الرئيسة \  واحة اللقاء  \  حول السياسي والمذهبي ومن يستخدم من؟

حول السياسي والمذهبي ومن يستخدم من؟

04.12.2014
ياسر الزعاترة



الدستور
3-12-2014
أكثر الأمين العام لحزب الله حسن نصر الله من الخطب بمناسبة عاشوراء، ويبدو أن هذه السنة (2014) ستسجل بوصفها أكثر سنة يخطب فيها طوال حياته السياسية، وهو ما يعكس أزمة حقيقية تستدعي أن يطل بين حين وآخر على جمهوره لكي يشد من أزره، هو الذي يخوض حروبا غير مقنعة في سوريا، ويرى الحريق المذهبي ينتشر في كل الأرجاء.
لا يحتاج السياسي إلى الإكثار من الكلام حين يسنده الفعل، لكنه يحتاج إلى الكثير من الكلام والكثير من التبرير وسوق الأدلة حين يخوض حروبا عبثية، وسيحتاج تبعا لذلك إلى الكثير من الخطابة كي يشد من أزر مريديه، ويقنعهم أنهم ذاهبون إلى النصر.
العنوان الذي التقطته الوكالات، وركز عليه إعلام التحالف الإيراني من بين عناوين خطاب نصرالله الأخير بمناسبة عاشوراء هو قوله إن الصراع في المنطقة سياسي وليس مذهبيا، مستدلا بذلك على ما يجري في ليبيا ومصر وسوريا وقتال الأقليات من قبل تنظيم الدولة في العراق.
من المفيد التأكيد ابتداء وانتهاءً بأن نصرالله لا يصنع سياسة مذهبية ولا غير مذهبية، فهو ما دام يعمل في إطار "الولي الفقيه" كما يعترف دون مواربة، فإن الأخير هو من يحدد السياسات الإستراتيجية، وهو الذي يدير الحروب. ولا شك بالطبع أن الأخير لا يقول إنه يدير صراعا مذهبيا، بل يحرص كل الحرص على أن يقول العكس، بل يصل به الحال حد الإكثار من الحديث عن "وحدة الأمة".
مصطلح الصراع في المنطقة ابتداءً يبدو ملتبسا، إذ أن هناك صراعات شتى وليس صراعا واحدا، وهي جميعا صراعات سياسية، لكن منها من يأخذ طابعا مذهبيا، ومنها من ليس كذلك، ما يعني أن المصطلح نفسه ينطوي على تضليل.
صحيح أن أكثرها جاء على خلفية الربيع العربي والثورات، لكن المؤكد أن بعضا سابق على ذلك، وفي مقدمته الصراع الذي منح تنظيم الدولة ذلك المدد الجديد. ويتذكر نصرالله تماما أن التنظيم كان في حالة تراجع حقيقي بعد مواجهته مع "الصحوات" السنية، وما أعاده بقوة يتمثل في السياسات الطائفية والإقصائية التي اتبعها المالكي ضد العرب السنة، وكان ذلك بدعم إيراني. ولا نعرف بالطبع هل يصنّف نصرالله ذلك بوصفه صراعا سياسيا أم مذهبيا، مع أننا نرى أن السياسة هي من يستخدم المذهب، وقلنا مرارا إن إيران تتعامل مع الوضع الإقليمي بروحية الوصي على الشيعة أيا كانت أماكن وجودهم، بما في ذلك في السعودية، وما الهمروجة التي صنعتها (أعني إيران) على خلفية الحكم على الشيخ النمر في السعودية سوى دليل على ذلك.
هناك صراع في المنطقة بين قوى الثورة وقوى الثورة المضادة، وينطبق ذلك على ليبيا، وقبلها مصر، لكن إيران التقت مع هذا المعسكر أيضا في الوقوف ضد ربيع العرب والثورات. حدث ذلك في سوريا، والآن في اليمن، ولا أدري كيف سيكون بوسع نصرالله أن يتجاوز البعد المذهبي في الصراع اليمني على سبيل المثال، فضلا عن طبيعة المليشيات التي تقاتل إلى جانب بشار في سوريا؟!
واللافت بالطبع أن نصرالله يتحدث عن السياسي وليس المذهبي في احتفال مذهبي بامتياز يستعيد الثارات التاريخية، ويشارك في    الحديث عن المهدي المنتظر وعلامات الظهور. والمهدي بطبيعة الحال سيحكم العالم وليس فقط المنطقة، ومن المؤكد أنه لن يخوض انتخابات لكي يحصل على الشرعية.
لا مشكلة لنا مع المهدي، فحين يظهر (إذا ظهر) فلكل حادث حديث، لكننا نتحدث عن الواقع الراهن، إذ كيف لمن طالب بحكم أغلبية ملتبسة في العراق (بوجود الأكراد السنّة)، أن يرضى بحكم أقلية سوريا واليمن مثلا؟ فضلا عن سيطرة الحزب نفسه بقوة السلاح على لبنان.
لقد قلنا ونقول إن إيران دمّرت التعايش في المنطقة، وتبعية الشيعة العرب لها مع الأسف هي السبب، حيث جرتهم إلى تبرير جرائم المالكي وجرائم الحوثيين وجرائم بشار، فجعلتهم في حالة نزاع (نفسي على الأقل) مع جيرانهم، وما جرى في الإحساء، بل حتى في نيجيريا هو نتاج هذا الحشد المذهبي الذي لا ينكره إلا أعمى.
إيران تستخدم المذهب في التمدد ويسير وراءها الغالبية الساحقة من الشيعة العرب (ثمة عقلاء حذروا من ذلك)، مع العلم أن السياسة كانت تستخدم الأديان والمذاهب غالبا. وفي حين كان ربيع العرب مبشرا بدولة المواطنة للجميع، وضعت إيران يدها ضمنيا مع أنظمة الثورة المضادة لتدميره بعد أن وصفه خامنئي بأنه صحوة إسلامية قبل أن يصل إلى سوريا.
الحروب الدينية والمذهبية هي أكثر الحروب شراسة ودموية في التاريخ، وهذا الحريق المذهبي قاتل، وهو يصب في صالح العدو الصهيوني والأمريكي والغربي بامتياز، ولن تتوقف هذه المحرقة من دون تفاهم بين إيران والعرب وتركيا على أسس للتعايش، وتعرف إيران قبل غيرها فاتورة ذلك التعايش الذي لن يحدث وهي تصر على سحق الشعب السوري بسلاحها وبالمرتزقة الذين تستجلبهم من شتى أنحاء العالم بروحية الحشد المذهبي وليس من أجل المقاومة والممانعة (هل يماري نصرالله في ذلك؟!).