الرئيسة \  واحة اللقاء  \  حينما كنتُ مع إسرائيل والأسد

حينما كنتُ مع إسرائيل والأسد

26.08.2019
خطيب بدلة


العربي الجديد
الاحد 25/8/2019
ترتفع وتيرة الانفعال عند المتحدث المَوْتُور عندما يشعر بغبن شخصي، أو ينظر إلى مجدٍ حققه آخرون يتعذّر عليه تحقيقه. مثلاً، أديب قاص حقق شيئاً من الشهرة، وفي جلسة أدبية ما، يسمع الناسَ يتحدّثون عن يوسف إدريس بإعجاب، فيستنفر غاضباً ويقول لهم: فلقتمونا بيوسف إدريس.. أقسم بشرفي ومعتقدي أن القاص "فلاناً الفلاني" أحسن منه بعشرة آلاف مرّة.
هنا قد يتدخل عاقل، ويقول له: رويدك، يا أخي، قل إن فلاناً أحسن من يوسف إدريس بقليل، أو بمرّتين، أو بثلاث، أمَّا أن يكون أحسن منه بعشرة آلاف مرة فيعني أن فلاناً جَبَل، والمسكين يوسف إدريس ذرّة صغيرة.. هذا المتحدث لن يتساهل، في الوقت ذاته، مع تشيخوف وغوغول وبلزاك ودينو بوتزاتي وعزيز نسين، وربما أفادنا بأن ماكينة الدعاية الغربية هي التي صنعت هؤلاء وكَبَّرَتْهم، وأما هو وفلان الفلاني فقليلا حظ، مع الأسف.
على هذا المنوال، تجري أحاديث يومية كثيرة، بل وأسوأ. في بداية الثورة السورية، مثلاً، بدأ الناشطون يتناقلون أخباراً متضاربة عن سرقة أموال الإغاثة التي تُرسلها منظمات إنسانية إلى أناس منكوبين في سورية. ومصادفة حضرتُ سجالاً في مدينة الريحانية التركية بين رجل اتُّهِمَ بأنه سرق مئة ألف دولار من مال الإغاثة وحاضرين نَقَلوا إليه فحوى التهمة ومصدرَها، وأرادوا أن يستفسروا عن صحتها، فما كان من الرجل إلا أن أخرج من حقيبته كشفَ حساب بالأموال التي تسلمها من الجمعية الإغاثية، وفيه أن إجمالي المبلغ المستلم خمسون ألف ليرة تركية، أي ما يعادل ثلاثين ألف دولار بعملة تلك الأيام، فلو أنه، فرضاً، تمكّنَ من سرقة ربعها لكان ممكناً اتهامُه بسبعة آلاف دولار، فقط، يعني أن مبلغ مائة ألف دولار الذي اتهموه بسرقته قد ضوعف خمس عشرة مرة.
عاد هذا الحديث بذاكرتي إلى رواية "المعلم ومرغريتا" للكاتب الروسي الساخر ميخائيل بولغاكوف، وفيها أن أحد المتنفذين في الحزب الشيوعي السوفييتي قُبِضَ عليه بتهمة الرشوة، بعدما كتب أحدُ المخبرين بحقه تقريراً ساحقاً ماحقاً، ملخصُه أنه تلقى رشى مقدارُها "كذا" دولار أميركي. وكانت تهمةُ التعامل بالدولار في تلك الأيام تصل إلى مستوى الخيانة الوطنية.. ولدى مثوله أمام محكمة أمن الدولة، اعترف للقاضي بأنه كان يرتشي طوال سني وجوده في منصبه، ولكن بالروبل وليس بالدولار!
مع بداية الثورة السورية، بدأنا نلاحظ شراسة ردود الأفعال تجاه الثوار المعارضين الذين تُلقى عليهم بعض الأضواء. أنا، أخاكم كاتبَ هذه الأسطر، مثلاً، كتبتُ على "فيسبوك" أقارنُ بين ما فعلته الدولةُ العنصرية إسرائيل بالسوريين والفلسطينيين ونظام ابن حافظ الأسد الذي راح يحصد الجميع من دون تمييز، ولم تكن المقارنة لصالح نظام الأسد بالطبع. وعلى الفور تصدى لي رجل كان سجيناً عند حافظ الأسد، وخرج في أوائل حكم الوريث، مثيراً حوله الأقاويل والإشاعات، ساعياً إلى أن يجعل نفسه بطلاً ثورياً، وقال عني (بالاسم) إنني أسعى إلى تبييض صفحة إسرائيل.
وفي وقت لاحق، كنت أتحدث عن سلوك نظام الأسد في مواجهة الثورة ضمن مدينة إدلب، وهي أنه كان يستخدم العنف الأقصى من دون أن يصل إلى مرحلة القتل. وفي يوم، أسقط المتظاهرون تمثالاً لحافظ الأسد في نهاية شارع القصور من جهة الجنوب، فارتفعت الشراسة أكثر، وأُعلنت منطقة القصور ودوار هنانو وحارة الشيخ تلت ودوار الصومعة بوصفها "مربعاً أمنياً".. ومن يومها، صارت مظاهراتنا تجوب المدينة، يومياً، وتستمر ساعات، من دون أن يعترض طريقنا أحد، ولكن، في أول اقتراب من المربع الأمني، أطلقت جماعة النظام علينا الرصاص الحي، وقتلوا منا أربعة وخلفوا جرحى كثيرين. وعلى الفور، دخلت إحدى السيدات الثائرات إلى صفحتي وكتبت لي: يا سيد خطيب أنت تُلَمِّع نظام الأسد.