت إليه المبارزات الخطابية في أسبوع كان يفترض أن يكون أسبوع أمل للسوريين والعرب، لكن الجرح ما زال مفتوحاً ينزف دماً زكياً وغالياً... ولا نتيجة لحوار الطرشان إلا بأمل هو أن لكل أزمة نهاية مهما طالت، ولتكن البداية في جلوس الأطراف على مائدة واحدة. وهذا ليس كافياً. فلننتظر لنرى ما ستؤول إليه مفاوضات الجولة الثانية مع أن بورصة الآمال متدنية جداً.
* كاتب عربي