الرئيسة \  واحة اللقاء  \  خطار أبو دياب لـ'العرب': سقوط دمشق نهاية حقيقية للعرب بعد سقوط بغداد

خطار أبو دياب لـ'العرب': سقوط دمشق نهاية حقيقية للعرب بعد سقوط بغداد

23.12.2013
خطار أبو دياب


أستاذ العلاقات الدولية في جامعة باريس يرى أن حمص وحلب ودير الزور لا تختلف عند بوتين عن غروزني في الشيشان.
العرب
إبراهيم الجبين
[نشر في 2013\12\21]

البروفيسور خطار أبو دياب أستاذ العلاقات الدولية في جامعة باريس والخبير والباحث في الجيوبولوتيك، والذي تابع الملف السوري من بداية الأحداث، ومن لحظة خروج التظاهرات الصامتة في شوارع دمشق، ووقفات الشموع، حتى اعتقال أطفال درعا وتدفق المتظاهرين في الشوارع واختيار نظام بشار الأسد للرد بأقصى درجة من العنف وإطلاق الرصاص الحي على الشعب السوري.
نقرأ في المشهد السوري مع الدكتور أبو دياب ونحاول تتبع التفاصيل الحرجة التي تمرّ بها القضية السورية وتقاطعات الأوضاع الإقليمية والعربية والدولية، وتموضع كل طرف في الخارطة وما ستؤول إليه الأمور، ولنبدأ بقراءة الوضع داخل سوريا.. النظام والمعارضة والشعب، كيف يمكن أن ننظر إلى نظام بشار الأسد الآن، بعد أكثر من ثلاثين شهراً على انطلاق الاحتجاجات ضدّه؟
يرى أبو دياب أنه علينا أن “ننظر إلى وضع النظام من خلال حديث رئيسه بشار الأسد بعد لقائه قبل فترة بوفد الأحزاب العربية الذي حضر إلى دمشق للالتحاق بمؤتمر عقد فيها، فقد جاء حديثه عن نفسه وعن الأوضاع عموماً في سوريا، بشكل يعكس تصوّره عن مسار الأمور وكيف أنه تمكن من امتصاص الصدمة في السنة الأولى، ثم تقدّم نحو الهجوم في السنة التالية، في حربه ضد ما يسميه بـ”الإرهاب” لسحق عصاباته المسلحة على الأرض السورية، وهذا الحديث يذكّر بما قاله أيام درعا وكيف أنه كان يواجه الإرهاب فيها، حين قام بتحويل درعا إلى نسخة مكرّرة من حماة 1982، الأمر الذي وصل به إلى تحويل سوريا الشاسعة بمدنها إلى نماذج شبيهة، ولم يتمكن من السيطرة على الأمور، رغم كل ما مارسه من دموية، وهو يدرك تماماً أن لا شيء يمكن أن ينقذه سوى المحور الذي يدعمه منذ البداية، المحور الروسي الصيني الإيراني الممتد إلى العراق ولبنان”.
طبيعة نظام بشار والإرادات الدولية
ولكن للنظام طبيعة لا تخفى على المحللين، حيث يرتبط شخص الرئيس بتفاهمات دولية وحرب محاور، و يشرح أبو دياب مآل الأمور داخل مؤسسة النظام بالقول “النظام الآن وسابقاً كان نظام الشخص الواحد، ونظام المجموعة الواحدة الملتفة حوله، وهو نظام غير قابل للإصلاح، ويمكننا أن نلاحظ حالات فشل النظام في إدخال أية تغييرات أو تطويرات على أدائه سواءً في حالة نائب الرئيس فاروق الشرع أو في حالة قدري جميل أو عبد العزيز الخيّر أو رجاء الناصر، ويمكننا أن نفهم أن هذا النظام لا يزال مصرّاً على إكمال المهمّة وفقاً لتكوينه كنظام شمولي، فشعار “الأسد أو نحرق البلد”، هو احتواء واسع للبلاد عكس قدرته الأخلاقية والسياسية على منح الخصوم ما يريدونه من أجل التخلّص من الورطة التي يعيشها، والاستمرار في الحكم، كما في حالة السلاح الكيميائي، على حساب إضعاف سوريا وتدميرها، كما فعل حافظ الأسد من قبل بتسليم عبدالله أوجلان عندما بدا التهديد التركي حقيقياً.
والآن نحن أمام ضرب الجيش السوري وتفتيته، وتوريط حزب الله في سوريا، كل هذه الهدايا والسلوكيات والاستجابة لرغبات خفية وأخرى معلنة ستقود إلى إنهاك سوريا وسحق مقدراتها.
وماذا عن الحسابات الدولية، وما الذي تريده من سوريا ولها على مستوى رقعة الشطرنج العالمية اليوم، يعتقد أبو دياب أن “كل الدوائر اليوم تدور لجعل سوريا ساحة لتصفية الحسابات الدولية، الملف النووي الإيراني، النزاعات الإقليمية القائمة وغيرها على حساب الشعب السوري وتطلعاته، وأن استمرارية النظام في الحكم ستجعل من إمكانية إعادة لملمة سوريا وتنميتها أمراً مستحيلاً.
لذلك هو موجود الآن بهدف وحيد هو إتمام عملية تدمير المجتمع السوري ونسف إمكاناته، وهو ما قام به على مدار سنوات طويلة والآن يعبّر عنه بكل ما يستطيع، ولكن تبقى المسألة من وجهة نظري ليست في مساحة الكيلومترات التي يسيطر عليها النظام أو في تلك التي تحررها المعارضة، المسألة رغم وبعد كلّ شيء هي معركة نظام ضد شعب، هذا هو الأساس، حتى لو أصبحت في ظاهرها حرباً أهلية، أو برز خطر المنظمات المتشددة في الصورة”.خطار أبو دياب: لا يمكننا اليوم لوم المعارضة السورية كثيراً، فقد سعت منذ البداية في محاولة لتشكيل جبهة وطنية معارضة حقيقية مقابلة للجبهة الوطنية التي في دمشق، ولكن حين تنظر إلى المال السياسي والوصايات الخارجية، ستفهم سبب هذا العقم وعدم القدرة على إنتاج قرار وطني شبه مستقل.
هل تجري إعادة تأهيل لنظام الأسد
يتردّد بين الوقت والآخر تعبير “إعادة تأهيل النظام” فهل يخطر ببال أحدٍ بعد كل ما حدث وهل يمكن سياسياً وعلمياً أن يعود نظام بشار الأسد للسيطرة من جديد وحكم سوريا كما كان يفعل، يرى أبو دياب أن البعض لا يزال يراهن على أن هناك إمكانية لتجميل النظام أو تسييره دون بعض عناصره الأساسية، “ولكن ما يمنع هذا هو كما قلت إن النظام مرتبط بشخص الرئيس والدائرة من حوله، حتى أن الجيش والأجهزة الأمنية من الصعب إدارتها من قبل آخرين من خارج مجموعة بشار الأسد أو أخيه ماهر أو آل مخلوف وآل شاليش وشخصيات نافذة كاللواء محمد ناصيف، نحن أمام حالة خاصة، لذلك فإن إعادة التأهيل هي ضمن معادلة ضغط تقول إما الخراب أو الإرهاب أو بشار الأسد.
ولكن يمكننا أن نرى جدّية الأميركيين في الإسراع بالتخلص من السلاح الكيميائي، حتى لا يحاول الأسد استعماله حين تنتهي مدته الرئاسية في منتصف العام 2014.
كل هذا يجعل من وهم إعادة تأهيل النظام بعد شلال الدم أمراً صعب الحدوث، إن كل ما يحلم به النظام اليوم هو تدمير ما تبقى من سوريا، كما دمّر حلب وحمص، وقد يدمّر دمشق أيضاً، لأنه سيحاول البقاء فيها حتى اللحظة الأخيرة، قبل أن ينسحب إلى الساحل، لذلك تكون من هنا فكرة إعادة التأهيل خطرة جداً، إن لم يستوعب العالم والمجتمع الدولي أنه مع وجود هذا النظام ستكون إمكانية وجود سوريا من جديد أمراً مشكوكاً به.
من هنا تأتي أهمية جنيف 2، ربما يقول البعض سيأتي ظرف مناسب ما، عندما يخرج الناشطون من السجون، ويعود النازحون، البيئة الحاضنة للثورة السورية هي بيئة معتدلة ولا تسمح للمجموعات المتطرفة بالعيش، وحتى تلك المجموعات التي تساند النظام ستجد نفسها في لحظة فارقة.
ربما يمكن أن يتم تقبل بقاء النظام لمرحلة انتقالية محدودة، وحينها قد يتم تطبيق الخيار اليمني، وتأسيس حكومة انتقالية بالمشاركة مع المعارضة، عند ذلك من الممكن إخراج تسوية، بينمـا سيكون على النظــام أن يتصرّف وفقــاً لطبيعته “كل شيء أو لا شــيء”.جنيف2 لن يكون كافياً وحده، وسيعطي الأهلية من جديد للحقل السياسي وخوض المعركة سياسياً، وهذه البيئة ستترافق برأيي مع إنتاج قيادة سياسية جديدة للمعارضة ويأتي تشكيل الحكومة السورية المؤقتة خطوة ممتازة في هذا الصدد
المعارضة السورية
وفي ظل الفوضى التي ضربت المشهد السوري كلّه، ما يزال هناك ملفان هامّان يتحكمان في قطاع واسع من اللعبة، المعارضة السورية السياسية والأخرى المسلحة، هل بالفعل سيتمكن أحد هذين الفريقين أو كلاهما معاً من التأثير في الأوضاع.
ينظر أبو دياب إلى الأوضاع في سوريا بالقول :”المسائل كلها مختلفة اليوم، فلا الثورة تقليدية، ولا العمل المسلّح تقليدي، ولا المعارضة تقليدية، وعلينا أن نقول إننا أمام حالة استثنائية تماماً في كل شيء، نحن أمام حراك مسلّح لا قيادة له، وحراك سياسي لا قيادة له، وربما كان هذا الأمر مفيداً في البداية لمنع النظام من بتر قيادة الثورة، أما اليوم فنحن نشهد تشتتاً وانفصاماً في كل مفاصل المعارضة.
ولكن عدم وجود قيادة لكل تلك التشكيلات هو من حسن حظ الشعب السوري، فلا يسهل بيع دماء السوريين والمساومة على حقوقهم، ولا يمكننا اليوم لوم المعارضة السورية كثيراً، فقد سعت منذ البداية في محاولة لتشكيل جبهة وطنية معارضة حقيقية مقابلة للجبهة الوطنية التي في دمشق، لإعلاء شأن المواطنة والحريات.
ولكن حين تنظر إلى المال السياسي والوصايات الخارجية، ستفهم سبب هذا العقم وعدم القدرة على إنتاج قرار وطني شبه مستقل، نحن أمام دوّامة، وكل القوى لم تكفّ عن التدخّل في قرار المعارضة.
وفي الوقت الذي ترى فيه حلفاً حديدياً خلف بشار الأسد ونظامه، فإنك لا ترى الأمر ذاته خلف المعارضة السورية، فحتى القوى الإقليمية ما تزال مترددة في دعم الثورة المدنية السورية مما فتح الباب واسعاً أمام القوى المتشدّدة دينياً، فنحن أمام عقدة لا يمكن تجاوزها، وهنا سأحدّثك عن جنيف2، الذي برأيي لن يكون كافياً وحده، ولكنه سيعطي الأهلية من جديد للحقل السياسي وخوض المعركة سياسياً، ويتوجّب إعطاء بعض الأمل لبعض الناس، كفتح ممرات آمنة وإطلاق سراح المعتقلين، وهذه البيئة ستترافق برأيي مع إنتاج قيادة سياسية جديدة للمعارضة.
وأعتقد أن تشكيل الحكومة السورية المؤقتة اليوم هو خطوة ممتازة في هذا الصدد، فقد قدّمت كوادر نظيفة جيدة مما سيتيح صيغا ليس فقط على المستوى الخدمي بل وصولاً إلى الأداء السياسي العام، ولا تنس أنه من غير المسموح للنظام حسم المعركة، كما هو غير مسموح للمعارضة بأن تحسم بدورها.
إن القوى التي تقف بمواجهة بعضها البعض في العالم، تحاول طيلة الوقت منع حصول هذا الأمر، وكما رأينا فإنه بعد معركة القصير حاول النظام التوجّه إلى حلب، ولكنه فشل، وكما قلت إن المسألة في سوريا ليست بالكيلومترات التي يسيطر عليها هذا الطرف أو ذاك، لا يجب أن ننسى أيضاً وصول إمدادات من الرقة إلى غوطة دمشق، بالنسبة إلى العرب الأمر شديد الخطورة، فبعد سقوط بغداد، سيكون سقوط دمشق نهاية حقيقية للعرب”.الكل انتقد حدود سايكس بيكو التي مزقت الجسد العربي، إلا أن تلك الحدود صامدة حتى الآن.. فلم يتفكك لبنان ولا العراق..ولن تتفكك سوريا.. وإن حصل هذا التقسيم فإنه سيمتد ولن يتوقف على المنطقة العربية
محور.. الرياض أبوظبي القاهرة
بدأ بالنشوء محور عربي يمتد من أبو ظبي إلى الرياض فالقاهرة بمواجهة المحور الإيراني من طهران إلى بغداد فدمشق وبيروت، بالمقابل هناك محور الدوحة أنقرة وهناك أيضاً إسرائيل. كل هذا يحدث في ظل غياب مشروع عربي حقيقي يقف أمام الاستحقاقات.. ماذا عن المحاور الإقليمية التي تتصارع في الوقت الحرج؟
يأسف أستاذ العلاقات الدولية في جامعة السوربون لما مرّ على المنطقة خلال العشرية الأولى من القرن الواحد والعشرين، “مع الأسف، طرح المحافظون الجدد أيام الرئيس بوش الابن مشروع ‘الشرق الأوسط الجديد الديمقراطي’ ولكن الأميركيين اكتشفوا أن الديمقراطية ليست مناسبة لمصالحهم، كما حدث في غزّة حين انتصر الإسلاميون في الانتخابات، كذلك كان الهلال الإيراني أو ‘الشرق الأوسط الإيراني’ يتقدّم في المنطقة، وبالأخص بعد الهدية الأميركية لطهران والتي تمثلت بإسقاط نظامي صدام وطالبان في العراق وأفغانستان، مما أعطى إيران الفرصة الكافية للتمدّد نحو البحر المتوسط.
صحيح أنه لا يوجد مشروع عربي، وكنا نأمل في أن يظهر هذا المشروع مع الربيع العربي، لولا أنه تم سحق طموحات وآمال الشباب العربي من قبل الأنماط الكلاسيكية. نرى أيضاً المحور التركي القطري ومحور أبو ظبي الرياض القاهرة، ويمكننا التوقف عن تشكيل الجبهة الإسلامية في سوريا التي تعكس بداية لتجاوز الخلافات القائمة بين محورين على الأقل.
وفي الوقت ذاته نجد أن السيد أحمد داود أوغلو طار فجأة إلى طهران، الخطر كبير من عدم بروز مشروع عربي حقيقي، والخطر هذه المرة لا يهدّد قليلاً من الدول في المنطقة وحسب، بل إنه سيكون خطراً على الخليج العربي كلّه، وهناك أيضاً مسألة إنقاذ سوريا، التي لا يجب التساهل فيها، وإيجاد بدائل، خصوصاً أنه ليست كل الوسائل مسلحة بالضرورة.
وطبعاً نرى أيضاً مشروع القاعدة، الذي هو مشروع حقيقي وموجود، في غياب المشروع العربي، ولو تطور هذا المشروع سينسى الجميع قصة الصومال وأفغانستان، فالأمور هنا تحدث بطريقة مختلفة ومتفجّرة أكثر. ولكن يتوجب القول إن هذا كله ليس للشعب السوري فيه ذنب، فقد ترك وحيداً يواجه الموت والخراب والتدمير والاعتقال والمجازر، وقد رأينا بأنفسنا ما لا يصدّق من أشكال المعاناة، وأنا شخصياً رأيت بنفسي أهوال ما عاناه الشعب السوري في مخيمات النازحين في بلغاريا، على العالم احترام إنسانية الإنسان السوري، وهناك مسؤولية دولية وأخلاقية، عربية وإسلامية بعدم استمرار ما يحدث في النطاق العربي والإسلامي.
نحن أمام تحدٍ كبير، وكأن نهاية العالم العربي أو العالم الإسلامي تحصل اليوم في سوريا، وعلى من ينتظر عودة المهدي المنتظر أن يتذكر أن الدين تسامح ومحبة ولا يدعو إلى تحويل الأرض إلى صحراء خالية من البشر، وأن من أساس الدين الدعوة إلى التفكير في الإنسان أولاً”.

إسرائيل والصراعات في الشرق
كيف يمكن تصديق أن إسرائيل تنأى بنفسها عمّا يحدث في المشرق العربي، وهي التي ترى في ظاهرة بسيطة هنا أو هناك تهديداً لوجودها كلّه؟ وهل الإسرائيليون يؤيدون بقاء الديكتاتوريات في المشرق؟ أو هم مع حياة ديمقراطية قادمة كما بشّر الربيع العربي؟
يقول أبو دياب: “كل يوم نسمع ونقرأ تصريحات وتلميحات متناقضة تصدر عن الإسرائيليين، فالبعض ينتقد معالجة بعض الجرحى السوريين في إسرائيل بعد إصابتهم على الحدود، ومن المحزن أن كثيراً من الدول العربية والإسلامية لم تعرض معاجلة هؤلاء في مشافيها، لماذا لا يستقبلون الجرحى والمصابين السوريين؟
إسرائيل حاربت الشعب السوري وهو من أعدائها الشرسين، وبالنهاية فإن سوريا وقبل كل شيء هي “قلب العروبة” صحيح أن هناك مصر والرياض وعواصم أخرى ولكن المشرق كلّه يستند إلى دمشق التي مثلت تاريخياً ثقلاً خاصاً، والآن تم إنهاك وتدمير الجيش السوري، وهذا في مصلحة إسرائيل في النهاية” ولكنهم في إسرائيل ما زالوا يطرحون السؤال التالي..
هل من مصلحة إسرائيل ذهاب الأسد؟ “هناك حيرة استراتيجية إسرائيلية في الحقيقة، البعض قال حين سقط حسني مبارك، لقد خسرت إسرائيل كنزاً بزوال حكم مبارك، ولكن مبارك كالسادات قاما بتوقيع اتفاقية سلام مع إسرائيل، واسترجعا الأرض المصرية وحافظا على علاقات تخدم مصالح الطرفين، وكان النظام السوري أفضل أعداء إسرائيل، فهو لم يحارب ولم يوقّع، لذلك فإن المكسب الاستراتيجي اليوم لإسرائيل هو أن قرار النظام السوري لم يعد في دمشق، بل في طهران، وهم يعتبرون أن الخسائر على الأرض السورية هي خسائر إيرانية، وحالة النظام السوري اليوم تشبه حالة إيطاليا في الحرب العالمية الثانية، قياساً على الارتباط بألمانيا النازية.
لذلك فقد بدأت ترتفع أصوات في إسرائيل تحذر من حدوث انتصار إيراني على الحدود الإسرائيلية، والحقيقة أن موسكو تعاونت مع واشنطن لتحقيق المطلب الإسرائيلي بحذافيره، ويمكن أن يتبرع بوتين في مرحلة لاحقة لإكمال ما تم إنجازه لنزع ما تبقى من قدرات النظام السوري عسكريا، بتدمير القدرات الصاروخية السورية، من أجل ذلك أقول إن روسيا لا تتناقض مع إسرائيل في سوريا، وأكبر مثال على تلك العلاقة الفانتازية بين موسكو وتل أبيب هو أن روسيا تبيع للنظام السوري منظومات صواريخ لتقوم إسرائيل بتدميرها على الفور.الجيش الحر في مرمى النظام والقاعدة والجبهة الإسلاميةلندن- أصبح نفوذ الجماعات المتشددة في سوريا مبعثا للقلق وخاصة بعد استيلائها على العديد من المناطق التي تفرض سيطرتها عليها بالكامل، في مخطط لتأسيس إمارة إسلامية، وامتد خطر هذه المجموعات بعد أن أصبحت في صراع مع الجيش السوري الحر، وهو ما بات عائقا في وجه تقدم الجيش الحر أمام تحقيق مكاسب على الأرض.
وأصبحت مكاسب المتمردين الإسلاميين في سوريا تتعاظم، بعد أن استولت الجبهة الإسلامية على مقر القيادة السورية الشمالية من اللواء سالم إدريس رئيس أركان المجلس العسكري الأعلى للجيش السوري الحر، والمستودعات التي تحتوي على معدات لهيئة الرقابة المالية من قبل الدول الغربية.
ويقول المراقبون إن استمرار صعود الجبهة الإسلامية يهدد عملية الانتقال السياسي في سوريا، نظراً إلى أنها لن تتراجع عن القتال ولن تترك المناطق التي سيطرت عليها سواء لقوات النظام أو لقوات الجيش الحر.
بالإضافة إلى أن لبنان أصبح مشلولا بسبب الصراع في سوريا، وكثير من أعضاء المتمردين الإسلاميين قام بتنفيذ عمليات تفجيرية في لبنان وضواحي بيروت، انتقاماً من حزب الله الشيعي لمشاركته في القتال بجانب قوات الرئيس بشار الأسد. إن استمرار صعود الجبهة الإسلامية أمر بات يدعو إلى قلق المجتمع الدولي، في ظل وضع ينذر بأن تتحول سوريا إلى قاعدة للإرهاب الدولي.
في هذا الصدد يقول غالب قنديل مدير مركز الشرق الجديد للدراسات السياسية “إن هذه الجماعات لن تترك دمشق بسهولة، وتريد الذهاب بعيداً عن المناطق التي تسيطر عليها، وهو ما يمثل عائقاً أمام تقدم الجيش السوري الحر في حربه مع قوات النظام”، مؤكداً أن هدف هذه الجماعات هو تطبيق الشريعة الإسلامية وقيام دولة موحدة تضم سوريا والعراق ودول الشام، وترفض الديمقراطية العلمانية.
وباتت المعارضة المسلحة في مرمى النفوذ المتنامي ونيران تنظيم القاعدة وخاصةً في شمال سوريا، وأدى صعود هذه القوى الإسلامية إلى تقويض تحركات الجيش السوري الحر، ولو استمر هذا الحال كثيراً لن تكون هناك معارضة مسلحة من حيث الوجود المادي الفعلي على أرض الواقع، وستكون الأمور كلها تحت سيطرة المتمردين الإسلاميين.
يقول المراقبون إن بوتين قد أضحى أعظم حاكم خدم مصالح إسرائيل في المرحلة التي نعيشها، صحيح أن الولايات المتحدة ومنذ آب 2011، وعلى لسان الرئيس أوباما قد طالبت بتنحي الأسد ولكنها لم تدلّنا على آليات ذلك التنحي، وقد وصل الأمر بأوباما إلى الاستخفاف بمقتل عشرات الآلاف من السوريين حين قال إن مثلهم سقطوا ويسقطون في الكونغو.
أما بالنسبة لبوتين فحمص وحلب ودير الزور لا تختلفان عن غروزني في الشيشان، ولكننا يجب أن نلاحظ التوازي في المواعيد في ما يتعلق بالاتفاق النووي مع إيران الذي كانت مدته ستة أشهر، وهي ما تبقى من عمر ولاية رئيس النظم السوري وتصادف منتصف العام 2014 الذي لا أريد المبالغة في القول بأنه سيكون مصيرياً وحاسماً بالنسبة إلى شعوب المنطقة”.
الشيطان البديل الذي يريده العالم
قالت الأوساط الإسرائيلية و بعض القوى في المجتمع الدولي إنها تفضل التعامل مع الشيطان الذي تعرفه، “نظام الأسد في سوريا” وفي الوقت ذاته طالبت بالبحث عن بديل لنظام الأسد، كيف يمكن أن يكون شكل ذلك الشيطان البديل؟
يقول أبو دياب: “بالفعل أصبحت اليوم الكلمة لبوتين وحده، فهو الوحيد القادر على تقديم بديل عن بشار الأسد، إذا أراد المحافظة على مصالحه في المنطقة، ولعل سحبه لأشخاص مثل قدري جميل مع بعض القيادات العلوية سيكون بديلاً، ولكن في قناعتي أنه ليس لدى الروس أي تصوّر لقبول شخصيات من هذا النوع حالياً، حتى أنهم لا يفكرون في البديل، هم يتابعون المهمّة فقط”.
وماذا عن إيران وهل تستطيع تحمّل نتائج خسارة المعركة في سوريا والمنطقة؟ يؤكد أبو دياب أن “هناك تسرّب ما من لقاء الرئيس روحاني بوزير الخارجية الإماراتي وقيل إن الإيرانيين وعدوا بسحب حزب الله من سوريا خلال فترة ثلاثة أشهر، ولكن حين تسمع عبارة ‘سوريا هي المحافظة الإيرانية الـ35 فلا يجب أن تستغرب، هذا صحيح، لقد تم دمج الملفات السورية الإيرانية بطريقة يصعب فكّها عن بعضها البعض بسهولة، إننا أمام مرحلة طويلة من النزاع والتفكك”.
وحين نقول تفكك: هل نتوقع تغييراً في خرائط المنطقة.. انهيار دول أو زوال دول أو ظهور دول أخرى ؟
يدافع أبو دياب عن ثوابت تاريخية في تحليله :”رأينا الكثير من الخرائط في نيويورك تايمز، ورأينا خرائط كثيرة بعد حرب الخليج الثانية، وبعد غزو العراق، ولكن فيما كان الكل يتكلم وينتقد حدود سايكس بيكو التي مزقت الجسد العربي، إلا أن تلك الحدود صامدة حتى الآن، انظر إلى لبنان الذي لم يتفكك، رغم وجود كل الشروط التي يمكن أن تقوده إلى هذا، انظر إلى العراق، لقد صمدت تلك الدول ولم تختفِ.
لذلك فإن التفكيك لن يكون حرفياً، واتخاذ قرارات في عالم الاندماج والعولمة سيكون مختلفاً، ولو كنت في موضع اتخاذ قرار في واشنطن أو موسكو لكان من الأسهل لي التعامل مع عشر دول على أن أتعاطى مع ثلاثين دولة بعد أن تتفكك الأولى، هناك الإسرائيليون الذين يعتقدون أن قيام دولة كردية سيساعد على تفتيت أو تمزيق أربع دول في المنطقة إيران والعراق وتركيا وسوريا، لكن هذا لعب بالنار، لأن باب التقسيم إذا فتح فإنه لن يتوقف، ولن تمتد نيرانه فقط إلى لبنان والأردن والخليج العربي واليمن ومصر بل سيتجاوز ذلك وصولاً إلى إيران والباكستان والهند.
وربما يأتي وضع تظهر فيه دعوات توحيدية تعيدنا إلى عصور مختلفة فنسمع عن إمبراطوريات جديدة جاهزة للولادة، ولا أحد يعرف هل ستكون تلك الإمبراطورية إيرانية أو تركية أو عربية، أعتقد أن الكيانات ما تزال عصية على التفكك، وإمكانات التجمّع يمكن أن تحصل، بالأخص حين تسمع عن تجميع سنّة العراق مع سنة سوريا في مشروع دولة الشام والعراق، وكأن البعض يريد القول إن هذا سيكون بمواجهة تجمّع آخر يتيح لإيران شواطئ المتوسط، هذا السيناريو كما قلت لعب بالنار وكل شيء يتوقف على مصير المعركة التي تدور في سوريا الآن”.