الرئيسة \  واحة اللقاء  \  خطوات عملية لمساعدة اللاجئين السوريين

خطوات عملية لمساعدة اللاجئين السوريين

07.04.2015
عادل درويش



الشرق الاوسط
الاثنين 6-4-2015
الحدث الطيب ليس بخبر؛ القاعدة الثابتة في الصحافة، التي تثير انتقادات المسؤولين والمشاهير للسلطة الرابعة، ودائما هناك استثناء يؤكد القاعدة، والحدث كان في الكويت هذا الأسبوع بإنجاح المؤتمر الثالث الذي استضافه ونظمه ودعمه الكويتيون للبلدان والمنظمات والهيئات المانحة للاجئين والنازحين السوريين.
مأساة اللاجئين السوريين الذين ارتفع عدد النازحين منهم خارج سوريا من 8400 في 2011 إلى قرابة أربعة ملايين الشهر الماضي، في الأرقام التي قدمها أمير الكويت الشيخ صباح الأحمد في افتتاحه لمؤتمر المانحين الثالث (الأول بعد تكريم الأمم المتحدة له كرجل المهام الإنسانية الأول في العالم، والكويت كالبلد الداعم للجهود الإنسانية). هذه العوامل ركزت اهتمام صحافة العالم بالمؤتمر وبالكويت.
مبادرات الكويت بتقديم المعونات الإنسانية والإغاثة فور وقوع كارثة في أي مكان في العالم تعود لأكثر من نصف قرن (بجانب برنامج سخي للمعونات الخارجية والاستثمار وتوفير فرص العمل لعشرات من البلدان النامية) وليس فقط منذ تنظيم مؤتمرات المانحين قبل 3 سنوات.
المؤتمر الأخير نجح في تأمين تعهدات من المانحين ب3 مليارات و800 ألف دولار، وشارك فيه أكثر من 80 بلدا ومنظمة عالمية نظمته واستضافته ومولته دولة الكويت بتكليف من الأمم المتحدة. معلومة لم يستوعبها صحافيون كرروا أسئلة متطابقة على الشيخ محمد عبد الله المبارك وزير شؤون مجلس الوزراء حول اختيار المشاركين في المؤتمر، وأحسده على صبره في الإجابة عن سؤال مكرر (متى يتعلم بعض الصحافيين العرب الإنصات بانتباه إلى الأسئلة والأجوبة حتى لا يضيعوا الوقت بإعادة أسئلة أجيب عنها قبل دقائق؟). فممثل الهيئات وممثلو ما يعرف بالمعارضة السورية دعتهم الأمم المتحدة ومفوضيتها لشؤون اللاجئين، وليس الكويتيون الذين نظموا ودعموا ومولوا نشاطا يتبع منظمات عالمية كالأمم المتحدة.
الكويت قدمت دعما لم يماثله أي مكان آخر بتنظيم المؤتمر واستضافة الوفود وتغطية نفقات السفر والإقامة ودعوة الصحافيين وتوفير الإمكانيات والمعلومات (صحافة من مختلف اللغات وبقاع الأرض في أربعة مراكز صحافية وفرت جميع سبل الاتصال والتغطية والإمكانيات في الفنادق التي أقامت فيها الوفود والصحافيون، وفي قصر بيان، بفضل الجهود الممتازة لوزارة الإعلام الكويتية بقيادة الشيخ سلمان الحمود الصباح الذي كان موجودا شخصيا في كل مكان وحدث بجانب عمله كوزير للشباب.
وليس فقط نفقات الضيافة والسفر والتنقلات، فهناك الجهود التي إذا ترجمت إلى وحدات نقدية تصل إلى ملايين الدولارات (إذا حسبت عدد ساعات العمل بعشرة دولارات للساعة، فاحسب ساعات من أداروا مكاتب موفري المساعدة والمعلومات في المراكز الصحافية، وهم قرابة 50 في كل مركز، ومرافقي الوفود والصحافيين وتنقلاتهم، من موظفي الديوان الأميري، والخارجية والإعلام...). وهناك مساهمة الكويت المباشرة ب500 مليون دولار كالعام الماضي، لكنها تساوي الآن في السوق 722 مليون دولار (ارتفاع سعر الدولار وانخفاض تكاليف المعيشة والإنفاق والوقود ب24 في المائة، و2 في المائة)، وإذا حسبنا انخفاض سعر البترول، فإن قيمة التبرع الحقيقية لخزانة الكويت هي 900 مليون دولار.
اختيار الأمم المتحدة للكويت قرار حكيم محسوب بدقة، فبجانب الكفاءة العالية في تنظيم المؤتمرات العالمية، وبحساب الميزان الدولي الدبلوماسي، تتفوق كفة أصداء الكويت ومعجبيها على كفة الخصوم السلبيين.
وإذا كانت تبرعات الكويت في المؤتمرات الثلاثة فاقت المليار دولار، فإن هناك مساهمات أخرى بمئات الملايين لم تدرج في الحسابات، كتنظيم المؤتمرات الثلاثة، وما دفعته وتوفره المنظمات الخيرية غير الحكومية الكويتية (أكثر من 500 مليون دولار في ثلاث سنوات) والدعم اليومي الذي توفره الكويت للنازحين السوريين في المخيمات في الأردن ولبنان، كالمخابز التي توفر الخبز اليومي لقرابة ثلاثة ملايين نازح.
في المؤتمر الصحافي لتقييم المؤتمر ودعوة العالم للتحرك الذي عقده وزير الخارجية الكويتي الشيخ صباح خالد الأحمد، والأمين العام للأمم المتحدة بان كي مون، ومساعدة الأمين العام لشؤون اللاجئين فاليري آيموس، ناشد المؤتمر العالم تقديم ستة مليارات دولار، أي مليارين و200 ألف دولار إضافية إلى ال3 مليارات و800 مليون، جملة ما تعهد به المانحون.
وهناك انتقادات في الصحافة الداخلية من البلدان المشاركة والمانحة، أهمها إهدار مبالغ لا يستهان بها من التبرعات في بيروقراطية الأمم المتحدة التي تفوق البيروقراطيتين السوفياتية والمصرية مجتمعتين (لاحظت مثلا أن أي صاحب منصب في الأمم المتحدة شارك في المؤتمر تصحبه وتحيط به مجموعة من المرافقين و"الشمشرجية" والمطبلين ومديري مكتبه وحاجبي الصحافيين من الوصول إليه والبودي غارد، طفيليون يستهلكون ميزانية كبيرة ويصعب على العقل فهم دورهم، خاصة أن الكويت، سواء وزارة الخارجية أو الإعلام أو الديوان الأميري، وفرت للمشاركين والصحافة إمكانيات واتصالات ومساعدات وحراسة لا تجدها في أوروبا، فما لزوم هؤلاء الهابطين من كوكبي نيويورك وجنيف؟ وهم موظفون دائمون في بيروقراطية الأمم المتحدة يستهلكون جزءا لا يستهان به من الميزانية الأجدر بها أن تخصص لعون النازحين أو لنشاطات أخرى تشكو الأمم المتحدة من نقص ميزانيتها). ونرجو عودة النازحين إلى سوريا فتختفي الحاجة لمؤتمر رابع، لكن كواقعيين يمكن تعويض النقص من ال6 مليارات المطلوبة بالاستفادة من تجربة الكويت في المساعدات غير المادية.
هناك بلدان لا تقدم ما يكفي ماليا لنقص ميزانيتها مثلا، لكنها غنية بإمكانيات أخرى، سواء المواهب البشرية أو التكنولوجيا أو في مجالات الرعاية الصحية والتعليم (لخمسة أعوام فقد أطفال سوريا فرصة التعليم). فبلدان كروسيا والهند ومصر والبرازيل مثلا لا حصرا، يمكن أن تقدم التكنولوجيا والأدوية والأمصال والمستشفيات المتنقلة والمدارس والأطباء والممرضات والمعلمين والأخصائيين وسبل المواصلات لتعوض، وربما زيادة عن، النقص في الميزانية التي تطلبها الأمم المتحدة لمساعدة السوريين.
ورغم أن الأمير الشيخ صباح الأحمد شدد على مأساة النازحين واللاجئين من داخل سوريا نفسها، ويقدر عددهم بأكثر من أربعة ملايين ونصف مليون، فلم يطرح أحد من كبار ممثلي الأمم المتحدة والدول المانحة حلولا واقعية لتأمين وصول المساعدات والإغاثة إليهم.
ولعل الأمم المتحدة تبادر بحلول دبلوماسية ترتبط ببرنامج المساعدة الإنسانية، وهو ما يتطلب حوارا مع كل أطراف الأزمة السورية (حتى التي لا يستطيع البعض التعامل معها). وبين البلدان المانحة هناك عدد من الدول المحايدة التي لا تاريخ استعماريا لها ولا مصالح سياسية تجعل النظام أو المعارضة تحتج على مشاركتها ستكون مرشحة للعب هذا الدور الإنساني الملح.