الرئيسة \  واحة اللقاء  \  حول الجدل بين القاعدة وتنظيم الدولة ودلالاته وتأثيراته

حول الجدل بين القاعدة وتنظيم الدولة ودلالاته وتأثيراته

05.05.2014
ياسر الزعاترة


الدستور
الاحد 4/5/2014
خلال الأسبوعين الماضيين، تصاعدت الحرب الكلامية بين قيادة تنظيم القاعدة من جهة، وبين تنظيم الدولة الإسلامية في العراق والشام من جهة أخرى، ويقول أنصار تنظيم الدولة إن كلمة العدناني (الناطق باسم الدولة) التي هاجم فيها قيادة القاعدة، إنما جاءت بعد كلام الظواهري في المقابلة التي بثت معه، لأنها (أي المقابلة) وصلتهم قبل نشرها على الإنتنرت.
وفي حين كان كلام الظواهري في المقابلة شديدا بعض الشيء على تنظيم الدولة، إلا أن رد “العدناني” كان أكثر حدة بكثير، ووصل حد كيل الاتهامات التي  كادت تلامس التخوين والتكفير، مع تصريح بتهمة “الانحراف” عن المنهج الذي اختطه الشيخ أسامة بن لادن، غير أن التسجيل التالي للظواهري كان مختلفا، وجاء كما ذكر بناءً على طلب ورجاء من هاني السباعي، أحد منظري السلفية الجهادية (يعيش في لندن).
في التسجيل الجديد، تحدث الظواهري بتفصيل كبير عن تاريخ علاقة الدولة الإسلامية في العراق والشام بقيادة تنظيم القاعدة، وحقيقة أن إعلان الدولة قد تم دون علم بن لادن وقيادة القاعدة، وكيف تم تجاوز ذلك عبر الإبقاء على الدولة جزءا من القاعدة.
الظواهري تحدث بكثير من التبجيل عن البغدادي، وذلك على أمل أن يسترضيه، ويدفعه لقبول الطلب الذي انتهى إليه، ممثلا في ترك الشام، والتفرغ للعراق، معتبرا ذلك اقتداء بتنازل الحسن بن علي ليزيد حقنا لدماء المسلمين.
ما ينبغي أن يُشار إليه أيضا هو أن “أبو قتادة”؛ أحد أكبر منظري السلفية الجهادية، والمسجون حاليا في الأردن، أصدر رسالة مكتوبة، لا يبدو التشكيك فيها مجديا، لأنها منه بالفعل، وفيها وجّه هجوما هو الأعنف إلى تنظيم الدولة، ووصفه صراحة بأنه من الخوارج، في ذات الوقت الذي تحدث فيه بتبجيل عن الظواهري.
في ضوء هذه التطورات تنشأ جملة من الأسئلة، لعل أولاها ذلك المتعلق بمصير العلاقة بين الطرفين بعد كل هذه الهجمات والتصريحات المتبادلة، وهنا يمكن القول إن الأمر يبدو أقرب للحسم، أقله في المدى القريب ما لم تحدث تطورات في المشهد السوري، إذ ُيستبعد ما لم تحدث مفاجأة من العيار الثقيل أن يستجيب تنظيم الدولة لرجاء الظواهري بترك سوريا والتفرغ للعراق، بل سيطالبه بأن يرد الفرع (جبهة النصرة) إلى الأصل، وهو تنظيم الدولة، باعتبار أن في عنق الجولاني بيعة للبغدادي، فضلا عن القول إن البغدادي يقود دولة، وأن الظواهري يقود تنظيما، ولا تتبع الدولة تنظيما كما يردد أنصار البغدادي في المواقع دائما.
لعل المشكلة الأبرز التي يطرحها هذا الأمر، وهي التي تعنينا في واقع الحال هي المتمثلة في تداعيات هذا الصراع على الثورة السورية، وحيث يستفيد النظام منه بكل تأكيد، أولا عبر إعطاء صورة عن الثورة تشي بانتمائها للسلفية الجهادية أكثر منها لثورات الحرية، وثانيا عبر استنزاف جهد الثوار في قتال داخلي، بدل التفرغ لمقارعة النظام.
في تفسير موقف البغدادي، وهذا بُعد آخر بالغ الأهمية، يمكن القول، إن التشدد الذي يتسم به تنظيم الدول ذو صلة بالاقتتال الطائفي في العراق، فالرجل عراقي، ومن حوله عراقيون اكتووا بنار الصراع الطائفي، ولذلك تراهم أكثر تشددا في التعامل مع الطوائف الأخرى، وكان هذا جزءا من الخلاف التقليدي مع تنظيم القاعدة الذي لم يكن قادته يرون قتال الشيعة العاديين مثلا، وفي توجيهات الظواهري “الجهادية” أمر بعدم استهداف أي أحد من غير المحاربين.
الأمر الآخر الذي يفسر ما جرى ويجري، إنما يتعلق بغرور القوة، وهي مشكلة تواجه التنظيمات، إذ تكون متساهلة في علاقتها مع الأطراف الأخرى حين تكون ضعيفة، ثم تأخذ في التشدد حين يشتد عودها، ويبدو أن البغدادي يشعر بمزاج قوة، بخاصة بعد عودة فاعليته في العراق بعد عامين من التراجع إثر انخراط العرب السنّة في العملية السياسية وتركهم للسلاح ونشوء ما عرف بـ”الصحوات”، قبل أن يضطرهم المالكي (أعني العرب السنّة) إلى العودة إليه برعونته وطائفيته وغطرسته.
على أن ما لا ينتبه إليه البغدادي ومن حوله، وهم قوم لا ينقصهم الإخلاص، ولهم تاريخهم في مقارعة الأمريكان، ولا يمكن تسطيح الموقف والقول إنهم عملاء لإيران، ما لا ينتبهون إليه هو أن الطريق التي يمضون فيها ليس له أفق بمنظور السياسة، فضلا عما ينطوي عليهم من تشدد يصعب تقبله من الناس بالرضا، لا في سوريا، ولا في غيرها.
لا يمكن لأي تنظيم أن يعادي جميع الأطراف ثم يربح المعركة على المدى المتوسط والبعيد، وما يمنحه فرصة البقاء عمليا هو استمرار الصراع، وعدم وجود أفق للحل، لكن النهاية هي الحسم العسكري، أو تعب الجميع، وفي المقدمة إيران، والتوصل إلى تسوية تحل مشكلتي العراق وسوريا في آن، وعندها لن يكون بوسع التنظيم البقاء قويا بحال، فضلا عن الادعاء بأن له دولة لا تملك من مقومات الدول الكثير.
من الأفضل والحالة هذه أن يبادر قادته إلى إعادة الحسابات، والتفكر في الأمر من كل الزوايا، فالإرادة وحدها، لا تكسر كل موازين القوى، ومن يقرأ التاريخ ودروسه سيتوصل إلى هذه النتيجة بكل تأكيد.