الرئيسة \  واحة اللقاء  \  خلفيات دخول بوتين الحرب في سوريا

خلفيات دخول بوتين الحرب في سوريا

30.09.2015
توفيق المديني



الشرق القطرية
الثلاثاء 29/9/2015
لا يوجد أدنى شك في عقل الرئيس الروسي فلاديمير بوتين أن بلاده تعتبر المستهدفة الأولى من قبل الإرهاب الدولي المرتكز على الجماعات الإسلامية المتشددة، وبسبب المخاوف من دور آت للإسلاميين، وعلى خلفية الحساسية الخاصة من التيارات الإسلامية التي ارتبطت، في شكل مباشر أو غير مباشر، بالوضع الداخلي في روسيا، إبان حربها على التطرف والنزعات الانفصالية في شمال القوقاز.
وواضح أن التيارات التي بدأت معتدلة في هذه المنطقة أخذت تنحو نحو التطرف الديني لاحقاً.
كما هي الحال للولايات المتحدة بعد أحداث 11 سبتمبر 2001، فإن تعبير "الحرب العالمية الثالثة" الذي استخدمه الرئيس السابق لوكالة المخابرات المركزية "سي أي إيه" المحافظ الجديد جيمس ووسلي لوصف الحرب ضد الإرهاب الأصولي لا يزعج الروس.
إنها تتوافق على الوجه الأكمل مع الرؤية الروسية في نطاق أنها تصرف الأنظار عن الأسباب الداخلية المولدة للإرهاب في روسيا.
أما اختلافها الوحيد مع المقاربة الأمريكية فيستند على فكرة أن الحرب الباردة مثلت شكلا من الحرب العالمية الثالثة. وزد على ذلك لا يتعب فلاديمير بوتين من تكرار أن بعض الغربيين - العبارة عائمة جدا وتفسح في المجال لكل التأويلات بدون تحديد أحد وقد احتفظوا في مقارباتهم لروسيا على "عقلية الحرب الباردة"، لكن عندما يتعلق الأمر بمكافحة شاملة ضد موجة إرهابية تجد جذورها في الأصولية الإسلامية، فإنه يتفق تماما مع نظيريه الأمريكي والإسرائيلي.
أضف إلى ذلك أن النجاحات العسكرية التي حققتها المعارضة السورية خلال الشهور الممتدة من ربيع العام الحالي وحتى الصيف الماضي، والتي تشكلت تهديدا جدياً ببقاء النظام السوري، جعلت الرئيس فلاديمير بوتين يعتبر أن بقاء الدولة السورية وعدم انهيارها، مسألة حياة أو موت لروسيا، إنّها قضية وجود لروسيا التي تعتقد أنّ خروجها من سوريا خروج من كلّ المنطقة العربية. وفضلا عن ذلك، فإن الاستقرار في سوريا يعزز الاستقرار في المناطق الجنوبية من روسيا ذات الأغلبية السكانية المسلمة. فبعد سقوط نظام معمر القذافي في خريف 2011، شعرت موسكو بأنها أُخِذَت على حين غرة. وجعل الشعور بـ"الخيانة" في القضية الليبية موسكو ترفض بشدة أي شكل للتدخل العسكري الأجنبي في سوريا، وهذا تحديداً ما دفعها إلى استخدام حق النقض (الفيتو) إلى جانب الصين ضد كل مشروع قرار مجلس الأمن الذي حمل إدانة شديدة لاستخدام العنف المفرط من جانب النظام، في الوقت ذاته، حرصت موسكو على اتخاذ موقف أكثر أمناً بالنسبة إلى مصالحها، فيما يتعلق بالتطورات الدراماتيكية في سوريا.
ترى موسكو في الأزمة في سوريا باباً لاجتراح المبادرات وهي تتقاسم الرؤى عينها مع الدولة السورية: محاربة الإرهاب وهزيمته هما المدخلان الحقيقيان لإيجاد تسوية سياسية للأزمة.
وكذلك تدرك روسيا أنّ من يسيطر على سوريا يسيطر على الممر الإستراتيجي لجلّ الشرق الأوسط وبالتالي يتحكم ويسيطر على كلّ من أوراسيا العظمى وآسيا الوسطى.
وكان الرئيس الروسي فلاديمير بوتين قد دعا منذ أكثر من شهرين، إلى العمل من أجل بناء تحالف إقليمي دولي حقيقي لمكافحة الإرهاب، تحالف يجمع الدول العربية والإقليمية على أن تكون الدولة السورية والجيش العربي السوري جزءاً أساسياً من هذا التحالف ولاسيَّما بعد فشل "التحالف" الذي بنته الولايات المتحدة لـ"مكافحة داعش".. الدعوة لم تلقَ تجاوباً، واكتفى الغرب بغارات تستهدف "داعش" في العراق، وتتمدد بخفر إلى بعض مواقع "الدولة الإسلامية" في سوريا.
ويذكر في هذا الصدد أن الرئيس السابق لوكالة الاستخبارات المركزية الأمريكية (سي آي إيه) الجنرال المتقاعد ديفيد بتراوس، انتقد الثلاثاء الماضي، أثناء حديثه في جلسة استماع في مجلس الشيوخ، طريقة تعامل إدارة أوباما مع الأوضاع في العراق وسوريا، واصفا إياها بـ"المتراخية".
وقال إن "التحالف الدولي" الذي تقوده الولايات المتحدة لقتال تنظيم "داعش" لم يحقق تقدما "كافيا" في العراق وسوريا، مؤكداً أن الحرب في سوريا هي "كارثة بحجم تشرنوبيل لكن على المستوى الجيوسياسي".
وأضاف بتراوس أن "تداعيات انهيار سوريا قد تبقى ماثلة لفترة طويلة وكلما سمحنا (لتلك الحرب) بأن تستمر لفترة أطول، كان الضرر أكثر فداحة"..
روسيا التي ذاقت مرارة الإرهاب قبل غيرها، أدرى باحتمالات تدحرجه إلى كل مكان آمن في العالم. والرئيس فلاديمير بوتين لا يراوغ عندما يقول إن روسيا قلقة من عودة مواطنيها الذين قاتلوا مع "داعش"، و"جبهة النصرة". القلق يجب أن يكون ذاته في واشنطن وباريس ولندن وبرلين.
بالنسبة للرئيس بوتين، يشكل الانخراط المعلن لفصائل جهادية متحدرة من الشيشان وجمهوريات آسيا الوسطى السوفيتية سابقاً في التنظيمات الجهادية المتشددة المقاتلة على الأرض السورية، تهديداً مباشراً لروسيا عند ارتداده إلى الأراضي الروسية. هنا تختلف الحسابات الروسية عن مثيلاتها الأمريكية في تقييمها لخطر "داعش" وأخواتها، على الأقل لاعتبارات القرب الجغرافي، حيث تستدعي مباشرة البعد الدولي للصراع في سوريا.
يضاف إلى ذلك خشية بوتين من قدرة الدول الإقليمية المناهضة للنظام السوري على إقناع الرئيس الأمريكي باتخاذ سياسة أكثر تشدداً حياله، لاسيَّما مع فشل السياسات الأمريكية الواضح حيال سوريا منذ العام 2011 حتى الآن.
الحضور العسكري الروسي في سوريا ليس جديداً، وتعزيزه ليس غريباً. ولهذا السبب بالذات دخلت روسيا جديا في الحرب في سوريا، وهو ما يشكل انقلابا حقيقيا في موازين القوى بوجودها العسكري المعلن والمتزايد على الساحل السوري، بعدما جعلت التوازنات الإقليمية السائدة في الشهور الأخيرة هباءً منثوراً. فالأحداث الأخيرة تظهر أن روسيا عززت تواجدها العسكري في اللاذقية بشكل كبير، حيث كشف مسؤولون أمريكيون أنها نشرت 30 مقاتلة جوية، وقاذفة من طراز سوخوي 24 وسوخوي 25 وسوخوي 30، وصلت بالفعل إلى سوريا، إضافةً إلى مروحيات وعربات مدرعة وطائرات من دون طيار وسوى ذلك، كما أن السفن الروسية التي تنقل الذخيرة والعتاد والمحروقات لم تنقطع عن الرسو في الموانئ السورية آتية من الموانئ الروسية في البحر الأسود.