الرئيسة \  واحة اللقاء  \  خلافات وتباينات في الطريق الى "جنيف ـ2"

خلافات وتباينات في الطريق الى "جنيف ـ2"

05.06.2013
ماجد الشّيخ

المستقبل
الاربعاء 5/6/2013
انعكست خلافات المعارضة السورية، وتعدد أجنحتها وتفاوت مواقفها من النظام ومن الأزمة بشكل عام، خلافات وتباينات في صفوف القوى الإقليمية والدولية الساعية نحو إيجاد حل سياسي للأزمة السورية، التي عمّرت حتى الآن أكثر من عامين وسط تزايد أعداد القتلى والجرحى والمشردين والنازحين هربا من دمار الحرائق. بينما يبلغ التنافس الإقليمي على النفوذ والهيمنة في صفوف قوى المعارضة، حدودا بات معها وجود أكثر من عقبة، تقف حائلا من دون حصول تقدم في اجتماعات المعارضة، من قبيل ما جري في عمان وذاك المؤتمر الذي انعقد في اسطنبول قبل أيام، وبحسب ما يقول ناشطون ومعارضون، فإن الائتلاف الوطني لقوى المعارضة والثورة السورية لم يتمكن بسبب الانقسامات، من التطرق إلى موضوع البحث الرئيسي، وهو اتخاذ قرار بشأن المشاركة في المؤتمر الدولي حول سوريا (جنيف2) المزمع عقده في حزيران (يونيو).
وبدلا من أن يعلن النظام السوري عن مشاركته في (جنيف2)، جاء الإعلان من موسكو التي أعلنت الجمعة (24/5) أن النظام السوري موافق "مبدئياً" على المشاركة في المؤتمر، في حين طالب متحدث باسم الائتلاف، بـ"بادرات حسن نية" قبل مطالبة المعارضة بقرار حول المشاركة، موضحاً أن من هذه البادرات "الانسحاب من بعض المدن" و"وقف استخدام صواريخ سكود" من جانب النظام. فيما أكد وزير الخارجية السوري وليد المعلم خلال زيارة إلى بغداد الأحد (26/5)، ان بلاده ستشارك "من حيث المبدأ" في مؤتمر (جنيف2) الذي رأى فيه فرصة مؤاتية للحل السياسي للازمة في سوريا.
من جانبه حض وزير الخارجية الأميركي، جون كيري، الرئيس السوري بشار الأسد على حضور مؤتمر جنيف للسلام، وحذره من اعتبار "الانتصارات الاخيرة نهائية" في إشارة إلى ما يجري في القصير، ونبه الى ان عدم استغلال فرصة "جنيف2" ستعني استمرار الحرب، ووقوع مجازر وحتى تقسيم سوريا. وقال إنه من دون مفاوضات جادة ستشهد سوريا اراقة دماء بشكل اسوأ، وسنرى انه اذا لم يعقد (مؤتمر) (جنيف2) فان كل ما سنشهده هو استمرار التقسيم المأسوي، وهو ما سيؤدي الى المزيد من اعمال العنف والدمار".
وفي وقت لا تزال المواقف الروسية والغربية متباعدة، فقد ظهر التباين واضحاً بين موقفي الولايات المتحدة وروسيا في شأن المؤتمر العتيد. وبينما دعا وزير الخارجية الأميركي جون كيري، قبيل انعقاد اجتماع عمان لـ"مجموعة أصدقاء سوريا"، الرئيس السوري بشار الأسد إلى التزام السلام، مهاجماً إيران و"حزب الله"، هاجم وزير الخارجية الروسي سيرغي لافروف، أثناء استقباله نائب وزير الخارجية السوري فيصل المقداد، المعارضة السورية التي "لم تُظهر حتى الآن التزاماً كافياً تجاه الجهود المبذولة لعقد مؤتمر للسلام مع حكومة الرئيس الأسد" لكنه تجاهل الإشارة إلى مجموعات المقاتلين من "حزب الله" و"الحرس الثوري" الذين يناصرون النظام.
في هذه الأجواء المتشائمة، خطت "ديبلوماسية التسليح" خطوة متقدمة، في أعقاب سماح الاتحاد الاوروبي لاعضاء فيه، بتوريد اسلحة دفاعية الى المعارضة السورية اعتباراً من اول آب (اغسطس) المقبل، واعلان البيت الابيض انه كان يعلم بزيارة السناتور جون ماكين للاراضي السورية تحت سيطرة المعارضة، بالتزامن مع اعلان روسيا انها ستسلم صواريخ "أس 300" إلى نظام الرئيس بشار الأسد، في ما بدا انه معركة "شد حبال" بين روسيا والغرب قبيل معرفة مصير مؤتمر "جنيف2" المتوقع بين 15 و16 حزيران (يونيو). في وقت شددت فرنسا وبريطانيا على ان ليس لديهما "الخطط الفورية" لتزويد المعارضة أسلحة دفاعية، فيما حمل الكرملين على الأوروبيين بقوة، معتبراً قرار رفع الحظر على تسليح المعارضة عائق امام "جنيف2"، مصراً على مواصلة تزويد دمشق بالصواريخ باعتبارها "عامل استقرار".
وكان كيري قد لوح في وقت سابق، بورقة تسليح المعارضة، "إذا لم يلتزم الرئيس الأسد السلام". وعن إمكان لجوء واشنطن إلى تسليح المعارضة لو فشل الخيار السلمي، قال كيري "أكد الرئيس باراك أوباما نيته دعم المعارضة، ولا تزال كل الخيارات المتعلقة بهذا الدعم ونوعيته مطروحاً على طاولة النقاش، وعلى الأسد أن يفهم جيداً ما الذي نقصده".
إلا أن مصادر في عمان، ذكرت إن كيري أخبر المشاركين قبيل اجتماع عمان، وعلى العكس من مواقف سابقة، رغبة واشنطن "الإبقاء على الأسد أثناء المرحلة الانتقالية، على أن يكون رئيساً بلا صلاحيات، في وقت يجب أن يرحل تماماً عن السلطة، عقب المرحلة الانتقالية". وأوضحت المصادر أن اجتماع عمان سعى إلى "التمهيد لاجتماعات "جنيف2"، على أن يتم اعتماد صيغة واضحة للمرحلة الانتقالية، والسقف الزمني، والبحث في مدى نجاحاتها".
وبالتوازي مع التحضيرات الروسية - الأميركية التي ينشط المبعوث الأممي الأخضر الإبراهيمي لتنسيقها مع الحكومة السورية، والمعارضة، والدول الخمس الدائمة العضوية في مجلس الأمن، والأمانة العامة للأمم المتحدة، تكثفت الضغوط المتبادلة من أقطاب المؤتمر العتيد، لإرساء التوازن الذي سينعكس على طاولة المفاوضات، فيما يحاول النظام والمعارضة فرض توازن آخر ميدانياً قبل انطلاق المؤتمر.
وفي كل الأحوال، لا يبدو أن انعقاد مؤتمر لمعالجة ما يمكن تسميته "المسألة السورية" في وضع أكثر تعقيدا على الصعيد الإقليمي والدولي، سيكون سهلا، وإن عقد؛ فإن موضوعاته لن يكون من السهل الوصول إلى توافقات واضحة في شأنها، ذلك إن صراعا كذلك الجاري في سوريا، يتداخل فيه المحلي والإقليمي والدولي، لن يكون بمستطاع قوى يزداد تورطها فيه يوما بعد يوم، أن تخلّص نفسها ومن يتحالف معها للخروج من أتونه الملتهب؛ لا سيما وأن "حربا ساخنة" عبر وكلاء محليين، باتت تجري في العمق، تجاوزت كل حرارة وسخونة "الحرب الباردة" المستمرة بصورة أو أخرى، بين المعسكرين إياهما؛ الشرقي بزعامة روسيا، والغربي بزعامة الولايات المتحدة مع اعتماد أكبر على "الحلفاء" و"الوكلاء"، في ظل تغيّر معطيات وظروف الصراع، وتعقد وتشابك المصالح الاستراتيجية في التقائها وتنافرها.