الرئيسة \  واحة اللقاء  \  خدمة داعش للأسد وإيران تفضح تناقضاته

خدمة داعش للأسد وإيران تفضح تناقضاته

17.02.2016
محمد جمعان



الوطن السعودية
الثلاثاء 16-2-2016
لصالح من يعمل داعش؟ وضد من يحارب؟
سؤالان لا بد منهما للتعرف على خارطة تحالفات داعش، والإحاطة بالتناقضات الكبيرة والمثيرة حيال تكوين التنظيم ومواقفه الغريبة في عدد من مراحل تاريخه القصير.
ومقابل الشهادات التي قدمناها من الداخل عن التنظيم، ثمة رؤى أخرى تناولته من الخارج، محاولة وضعه في موقعه الصحيح على خارطة عصابات الجريمة المنظمة العالمية.
أول هذه التناقضات التي توقف عندها المحللون كثيراً تناولت علاقة داعش بالنظام السوري، وتلاقي مصالح الطرفين، وتعاونهما غير المعلن في أكثر من حدث، وعلى أكثر من جبهة.
هذه التناقضات بكل ما تطرحه من علامات استفهام وتعجب أشار لها تقرير صادر عن مركز صناعة الفكر للدراسات والأبحاث ومقره بيروت في بحثه المعنون "تنظيم الدولة.. النشأة والأفكار".
وناقش البحث في دراسته الأفكار المؤسسة لداعش حجم التناقض الكبير بين أطروحات التنظيم كتنظيم أيديولوجي وبين أفعاله على الأرض، وقال "لو نظرنا إلى خريطة المساحات التي يهيمن عليها التنظيم في سورية، لوجدناها جميعها مُنتزعة من الفصائل الثورية، لا من النظام السوري. وفي المقابل، نجد أن النظام السوري تجنب - عمداً - الدخول في أي مواجهات تُذكر أو قصف المواقع والمدن التي يسيطر عليها داعش (يمكن المقارنة مثلاً بين قصفه حلب والرقة)، بل كان النظام يتعمّد، كما في شواهد كثيرة، مقاتلة وقصف أي فصائل ثورية تدخل في مواجهات ومعارك مع داعش، وكأنه يخوض معه المعركة نفسها.
أيضاً، رأينا مقدار تشدد داعش في هدم كل المراقد والمزارات والأضرحة، حتى تلك التي تُنسب إلى الأنبياء والصحابة، باعتبارها مظاهر شركيّة، لكن، حين تعلق الأمر بضريح جد العثمانيين "سليمان باشا" الموجود داخل سورية، وفي المناطق الخاضعة لداعش، لم يكتفِ التنظيم بالامتناع عن هدمه، بل سهّل دخول القوات التركية للضريح وحماها، وحتى الآن، تقوم قوات داعش بحمايته، ولم تتعرض له بالهدم.
ووصل البحث في خاتمته إلى نتائج عدة كان أبرزها الحديث عن عوامل بقاء داعش ودورها في محاربة الثورة السورية واستخدامها كأداة بيد الأسد يستخدمها كدمية يحركها تبعا لمواقف جيشه على الأرض ووضعه السياسي.
وأشار البحث إلى أن وضع داعش سيبقى قائماً طالما بقيت المشكلة السورية في وضعها المتجمد، فالنظام السوري مستفيد بشكل كبير من وجود داعش في شرعنة وجوده أمام النظام العالمي بحجة مقاومة الإرهاب، وتدخل إيران وحزب الله لدعم النظام السوري سيصبح أكثر شرعية أمام الداخل الإيراني واللبناني بحجة مقاومة "سلفنة" الحراك السوري المقاوم للنظام، بل وجود داعش نفسه يؤثر على حركة المعارضة السورية بأطيافها المختلفة لانشغالها بالحرب الجانبية معه ومواجهته على الأرض.
إرباك الحسابات واصطفاف أميركي مع النظام السوري والملالي
في بحثه المنشور في نوفمبر 2014 تحت عنوان "مفارقات داعش: الآمال السياسية التي خابت"، والذي يندرج ضمن ملف "تنظيم الدولة الإسلامية: النشأة، التأثير، المستقبل" الذي أشرف عليه مركز الجزيرة للدراسات التابع لقناة الجزيرة القطرية يرى الباحث طارق عثمان أن مفارقات داعش تتلخص في النقاط التالية:
- داعش دولة ضد الدولة، يحتكر الحق في استخدام العنف بصورة مطلقة ودموية، ويسعى لإسقاط مفهم الدولة القطرية.
- توقيت ظهور التنظيم وتزامنه مع الربيع العربي.
- بزوغ داعش مثل انتكاسة للثورة السورية وأربك سياسات الدول الخارجية.
- يعادي إيران ومصالحها في العراق لكنه عكس ذلك في سورية.
- عزز نفوذ طهران وموقفها في مباحثات الملف النووي.
- أجبر واشنطن على التدخل عسكريا في المنطقة مرة أخرى، وهو يدعي حربها.
- يعادي دول الخليج ويمثل خطرا أيديولوجيا وعسكريا عليها.
وتوصل الباحث إلى أن داعش يمثل تحديا حقيقيا للدولتين اللتين ينشط في إطارهما الجغرافي، العراق وسورية، ففي العراق تسبب في الإطاحة بحكومة المالكي ومجيء حكومة جديدة، كما سوَّغ التدخل الخارجي في العراق مرة ثانية.
وفي سورية أثر سلبا على مسار الثورة السورية، إذ دعم موقف الأسد الذي لم يكلّ بالترويج لروايته الخاصة عن الثورة السورية بوصفها تخريبا يتزعمه متطرفون ظلاميون ومأجورون.
ومن جهة أخرى، فإن داعش أربك طبيعة السياسات الخارجية لباقي الدول الفاعلة في الإقليم، فها هي الولايات المتحدة تجد نفسها في نهاية المطاف ترسِّخ بعملياتها العسكرية ضده أقدام الأسد في سورية، ومن ثم تزيد من نفوذ إيران في المنطقة بطريقة أو بأخرى، وقد تجد نفسها مضطرة لعقد صفقات سياسية مع الملالي في طهران، وكأن واقع الحال إذن أن واشنطن تقف مع طهران والأسد في نفس الخندق.
تآكل شعبية التنظيم في المجتمعات العربية
في مقالة له بعنوان "داعش لا تكاد تملك أي دعم شعبي في مصر أو السعودية أو لبنان"، يعلق المحلل السياسي، زميل معهد واشنطن لسياسة الشرق الأدنى ديفيد بولوك على نتائج 3 استطلاعات للرأي هي الأولى من نوعها، توفّر بيانات ملموسة يمكن الاستعانة بها للتوصل إلى إجابة واضحة حيال التساؤل عن مقدار الدعم الشعبي الذي يتمتع به داعش في البلدان الرئيسة المشاركة في "التحالف" الدولي الحالي ضد التنظيم، كمصر أو السعودية أو لبنان، ويوضح الكاتب أنه لم يكن بوسع المرء، سوى التكهن بالإجابة على هذا السؤال الذي أضحى أكثر إلحاحاً بفعل التقارير الإخبارية التي انتشرت أخيراً بشأن عمليات اعتقال طالت أتباع داعش في هذه البلدان الثلاثة.
ويرى بولوك أن "أكثر النتائج إثارةً للاهتمام والتشجيع هي أن داعش لا يملك تقريباً أي دعم شعبي في مصر أو السعودية أو لبنان - حتى في أوساط السنة في لبنان. فبين المصريين، عبر 3% فقط عن رأي إيجابي تجاه داعش، وفي السعودية، كانت النسبة أعلى بقليل حيث يحتفظ 5% بنظرة إيجابية له، وفي لبنان، لم تكن لأي من المستطلعين المسيحيين أو الشيعة أو الدروز نظرة إيجابية عن داعش، وحتى في أوساط السنة في لبنان، كانت النسبة مشابهة تقريباً وبلغت 1%.
الاستطلاع الذي اعتمد عليه بولوك أجرته شركة رائدة في مجال المسح التجاري في الشرق الأوسط خلال سبتمبر 2014، بإجرائها مقابلات وجهاً لوجه مع مهنيين محليين من ذوي الخبرة. وكانت العيّنة عشوائية على صعيد البلاد في كل دولة، دون أرجحية لمنطقة جغرافية على أخرى، وضمت ألف شخص في كل بلد (من المواطنين فقط، واستثني منها اللاجئون أو المغتربون) مما يعني هامش خطأ إحصائي يبلغ حوالي 3%.
وفي خاتمة مقالته يقول بولوك "السؤال الذي يطرح نفسه هو ما الذي تعنيه جميع هذه الأرقام بالنسبة للحملة الأميركية ضد داعش؟ قد يكون الرأي العام متقلباً، لكن في الوقت الراهن توضح النتائج التي توصل إليها هذا التحليل عدّة أمور مهمة للسياسة الأميركية. أولاً، على الولايات المتحدة وحلفائها ألا يخشون من إمكانية نجاح داعش في استقطاب عدد كبير من المناصرين في المجتمعات العربية المجاورة لبلدي منشأ التنظيم، أو من قيام رد فعل شعبي قوي ضد الغارات الجوية الأميركية، أو ضد حلفاء الولايات المتحدة العرب الآخرين في هذه المعركة. ثانياً، حريّ بالولايات المتحدة أن تستهدف بعملياتها تنظيم داعش وبدقة، وليس أي جماعة إسلامية أخرى كانت موضع انتقادات أميركية أخيراً، إذ إن ذلك قد يزيد من الشعبية الكبيرة لهذه الجماعات. ثالثاً، إن أي انفتاح أميركي على الأسد أو إيران، كشريكين محتملين لمواجهة داعش، يعد مخاطرة كبيرة، إذ إنه قد يبعد الشعبين المصري والسعودي أكثر فأكثر عن الولايات المتحدة، وفي الوقت نفسه يغذي أتون نيران الاستقطاب الطائفي الخطير بين اللبنانيين.
مواجهة تحديات التجنيد والتخطيط
رأت الكاتبة لوري بوجارت، وهي زميلة أبحاث في برنامج سياسة الخليج في معهد واشنطن أن السعودية تعد هدفاً رئيساً لداعش.
وتنظر المملكة إلى استراتيجيتي التجنيد والتخطيط الإرهابي المتطوّرتين اللتين يعتمدهما التنظيم بأنهما تشكلان تحدّياً متنامياً، وقد عمل معتقلون كثيرون على ما يبدو في الخلايا المتخصصة بوظائف منفصلة، بما فيها المراقبة وصنع المتفجرات وإعداد الانتحاريين، بينما تشكل استراتيجيات وسائل التواصل الاجتماعي المتطورة للغاية، والتي تهدف إلى تجنيد هؤلاء العناصر، مصدر قلقٍ خاص.
وفي إطار مقالتها المنشورة في أغسطس 2015 تعلق الكاتبة على أكثر الهجمات الإرهابية فتكاً في تاريخ الكويت والتي وقعت في يونيو من نفس العام، إضافة إلى سلسلةٍ تفجيرات وحوادث إطلاق نار مميتة في المملكة، ورأت أن منع الهجمات التي يشنها داعش أصبح أولوية قصوى بالنسبة لعدد من زعماء دول الخليج.
وتفضي التحقيقات المحلية إلى معلومات مفصلة عن نطاق التهديد الذي يفرضه داعش.
وفي الوقت الذي تدرس فيه واشنطن أفضل السبل للعمل مع شركائها الخليجيين لمحاربة داعش ينبغي عليها أن تأخذ في عين الاعتبار الكيفية التي تتبلور بموجبها التصورات الخليجية للتهديد الداخلي الذي يمكن التحكم به رغم طابعه الاستفزازي.