الرئيسة \  واحة اللقاء  \  خطاب المعلم يفتح الباب أمام إعادة ترشيح الأسد

خطاب المعلم يفتح الباب أمام إعادة ترشيح الأسد

26.01.2014
سليم نصار


الحياة
25/1/2014
شهدت سويسرا هذا الأسبوع مؤتمرين دوليين عقدا في منتجع دافوس ومدينة مونترو. الأول ضم شخصيات اقتصادية وقيادات سياسية عدة، اجتمعت تحت مظلة "منتدى الاقتصاد العالمي"، بغرض معالجة التفاوت الحاد في توزيع ثروات العالم. والثاني جمع أكثر من ممثلي أربعين دولة، ضمهم "القصر الصغير" برعاية الأمم المتحدة، وذلك بهدف إيجاد حل للنزاع الدموي المدمر في سورية.
واللافت أن الاهتمام الدولي بانقلابات "الربيع العربي" تجاهل كل الأزمات الأخرى التي ضربت تونس وليبيا ومصر واليمن. ولكنه ركَّز على معالجة الحرب الأهلية في سورية بعد انقضاء ثلاث سنوات على انفجارها. والسبب، كما يقول الخبراء، هو الخوف من انتقال تداعياتها السلبية الى الدول المجاورة مثل تركيا ولبنان والعراق والأردن، أو الخوف من أن تصبح سورية قاعدة إرهاب عالمية تستقطب قوى إسلامية مقاتلة من الشيشان وألبانيا والجزائر والعراق، إضافة الى مقاتلي المعارضة على الأرض.
لهذه الأسباب وسواها قررت الأسرة الدولية التدخل لوقف المجازر التي حصدت أكثر من 130 ألف نسمة، وشردت ثلث المواطنين في النزاع الذي بدأ باحتجاجات سلمية ضد حكم العائلة المستمر منذ خمسين سنة.
وبسبب الدور المحايد الذي تتميز به سويسرا، اختارها اللبنانيون مطلع الثمانينات من القرن الماضي لتكون المنبر الذي يجمع زعماء البلاد مع قادة الميليشيات المتحاربة وممثليهم.
وفي خريف 1983 افتتح مؤتمر المصالحة الوطنية رئيس اتحاد الكانتونات، مذكراً اللبنانيين بأن "الحرس السويسري" تحوَّل الى مرتزقة في حروب الأضداد داخل الدول الاوروبية. وبعد سلسلة محاولات، نجح مؤتمر فيينا (1815) في إعلان حياد الاتحاد السويسري.
وفي ذلك المؤتمر، أُجريت نقاشات سياسية بين الرئيس سليمان فرنجية وزعيم "أمل" نبيه بري. وفي ذلك المؤتمر، طرح الرئيس صائب سلام توصياته بالتزام خط المهادنة تحت شعار: لا غالب ولا مغلوب... ولبنان واحد... لا لبنانان. كذلك تحدث في حينه عبدالحليم خدام، الذي مثَّل دور الوسيط في حرب كانت بلاده متورطة في إشعالها.
بعد مرور وقت قصير، تعرض لبنان لانتكاسة ثانية اضطرت زعماءه للانتقال الى لوزان (آذار-مارس 1984)، لعل بحيرة ليمان تساعد على نشر الهدوء والسلام بين المتحاربين.
هذا الأمل لم يتحقق إلا في اجتماعات الطائف، وفي نصوص الاتفاق الذي ساعد على إنضاجه اتفاق المتقاتلين بالوكالة، خصوصاً بعدما تنبّه الوسيط الأخضر الابراهيمي الى توزيع الحصص والمكاسب بطريقة ترضي اللاعبين الكبار وتُسكت اللاعبين الصغار.
سنة 2000 استقبلت جنيف الرئيسين الاميركي بيل كلينتون والسوري حافظ الأسد بهدف التوصل الى حل يُقنع اسرائيل بالانسحاب من مرتفعات الجولان. وتولت بثينة شعبان خلال ذلك المؤتمر دور المترجمة. ويقول كلينتون في مذكراته إن الأسد أعرب عن استعداده للاعتراف بإسرائيل مقابل انسحاب غير مشروط. وقد انتهى الاجتماع بإعلان الفشل.
بعد انقضاء ثلاث عشرة سنة على ذلك المؤتمر، تشهد سويسرا، هذا الأسبوع، عودة وفدين سوريين بغرض إيجاد حل مرضٍ ينهي حرباً أهلية استمرت منذ منتصف آذار (مارس) 2011.
وواضح أن الحكومة السورية، الممثلة بوفد يرأسه وزير الخارجية وليد المعلم، نقلت عن الجبهة ديبلوماسية القتال، بدليل أن المعلم لم يترك جهة إلا وطعنها، مباشرة أو بالإيحاء.
وعندما انطلق الوزير الاميركي جون كيري في تفسير مقررات "جنيف-1"، مؤكداً أن الرئيس بشار لا يمكن أن يشارك في الحكومة الانتقالية، قاطعه المعلم قائلاً: "يا سيد كيري... لا أحد في العالم له الحق بإضفاء الشرعية أو منعها عن الرئيس... إلا السوريون أنفسهم. هذا حقهم وواجبهم الدستوري. وما سيتم الاتفاق عليه هنا سيخضع للاستفتاء الشعبي".
وكان واضحاً من نبرة التعنيف التي غلف بها المعلم جوابه، أنه ينقل رأي الرئيس بشار الذي أوصاه بأن يكون اقتحامياً واستفزازياً في أسلوبه، ولو أدى ذلك الى نسف المؤتمر.
وفي مناسبة أخرى، طلب بان كي مون، أمين عام الأمم المتحدة، من المعلم أن يتجنب الخطاب التحريضي. وقد حدث ذلك اثناء مطالبة وزير خارجية سورية باختصار كلمته المسهبة.
ويزعم بعض أعضاء وفد الأمم المتحدة أن بان كي مون خشي من رد فعل أحمد الجربا أو أي مندوب آخر تناوله وليد المعلم بالانتقاد والسخرية، الأمر الذي قد ينتهي بتعطيل المؤتمر. ذلك أن المعلم بدأ كلمته باستفزاز الجربا، قائلاً: "إن مَنْ يريد التحدث باسم الشعب السوري يجب ألا يكون خائناً للشعب وعميلاً لأعدائه... إن مَنْ يرغب في التحدث باسم الشعب فليصمد ثلاث سنوات ويقاوم الارهاب".
ثم نظر باتجاه وفد الائتلاف الوطني السوري المعارض، وأكمل: "هل كل ما يجري في سورية هو صناعة خارجية؟ ... لا، إن سوريين هنا في هذه القاعة ساهموا بكل ما حدث... ونفذوا وسهلوا وشرعوا. كل ذلك على دماء الشعب السوري الذي يدّعون أنهم يمثلون تطلعاته فانقسموا سياسياً مئة مرة".
حيال كل تلك التهجمات، تسلح أحمد الجربا بالصمت على ما اتفق مع أعضاء سائر الوفود المتعاطفة مع موقفه. وقال للمشاركين إن النظام حريص على تفخيخ المؤتمر، ونحن حريصون على نجاح المفاوضات.
وعندما انتهى المعلم من مهاجمة الجربا، انتقل الى الجزء الثاني من كلمته ليقول: "يؤسفني أن ممثلين لدول ممن تضمهم هذه القاعة يجلسون معنا اليوم وأيديهم ملطخة بدماء السوريين. إن دولاً صدَّرت الارهاب، وشجعت وساهمت وحرّضت. إن تلك الدول لم تنظر يوماً الى بيتها الزجاجي المهترئ قبل أن ترمي القلاع الحصينة، العريقة بالحجارة. ومن دون حياء، راحت تعطينا دروساً في الديموقراطية والتطور والتقدم، وهي تغرق في الجاهلية والتخلف."
ثم انبرى لانتقاد رئيس وزراء تركيا رجب طيب اردوغان، وقال: "كل ما ذكرته لم يكن ليتحقق لولا حكومة اردوغان التي فرشت أرضها للارهابيين، تدريباً وتسليحاً، ونسيت أن السحر قد ينقلب على الساحر". ثم اختتم كلمته بالدعوة الى التعاون والتكاتف من أجل مكافحة الارهاب، وإكمال الحوار على أرض سورية.
ويُستفاد من هذه الخلاصة أن الهدف المركزي من مشاركة وفد النظام السوري هو إعلان عدائه السافر لمختلف شرائح المعارضة واتهامها بأنها تنشر "الارهاب" في سورية.
ويرى الرئيس الأسد أن الاتفاق المبدئي الذي صيغ بين الولايات المتحدة وروسيا، يمكن أن يميل لمصلحته إذا عرف كيف يحشر المعارضة في زاوية "الارهاب"، الأمر الذي يرعب الدول الغربية، ويثنيها عن دعم خصومه.
وهو في كل طروحاته يتحاشى تصنيف المقاتلين في خانة المعارضة، لأنه لا يعتقد أن في سورية كلها جماعات لا تريد استمرار النظام الذي أرسى والده دعائمه قبل نصف قرن. لذلك يحرص على تصوير الأحزاب المعارضة بأنها نسخة عن "القاعدة"، أو نسخة عن الحركات الدينية المتطرفة التي ترفض قبول المسيحيين الذين يفاخر الأسد بأنه يؤمّن لهم الحماية والرعاية.
في حديث أجرته مع بشار الأسد، مطلع الانتفاضة في درعا، قناة اسبانية، قال إن سورية هي غير تونس وغير ليبيا وغير مصر. لذلك استبعد تسلل "الربيع العربي" اليها.
ورد على هذا التباهي، مواطن سوري يعيش في فرنسا، فقال: منذ 1970 ونحن في سورية نعيش في ظل التوازنات الأمنية-السياسية التي رسمها الرئيس حافظ الأسد. وتتضمن تلك التوازنات توفير مناخ "الأمن والاستقرار" مقابل تنازل المواطنين عن "الحرية." ومن أهم مصادر التأثير التي وصلت الينا من تونس وليبيا ومصر هي أن الشعب السوري يريد استعادة حريته بعد خمسين سنة، مثلما استعاد الليبيون والمصريون حريتهم بعد أربعين سنة.
ولكن هذا الخيار لم يعجب حكومة الأسد التي قررت، في نهاية السنة الماضية، إصدار هويات جديدة تحمل بصمات إلكترونية مميزة. ومع أن خزينة الدولة خاوية تقريباً، إلا أن المشروع المستحدث سيكلفها أكثر من 30 مليون دولار.
وتزعم المعارضة أن وراء هذا المشروع خطة جهنمية تقضي بإبعاد أكثر من أربعة ملايين مواطن سوري فرضت عليهم الأحداث العيش في مخيمات الغربة. ومعنى هذا أن باستطاعة النظام غربلة المواطنين الذين سيعودون الى البلاد بعد انتهاء الحرب الأهلية، أو باستطاعته إضعاف عدد المواطنين الذين سيسمح لهم بالمشاركة في انتخابات الرئاسة التي يتوقع أن تجرى في الصيف المقبل.
ومن المؤكد أن الفيلم الموثّق الذي عرضته قنوات عدة قبل افتتاح "جنيف-2" قد أربك أعضاء الوفد السوري، كما أربك وزير خارجية روسيا سيرغي لافروف المكلف ترتيب إعادة انتخاب بشار الأسد. والسبب أن موسكو لا تستطيع التخلي عن صفقات الأسلحة التي عقدتها مع النظام، خصوصاً ان هذا التخلي يضيّع عليها فرصة البقاء في المتوسط. لذلك طالب الوزير بضرورة التحقق من صدقية الملف الذي يتضمن آلاف الصور المروعة لـ 11 ألف معتقل في السجون السورية. ونشرت صحيفة "الغارديان" خلاصة التقرير المصور، زاعمة أن موظفاً في الشرطة العسكرية التقط الصور في الفترة الواقعة بين آذار (مارس) 2011 وآب (اغسطس) الماضي.
وتسعى طهران الى المحافظة على نظام بشار الأسد نظراً الى العلاقات الاستراتيجية التي نقلت النفوذ الايراني الى سورية ولبنان وغزة. وهي طامحة الى إقناع الولايات المتحدة بأهمية وجودها في دمشق من أجل ضبط الحدود مع لبنان.
والثابت ان اسرائيل تشاركها في هذا الخيار، لأن الحرب الأهلية في سورية تشغل "الحرس الثوري" الايراني وتسمح للقوى المعتدلة بالتعاون مع واشنطن. ومع أن روسيا والصين وعدتا الرئيس حسن روحاني بعدم التفريط بالنظام القائم، إلا أن مصالح ايران تفرض عليها المحافظة على نظام الأسد... أو المشاركة في صنع نظام آخر لا يختلف في وجهه السياسي عن الوجه الذي رسمته عائلة الأسد لسورية.
بسبب عمليات التفخيخ التي قتلت الوزير السابق محمد شطح وفجّرت السفارة الايرانية، تشاغل السياسيون اللبنانيون بأخبار حكومة غائبة منذ تسعة أشهر تقريباً. وهم في هذه الحال ينتظرون من لقاءات جنيف صدور اتفاق يمهِّد لوقف إطلاق النار فوق الأراضي السورية. عندئذ فقط يعرف الرئيس ميشال سليمان أن باستطاعته فتح البازار لانتقاء رئيس يخلفه في بعبدا...
* كاتب وصحافي لبناني