الرئيسة \  تقارير  \  حي التضامن في دمشق نكبة تاريخية ستخلدها البشرية

حي التضامن في دمشق نكبة تاريخية ستخلدها البشرية

06.06.2022
حسام محمد


حسام محمد
القدس العربي
الاحد 5/6/2022
تعتبر سوريا من الدول العربية المتميزة بالحضارات التي سكنتها والأمم السابقة التي عاشت فيها وتركت مدنا وقلاعا تشهد البشرية بعظمتها، إلا أننا هذه المرة لن نطالع كتب التاريخ لنكتب عن معلم أثري أو قلاع بُنيت في العهود السابقة، ولن نحدثكم عن الشخصيات التاريخية التي شيدت الحضارات القديمة والمتتالية في سوريا، فاليوم اخترنا إحدى الأحياء في العاصمة السورية دمشق، نطلعكم على طبيعته ونسيجه السكاني وكيف كانت الحياة فيه منذ تأسيسه، ألا وهو حي التضامن، الذي يعد من الأحياء السكانية حديثة الولادة في سوريا مقارنة بالتواريخ المحيطة به، وكيف مضت عقود تأسيسه وكيف بات حاضره وماضيه حديث العهد.
حي التضامن، احتل شاشات التلفزيون ومواقع التواصل الاجتماعي مؤخرا بعد فيديو المجزرة المروعة التي نفذها الضابط في المخابرات السورية أمجد يوسف برفقة مجموعة من عناصر الاستخبارات التابعين للنظام السوري، حيث تمت عمليات تصفيات ميدانية لعشرات المدنيين ودفنهم في حفرة بعد إحراقهم، وفق تحقيق لصحيفة “الغارديان” البريطانية.
يعتبر حي التضامن من الأحياء السكانية حديثة العهد في سوريا، فكان تأسيسه بعد حرب عام 1967 ويقع جنوبي العاصمة السورية دمشق، وتعداد سكانه يقارب 200 ألف نسمة، وحي التضامن يقع في وسط عدة أحياء مجاورة له، فمخيم اليرموك يقع في الجهة الغربية منه، ومن الشرق سيدي مقداد وببيلا، أما في الجنوب فيوجد الحجر الأسود ويلدا، وحي الزهور ومنطقة دفة الشوك تقعان في شماله.
 
حي التضامن في سطور
 
يعتبر حي التضامن، وفق ما قاله الباحث في شؤون اللاجئين أيمن أبو هاشم، خليطا من كافة المناطق السورية، ففيه من نزح من بلدات الجولان المحتل بعد حرب عام 1967، وفيه من سهول حوران ومن شمال شرق سوريا، وإدلب إضافة إلى أرياف سورية متعددة.
لكن رغم ذلك، فإن الهوية الفلسطينية بائنة بوضوح في حي التضامن، على اعتبار نشأة الحي في منتصف الستينيات تزامنت مع انتقال بعض عائلات حي اليرموك إلى حي التضامن الذي كان عبارة عن بساتين، بعد ذلك أصبح للعائلات الفلسطينية المنتقلة إلى الحي تجمعات سكانية، فكان الوجود الفلسطيني في هذا الحي مؤشرا على طبيعته والتعايش مع السوريين.
حي التضامن وفق ما قاله الباحث لـ “القدس العربي”: تعرض لعمليات توسعة كبيرة، سواء على الصعيد الجغرافي أو السكاني وحتى الديموغرافي، خاصة مع عمليات البناء العشوائي للمنازل ما أدى إلى توسعة حدود الحي الداخلية وتمدده أكثر.
مما كان يشير إلى حركة السكن النشطة التي بات يشهدها الحي، خاصة مع حالة التعايش المميزة التي سادت منذ ذلك الوقت بين السوريين والفلسطينيين، وهي عوامل ساهمت بشكل ملفت إلى تبادل الثقافات والتمازج.
النظام السوري لم يساهم في تقديم الخدمات للحي من بنى تحتية أو ما شابه، ما جعله أقرب للتصنيف ضمن الأحياء العشوائية دونما مواصفات عمرانية سليمة، فكان سماسرة العقارات المقربون من النظام السوري، يقومون بشراء الأراضي الزراعية وتشييد أبنية خالية من المواصفات السليمة للبناء، وكان النظام يعتمد هذه السياسة بهدف إخلاء المسؤولية في حال وقوع أي حوادث، هذه الإجراءات جعلت حي التضامن فقيرا للغاية من جهة الخدمات والبنى التحتية الصحيحة.
 
حياة الجحيم
 
الناشط الإعلامي والمعتقل السابق رامي السيد، قال من جانبه لـ “القدس العربي”: رغم الخليط السكاني الكبير في حي التضامن، إلا أن النسبة الكبرى من قاطنيه هم من الطائفة العلوية الموالية للنظام.
فقسم كبير منهم يعملون في الأفرع الأمنية والجيش، ومنه خرجت مجموعات عديدة من الشبيحة الذين قاتلوا لدعم الأسد خاصة من المنطقة المعروفة باسم شارع نسرين.
وهي مجموعات كانت مهمتها القتل والتخريب والاعتقال خارج الأطر القانونية، هذه الفئات أو ما باتت تعرف بالميليشيات لا يوجد أي ضوابط حاكمة أو منظمة لها، فكان تجنيدها لتتحول إلى ما بات يعرف بالدفاع الوطني وقسم منهم تم دمجه مع الجيش النظامي بعد الانتهاكات الكبيرة التي ارتكبوها.
السيد، قرر وسم ما حدث في حي التضامن بالثقب الأسود بسبب اختفاء عشرات المدنيين، وتصفيتهم من قبل هذه الميليشيات خارج القانون، إذ أن التصفيات شملت عائلات بأكملها، وحتى هذه الساعة هناك عائلات مختفية بالكامل، فيما تم العثور في أوقات سابقة على هياكل بعض النساء وهياكل بعض الأطفال، بعد اعتقالهم من قبل المجموعات المسلحة الموالية للنظام السوري في حي التضامن، فيما تم العثور على جثث متفحمة تم إحراقها داخل المحال التجارية.
 
العشوائيات سلاح ممنهج
 
لا يعتبر حي التضامن في العاصمة هو المثال الوحيد على السياسة العشوائية التي انتهجها النظام السوري مع المناطق الملاصقة لدمشق، العشوائية بحسب المحلل السياسي محمد العطار كانت تحمل برامج خفية بداخلها، عملت عليها استخبارات الأسد الأب ومن ثم الابن على تكريسها، لعدة أهداف وغايات نذكر منها:
أولا: اتباع سياسة التفقير الممنهجة للسوريين، والاعتماد على الفساد لتحقيق أدنى المقومات الحياتية، وهي حوادث كان الهدف منها، جعل كلمة وقرار الضابط المنحدر من طائفة الأسد هي العليا، وكل ما دون ذلك في موضع “الرجاء والتوسل والرهبة”.
ثانيا: حرمان السوريين من الاستقرار الاجتماعي، فالاستقرار يعزز توليد الأفكار والنضوج السياسي والشروع في مطالب الإصلاح أكثر، لذلك كانت محاربة الاستقرار مهمة للأسد بغية الضغط على السوريين في السكن والمأكل والابتعاد عن الساحات السياسية والشؤون العامة للدولة.
ثالثا: سياسة النظام السوري لا يمكن أن تنتج حضارة يخلدها التاريخ، إنما ستخلد انتهاكات وفظائع يندى لها جبين الإنسانية، وستصاب الأجيال القادمة بالذهول عندما تقرأ وتسمع ما حل في سوريا خلال فترة حكم الأسدين الأب والابن.
 
التضامن والثورة
 
اصطفاف أبناء حي التضامن ومن ضمنهم الفلسطينيين إلى جانب الثورة السورية، هذا يمكن تعليله وفق ما قاله الباحث في شؤون اللاجئين أيمن أبو هاشم لـ “القدس العربي”: بما حصل في بقية الجغرافية السورية ومن ضمنهم التجمعات السكانية العشوائية، فحي التضامن لم يكن استثناء عن هذه المسألة، الاستياء من النظام كان كبيرا سواء على صعيد التضامن الخاص، أو ما فعله النظام مع المدن والبلدات المجاورة له.
خاصة مع تعمد سياسة الفساد والإفساد التي كان يتبعها نظام الحكم في البلاد، فكانت الثورة السورية لحظة للتعبير عن الواقع الذي كان سائدا ورغبة وطمعا بحياة أفضل فيها كل مقومات الحياة الكريمة والحقوق الطبيعية لأي إنسان.
فكان مطالب تغيير النظام الحاكم في سوريا يعتبر ذروة الغضب في حي التضامن بخليطه السكاني المتميز، فأسباب الثورة كانت حاضرة بقوة، والأزمات وحالة الظلم التي كانت متعبة تجاه حي التضامن وقاطنيها.
مجزرة التضامن التي انتشرت مؤخرا فيديوهات لها، كانت تستهدف كل أبناء الحي، وليس اللاجئين الفلسطينيين فيه فقط، وهي رسالة لكل من مخيم اليرموك والحجر الأسود، فهذه المنطقة تعتبر نقطة تقاطع، والمكان الذي حصلت فيه المجزرة، هو شارع مفتوح للعبور ذهابا وإيابا إلى عدة مناطق مجاورة.
وبالتالي فإن المجزرة كانت تستهدف كل أبناء هذه المناطق، ووجود أي فلسطيني ضمن قائمة ضحايا المجزرة هو دليل على تعمد النظام السوري الانتقام من الفلسطينيين في سوريا، بسبب موقفهم الواضح منذ بداية الثورة في البلاد.
 
نسبة مرعبة للعشوائيات
 
ووفق بيان صادر عن مبادرة الإصلاح العربي في عام 2021 فإن نسبة كبيرة من سكان سوريا تعيش في عشوائيات، وأن التقديرات تشير إلى أنها كانت تمثّل 30-40 في المئة من إجمالي المساكن قبل اندلاع انتفاضة 2011.
وكان هذا النمط من المساكن سائداً تحديداً في المناطق شبه الحضرية التي عانت من معظم حالات الدمار والنزوح خلال الصراع الذي أعقب الثورة. وعلى الرغم من انتشار العشوائيات، لم تحظَ هي وحقوق سكانها بالاهتمام الكافي في نقاشات السياسات التي دارت حول إعادة إعمار سوريا.
وقال نديم حوري، محرّر المجموعة والمدير التنفيذي لمبادرة الإصلاح العربي، إن “أي نقاش حول إعادة الإعمار بحاجة إلى أن يأخذ بعين الاعتبار واقع العشوائيات في سوريا، حيث كان يعيش معظم النازحين”.
وأضاف، وفق البيان الصادر، أن “إحدى أبرز النتائج التي توصلنا إليها هي أن الحكومة السورية وجدت في واقع العشوائيات الهائل المحيط بالمدن السورية – الذي سبق نشوب الصراع- ثغرةً يمكنها من خلالها تعزيز مصالح بعض حلفائها على حساب حقوق السكان المحليين”.
 
واقع مرعب ومصير مجهول
 
فايز أبو عيد رئيس قسم الإعلام في مجموعة العمل من أجل فلسطينيي سوريا، قال من جانبه لـ “القدس العربي”: نسبة الدمار التي طالت حي التضامن خلال السنوات الماضية تتجاوز عتبة 70 في المئة، جراء مشاركته في الثورة السورية منذ بدايتها.
مشيرا إلى توثيق (101) لاجئ فلسطيني أُعدموا ميدانياً منذ بداية الأحداث الدائرة في سوريا وذلك حتى يوم 30 نيسان/أبريل 2022 من بينهم 16 لاجئا فلسطينيا في حي التضامن.
بالإضافة لفقدان عشرات الفلسطينيين في الحي نفسه، بينهم عائلات بأكملها، ونساء وأطفال من سكان حي التضامن ومخيم اليرموك اعتقلوا من منازلهم أو أثناء مرورهم على الحواجز العسكرية والأمنية التابعة للقوات السورية في محيط المنطقة.
من جانبها، أشارت الشبكة السورية لحقوق الإنسان باحتجاز النظام السوري للمجرم أمجد يوسف الذي أعدم عشرات السوريين واغتصب عشرات النساء في حي التضامن بدمشق، وهو ضابط في قوات الأمن السوري، وتحديداً فرع المنطقة 227 التابع لشعبة المخابرات العسكرية، أثبت تحقيق نشرته مجلة “نيوز لاين” نهاية نيسان/ابريل الماضي مسؤوليته عن اعتقال/اختطاف عشرات السوريين في حي التضامن بدمشق، ثم اقتياد 41 منهم إلى حفرة ورميهم فيها وقتلهم، وقد انتزع التحقيق اعترافاً من أمجد يوسف بهذه الجريمة الفظيعة.
ووفقاً للتقرير الحقوقي الذي تلقت “القدس العربي” نسخة منه، فإنَّ النظام السوري يتحفَّظ على أمجد يوسف؛ ولم تتم عملية الاحتجاز وفق مذكرة قضائية، استناداً إلى تهمة محددة، كما لم تتم إحالته إلى القضاء، ولم تصدر عن النظام أية معلومة تشير إلى اعتقال أمجد.
وقد سجلت الشبكة الحقوقية منذ آذار/ مارس 2011 ما لا يقل عن 869 حادثة اعتداء على منشآت طبية، و1407 على أماكن عبادة. كما سجل تضرر 1597 مدرسة، بعضها تعرض لأزيد من اعتداء. وأوضح التقرير أن الحلف السوري الروسي الإيراني يتحمل مسؤولية قرابة 86 في المئة من حصيلة هذه الحوادث.
إذ أن أزيد من نصف الشعب السوري بين نازح ولاجئ لافتاً إلى تقديرات المفوضية العليا لشؤون اللاجئين التي تشير إلى أن قرابة 13.4 مليون سوري قد أجبر على النزوح داخلياً أو اللجوء إلى دول أخرى منذ آذار/مارس 2011.
وأكَّد التقرير أن سوريا ليست آمنة على سكانها ولا لعودة اللاجئين، حيث يتعرض اللاجئون العائدون إلى أنماط الانتهاكات نفسها التي يعاني منها السكان المقيمون في سوريا، وعزا التقرير ذلك بشكل أساسي إلى غياب القانون وهيمنة القمع والاستبداد وتمركز السلطات.