الرئيسة \  واحة اللقاء  \  حين يحتفي نظام بشار وأنصاره بتقدمه العسكري!!

حين يحتفي نظام بشار وأنصاره بتقدمه العسكري!!

27.04.2013
ياسر الزعاترة

الدستور
السبت 27/4/2013
احتفى أنصار النظام السوري المباشرين (إيران وحلفاؤها) وغير المباشرين بما اعتبروه تقدما عسكريا له على الأرض. تقدم يؤكد بنظرهم استحالة الحسم العسكري لأي من الطرفين (يبشر بعضهم بقدرة النظام على الحسم)، وتبعا لذلك ضرورة التوصل إلى حل سياسي لا بد منه للحفاظ على ما تبقى من مقدرات السوري.
نفتح قوسا هنا لنشير إلى أن الحريصين بصدق على دماء الشعب السوري ومقدراته لا يمكن أن يتحدثوا بهذه النبرة الشامتة في من تحدثوا عن حسم عسكري قريب (الانحياز للشعب موقف أخلاقي قبل أي شيء)، في ذات الوقت الذي لا يمكن أن يوجهوا الحل نحو هزيمة الشعب أمام النظام (أقله الغالبية حتى لا يقال إننا نتحدث عن الجميع)، ولو كانوا حريصين حقا على الشعب ومقدراته لطالبوا بشار بالرحيل منذ الشهور الأولى، وقبل أن تنطلق رصاصة واحدة ضد النظام، بينما كان رصاصه يتوجه بكثافة نحو صدور الناس في الشوارع، فقط لأنهم طالبوا بالحرية والانعتاق من نظام جثم على صدورهم أربعة عقود متوالية، فيما بلغ في مرحلة الرئيس الحالي مستوىً غير مسبوق من الفساد.
ما قاله بعض أولئك عن تقدم عسكري في بعض المناطق لا يمكن إنكاره، لكن من قال إن المعارك في مثل هذه الحالات قد شهدت منحنىً صاعدا على الدوام لصالح الثوار، وهل يعتبر التقدم المحدود الذي أحرزه النظام مؤشرا كافيا على قدرته على الحسم العسكري؟ لا التاريخ ولا الواقع ولا لغة المعارك تقول ذلك. ثم ماذا عن التراجع في حلب ومناطق أخرى، وماذا عن فقدانه السيطرة على مناطق إستراتيجية مثل مناطق النفط؟!
والحال أن هذه المرة لم تكن الأولى التي يستعيد فيها النظام مناطق سيطر عليها الثوار، لكن ذلك لم يدم طويلا، إذ عادوا وتقدموا من جديد، وحين سُئل بشار عن سبب وجود مناطق خارج سيطرة الدولة (في مقابلته مع قناة الإخبارية)، تحدث عن “القضاء على الإرهابيين” كحل عملي، بدل إخراجهم منها ومن ثم عودتهم إليها أو إلى مناطق أخرى من جديد!!
كل ذلك لا ينفي حقيقة أن ما جرى خلال الأسبوعين الماضيين من تقدم لا ينبغي أن يُمرَّ عليه مرور الكرام من قبل المعارضة السورية بشقيها السياسي والعسكري، لاسيما إذ استمر ذلك التقدم؛ ولو على نحو بطيء، إذ يُعد ذلك مؤشرا على وجود إشكال ما، لاسيما أنه يأتي في ظل تحسن مستوى التسليح في صفوف الثوار (جزء منه كان من الغنائم)، وإن لم يحصلوا على أسلحة نوعية لا زالت أمريكا وكثير من الغربيين يضغطون لحرمانهم منها.
ويغدو التقدم المشار إليها أكثر خطورة حين يأتي في ظل وضع سياسي لا يثير الارتياح في بعض تجلياته، إذ يمكن للموقف التركي أن يتغير بعض الشيء تحت تأثير الحديث الدولي عن القاعدة بعد بيعة زعيم جبهة النصرة للظواهري، فضلا عما يجري من تطورات لا تشير بالضرورة (يبقى الاحتمال قائما) إلى ما يذهب إليها البعض من إمكانية تدخل عسكري أمريكي، لاسيما أن واشنطن لا تتحرك إلا برضا تل أبيب، والأخيرة لا زالت ترى إمكانية لمزيد من تدمير البلد، بل إنها تفضل أن يبقى بشار ضعيفا منهكا على أن يأتي ثوار “إسلاميون منتصرون هائجون”، بحسب تعبير دانيال بايبس أحد أهم منظري المحافظين الجدد، وأكثرهم قربا من الدوائر الصهيونية، من دون ان يُستبعد التدخل في حال أيقنت واشنطن (قبلها تل أبيب) أن النظام سيسقط عما قريب، وأن ثمة حاجة لترتيب الوضع التالي بعده.
ما جرى من تطور عسكري قد يشير بطبيعة الحال إلى خلافات في أوساط الثوار، وأقله ضعف لافت في التنسيق فيما بين مجموعاتهم. وهو أمر ينبغي أن يلفت الانتباه إلى ضرورة بذل الكثير من الجهد في سياق ترتيب العلاقة فيما بين تلك المجموعات، بما في ذلك جبهة النصرة التي ينبغي أن يحاورها المعنيون بوصفها قوة تقاتل في الاتجاه الصحيح، ولا أظنها تمانع، من أجل التنسيق في عموم المعارك، وتحديدا في معركة دمشق الفاصلة. ثم إن نقل أعداد من الثوار من الأرياف البعيدة الهادئة إلى محيط دمشق بات ضرورة أيضا لتعزيز جهود الثوار هناك.
إلى ذلك، نكرر ما قلناه من قبل عن ضرورة ترتيب قيادة مركزية (سياسية) لا تنشغل بمخاطبة الخارج، بل تتولى مخاطبة الشارع السوري بشكل يومي، وتحدد له بعض الفعاليات الشعبية المعقولة، والتي يمكن أن تتدرج وصولا إلى عصيان مدني، لاسيما أن الناس يمكن أن تستجيب من أجل تجنب الأسوأ، ولأنها أصلا مع الثورة لولا الخوف الناتج عن بشاعة القمع الذي يمارسه النظام وشبيحته.
لا يجب الركون إلى حالة الانتظار وصولا إلى الحسم، فمثل هذا الأمر لن يأتي صدفة، بل لا بد له من تخطيط محكم، وإلا فإن المشهد سيتسمر في المراوحة، فضلا عن إمكانية أن يتقدم النظام بعد منحه صلاحية كل شيء للجيش الذي يحظى بدعم استثنائي من إيران وحزب الله وروسيا.
أما الحل السياسي، فلا أحد يغلق الباب دونه، لكن حلا يبقي بشار في السلطة ليس حلا بحال. وتبقى صيغة لا غالب ولا مغلوب التي يتحدث عنها البعض، وهي صيغة تبدو مستحيلة، لأنها تنطوي على نصر للنظام، ومن ورائه إيران التي لن تتمتع أبدا بإذلال الأمة، وكلما طال النزاع ستدرك مدى عزلتها، والثمن الذي ستدفعه نتاج ذلك، تماما كما حصل للاتحاد السوفياتي في أفغانستان.