الرئيسة \  واحة اللقاء  \  حوار مع المعارضة السورية

حوار مع المعارضة السورية

02.11.2013
د. رياض نعسان أغا


الاتحاد
الجمعة 1/11/2013
قبل أي حوار مع النظام والمجتمع الدولي في جنيف أو سواها، بات ضرورياً أن يتعمق حوار داخل أطياف المعارضة التي تواجه مشكلة كبرى في تفرق شملها وشتات رؤاها واختلاف مرجعياتها، مما أضعف موقفها وجعل انقساماتها تهدد الثورة بالانهيار وتجعل الشعوب في المجتمع الدولي تتراجع عن شعورها بالتأييد، وتتجه لاعتبار ما يحدث في سوريا حرباً أهلية يصعب أن ينحاز الآخرون إلى جهة فيها ضد جهة أخرى.
ولست ممن يعتبون على المجتمع الدولي في تراجعه عن دعم الثورة السورية بالتدريج، أو ممن يلقون عليه مسؤولية التشرذم الحاصل في صفوف المعارضة، فعالم السياسة الدولية ليس عالم قيم فاضلة ولا مشاعر إنسانية إلا في الحدود الدنيا، إنه عالم تحالفات كبرى تنتصر للقوي وتزيد في سحق الضعيف. وهو عالم تقود قواه الرئيسة منظمات عابرة للدول والجنسيات والقوميات، تسيطر الصهيونية العريقة على مقابض القرار فيه، ويبدو كثير من قادة العالم اللاعبين على مسرح السياسة الدولية مجرد منفذين لسياسات خفية لا تظهر للعيان، ولكنها لا تغيب عن العقول، وكان طبيعياً أن يسهم الداعمون أنفسهم في تشتيت المعارضة بحثاً عن ولاءات وتحالفات.
وأخطر ما في الوضع السوري الراهن عدم تكافؤ القوى بين الجبهتين المتصارعتين، فالنظام على رغم كل ما تعرض له من ضعف وانهيار لا يزال يشكل رؤية واحدة لا يجرؤ أحد من أتباعه أن يخرج عنها، وعلى رغم تعرضه لانشقاقات وانقسامات وتحول بعض قواه إلى ميليشيات، لكنه لا يزال في قبضة رجل واحد، يأتمر الجميع بأمره. وقد زاد من تماسك جبهة النظام إخلاص داعميه له في المجتمع العربي والدولي، وكرمهم السخي في تقديم كل أشكال العون المادي والعسكري والإعلامي والدبلوماسي وبخاصة ما يجده من دعم إيران وروسيا، ومهما تكن الدوافع التي ينطلق منها داعموه فالمهم أنها تصب في مصالحه.
وعلى الصعيد الشعبي كان من حسن حظ النظام أنه قد تمكن من إقناع مؤيديه بأن مصيرهم مرتبط بمصيره، وأنهم إن لم يقفوا إلى جانبه ويدافعوا عنه، فإنهم سيواجهون مصيراً بشعاً، وقد تمكن من إغراقهم بالمسؤولية عن شلال الدم المراق، وورطهم في ارتكاب مجازر جعلت أيديهم تقطر دماً فباتوا مجرمين بحق شعبهم ومسؤولين عن قتل مئات الآلاف واعتقال وتعذيب مئات آلاف آخرين وتشريد ملايين، ولم يعد أمام هؤلاء المؤيدين سوى الإمعان في الجريمة والالتحام بقاطرة النظام والدفاع عنه حتى الرمق الأخير. وكان من حسن حظه أيضاً أنه فضلاً عن تمكنه من جعل الطائفة العلوية حصنه الأمنع، تمكن من إقناع بعض الأقليات بأن الغالبية السنية ستقصي الأقليات وتلتهم المستقبل وحدها. وسرت أكذوبة الاصطفاف الطائفي لتحجب حقيقة أن الاصطفاف الحاصل هو اصطفاف سياسي، وأن التمزق في المواقف هو داخل الأسرة الواحدة، وأن النظام يعتمد على كثير من أهل السنة الذين وقفوا ضد شعبهم وتحالفوا مع الاستبداد بدوافع مصالحهم الشخصية، وبعضهم تمترس وراء انتماءات سياسية حزبية أو فهم مختلف لما يحدث. وبعض الداعمين للنظام من أهل السنة تحديداً هم ممن اقتنعوا بدعاية النظام بأن الثورة الشعبية التي انطلقت تطالب بالحرية والكرامة هي مؤامرة كونية تقودها إسرائيل والولايات المتحدة، وهؤلاء يحارون اليوم في تفسير هذه المؤامرة بعد أن اكتشفوا أن من ظنوهم يتآمرون عليهم هم الذين يدعمون النظام ويدافعون عن بقائه على رغم كل الجرائم التي ارتكبها.
وعلى الجبهة الأخرى، حيث الثورة والمعارضة والملايين من الشعب المشرد الهائم في بلاد الهجرة واللجوء في صحارى مخيمات النزوح التي تفتقد إلى أبسط مقومات الحياة، تبدو الصورة شديدة القتامة والتجهم، فأمام توحد جبهة النظام نجد هشاشة تماسك المعارضة، وتفرق قواها في تشعبات وتوجهات مختلفة -وهذا أمر طبيعي- لأنها تعبّر عن حريات شخصية وعن رؤى متنوعة بخلاف جبهة النظام التي تجتمع حول مبدأ واحد هو الدفاع عن بقاء النظام حاكماً ومسيطراً، بينما المعارضون يختلفون في رسم صورة مستقبل النظام الذي يبحثون عنه. وعلى رغم كون الأدبيات السياسية التي عبرت عنها المظاهرات الشعبية التي كونت روح الثورة في بداياتها، قد حددت المطالب في إقامة دولة مدنية ديمقراطية تعددية، إلا أن تطورات الثورة بعد أن اضطرت للدخول في العسكرة أفرزت رؤى متناقضة في فهم رؤية المستقبل، وكان مما أساء للثورة هو الاضطراب الذي حدث حول شكل الحكم الذي يريده السوريون، وظهور التنظيمات العسكرية التي بدأت تدعو لإقامة دولة الخلافة ولتطبيق الشريعة، في فهم مضطرب للإسلام، وغياب لفلسفة التمكين، واستعداء للقوى الدولية التي كانت داعمة لحضور دولة مدنية ديمقراطية، ولكنها بالطبع لن تسهم في إقامة دولة دينية سنية. ويخطئ دعاة هذه الدولة حين يتفاءلون بدعم المجتمع الدولي الذي سبق له أن أقام دولة دينية في فلسطين، وأيد قيام دولة دينية في إيران، فهم لا يقدرون جيداً أن الغرب عامة يقلق من ظهور دولة سنية، وأن صراعاته التاريخية الماضية كانت عبر ألف عام مع دول ذات طبيعة سنية خالصة، ولعل هذا ما دفع "لافروف" للقول إن روسيا لن تسمح لأهل السنة أن يصلوا إلى السلطة في سوريا. وعلى رغم كراهتنا لتقسيم المجتمع إلى سني وشيعي وعلوي وإسماعيلي ودرزي ومسيحي، وحرصنا على تمكين المجتمع من مفهوم المواطنة وتعزيز الانتماء للدولة إلا أن الآخر يصر على هذه التقسيمات التي رفضها شعبنا وكانت نداءاته تشق عنان السماء بهتافه الشهير "الشعب السوري واحد، واحد" ولم تستجب بعض المكونات لهذه النداءات وأصرّت على الاصطفاف خارج مفاهيم المواطنة.
واليوم تبدو المعارضة بأمسِّ الحاجة إلى حوارات توحد رؤيتها للمستقبل، ولاسيما المعارضة العسكرية في الداخل، فإن بقيت مشتتة متناقضة الأفكار والتوجهات فإنها ستقود البلاد إلى مزيد من التمزق والفوضى، وستجعل النظام ملاذ الخائفين من جحيم الحرب الأهلية، وكان من الخطأ المريع أن تسحب بعض قوى المعارضة العسكرية تأييدها للائتلاف، وهم يظنون بذلك أنهم يدفعونه إلى مزيد من التمسك بأهداف الثورة، ولكنهم أضعفوا موقف الائتلاف بدل أن يمدوه بالقوة. ومن الخطر أن يفترق خطا المعارضة العسكرية والسياسية، فبقاء المعارضة العسكرية دون تمثيل سياسي خارجي يعرضها لفقدان ما حصلت عليه المعارضة السياسية من دعم أصدقاء سوريا، ومن اعتراف دول كبرى بها في هيئة الأمم، ومن تمثيل لها في الجامعة وفي القمة العربية. كما أن رفع غطاء تأييد الداخل يجعلها غير مفوضة في تمثيل الشعب السوري في أي مؤتمر سياسي محتمل. وقد التقط النظام هذه الحالة المضطربة وقال إن معارضة الخارج هي مجموعة إرهابيين لا تؤيدهم المعارضة الوطنية في الداخل، وهو يقصد المعارضة التي تتحالف معه ولا تختلف عنه في شيء، بل هي التي دخلت الحكومة بقبعة المعارضة ولكنها لم تكن قبعة خفية على أحد.