الرئيسة \  واحة اللقاء  \  حيث ينتصر الجميع!

حيث ينتصر الجميع!

19.11.2013
منار الرشواني


الغد الاردنية
الاثنين 18/11/2013
من وجهة نظر البعض، هناك كل دليل كاف على تراجع نفوذ الولايات المتحدة في الشرق الأوسط. فبعد العجز عن التأثير فيما يجري في سورية خصوصاً، ها هي مصر ودول الخليج العربي تتجه شرقاً نحو الدب الروسي. لكن في المقابل، يمكن رؤية النفوذ الأميركي في ذروته إقليمياً وليس العكس أبداً، وبأقل التكاليف. فمع الحليفين الإسرائيلي والتركي، تكتمل حلقات الهمينة الأميركية تماماً، بالوكالة الصريحة أو بالتفاهم الضمني، من خلال التقارب المتسارع مع إيران. هذا في وقت تؤدي فيه أوروبا، ولاسيما فرنسا، دور الوكالة أيضاً في شمال أفريقيا.
الأمر ذاته يقال بشأن روسيا، العائدة بقوة إلى الشرق الأوسط. إذ إنها قد تبدو، من زاوية أخرى، أشبه بالاتحاد السوفيتي الذي يُظن أو يُؤمل أنها تسعى إلى استعادة دوره، إنما في زمن أفول ذاك الاتحاد وتفكه، أكثر من أي مرحلة أخرى. فبعيداً عن كل الدراسات الغربية المتشائمة، أو لربما "المغرضة"، بشأن مستقبل روسيا اقتصادياً واجتماعياً، يكفي هنا الاستدلال بالمقال الذي كان نشره رئيس الوزراء الروسي ديميتري مدفيديف نهاية أيلول (سبتمبر) الماضي، وحذر فيه من أن مواصلة السياسات الاقتصادية الحالية إنما تأخذ روسيا "إلى الهاوية". هكذا، يكون منطقياً عودة الروس من بوابة صفقات التسليح المربحة دون سواها؛ فليس هناك اليوم مساعدات أو حتى رؤى تنموية ميزت المعسكر الاشتراكي في خمسينيات وستينيات القرن الماضي خصوصاً.
في مقابل هذا التباين الكبير بشأن النظرة إلى واقع ومستقبل حضور ونفوذ الدول الكبرى عالمياً في المنطقة، تبدو الصورة أكثر جلاء وحسماً بشأن المنتصرين من اللاعبين الإقليميين. فرغم إمكانية الاختلاف بشأن التفاصيل، يظل صحيحاً تماماً القول بانتصار كل من إسرائيل وتركيا وإيران في هذه المرحلة، وقد حققت جميعها نهضة أو سطوة غير مسبوقتين منذ عقود، أو لربما منذ نشأتها، في المجالات الاقتصادية و/ أو السياسية و/ أو العسكرية.
هكذا لا يبقى إلا العرب، الذين يُفترض أنهم قلب الشرق الأوسط وركيزته. هنا أيضاً لا نعدم وجود منتصرين اليوم، وإن من نوع آخر، هم الاستبداد، والفساد، والطائفية، و"القاعدة"! ولتكون النتيجة أنه فيما ينتصر "الآخرون" شعوباً ودولاً، ينتصر العرب على الدولة الجامعة ذاتها، وبما يُنذر بمزيد من التفكك والموت، أو التخلف والتبعية في أحسن الأحوال!
وعلى قسوتها، فإنها نتيجة منطقية متوقعة لثقافة عجز سادت عقوداً، أقنعتنا أن لا مجال لنهضتنا، وليس من معركة نخوضها إلا في سبيل تحديد من يتحكم من الغير بمصائرنا. ووفق هذا المعيار يكون منطقياً "لامنطق" السعادة والغبطة بهيمنة روسيا مكان الولايات المتحدة، وإن لم تختلفا في موقفهما أبداً من أي قضية عربية مصيرية؛ كما التهليل للصعود التركي على حساب إيران، أو العكس!
تلك ثقافة لا تؤاخذ عليها الأنظمة حتماً، وقد خدمتها سابقاً كما تخدمها الآن. لكن يظل السؤال عن دوافع إشاعة هذه الثقافة من قبل نخب من خارج السلطة، تتحدث باسم المواطنين والقومية العربية؟ وأهم من ذلك، هل تدري هذه النخب ما تفعل.. أم أن المصيبة أعظم؟!
manar.rachwani@alghad.jo