الرئيسة \  مشاركات  \  خواطر حول الثورة السورية-3 .. مؤتمر التناقضات في الدوحة

خواطر حول الثورة السورية-3 .. مؤتمر التناقضات في الدوحة

25.06.2013
د. محمد أحمد الزعبي




اجتمع في الدوحة عاصمة قطر يوم أمس ( السبت 22.06.2013 ) ، وزراء خارجية 11 دولة عربية وإسلامية وأوربية ، إضافة إلة الولايات المتحدة الأمريكية ، تحت مسمى " مؤتمر أصدقاء سورية " ، أو ( لندن 11 ) والمعني هنا ، أصدقاء الشعب السوري والثورة السورية المستمرة منذ منتصف شهر آذار 2011 .
 تعود الأسباب الأساسية للتناقضات الواردة في عنوان هذه المقالة ،وبالتالي الموقف المتباين ( نسبياً ) للدول الـ 11 التي تصف نفسها بمجموعة "اصدقاء الشعب السوري" من كل من الثورة السورية ، والنظام السوري ( نظام عائلة الأسد ) الذي قامت ضده هذه الثورة ، إلى استناد هذه المواقف المتباينة لهذه المجموعة من الثورة السورية ، سواء في مؤتمر الدوحة اليوم أو في المؤتمرات التي سبقته في الأشهر الماضية ، بصورة خاصة إلى مايلي:
ـ وقوف دولتين كبريين من دول الفيتو الخمس ،( روسيا والصين ) وبسبب مصالحهما الاقتصادية
 والجيوسياسية ، إلى جانب النظام السوري ( لصاحبه بشارالأسد ) ، ضد ثورة آذار 2011 السورية .
ـ رغبة العديد من دول النظام الرأسمالي / الامبريالي العالمي ، بإبقاء باب الصراع مفتوحاً على مصراعيه ،بين الأقلية الشيعية والأكثرية السنية ، ليس فقط في الوطن العربي ، وإنما في العالم الإسلامي كله . ذلك أن انشغال العرب والمسلمين بهذا الصراع ، سوف يضعفهم جميعاً ، وسوف تبقى بالتالي اليد العليا ــ على المدى المنظور على الأقل ــ لهذه الدول الكبرى المتطورة ، ولصنيعتهم "إسرائيل " .
 إن الشعارات المذهبية التي يطرحها بعض المتشددين الإسلاميين من التيارين السني والشيعي ، إنما
 تمثل ـ بنظرنا ـ أكبر هدية يقدمها هؤلاء المتشددين للنظام الرأسمالي العالمي ، وهي الهدية التي
 كان وما يزال يبحث عنها هذا النظام ، لإجهاض كل ثورات الربيع العربي ، وبينها الثورة السورية .
ـ العلاقة الإيجابية بين نظام عائلة الإسد وإسرائيل ، والتي كانت ثمرتها الكبرى ، الصمت المستمر
 لنظام عائلة الأسد ، على احتلال إسرائيل لهضبة الجولان عام 1967 ، بل والتخلي عن القضية
 الفلسطينية كلها ، وهو ماعبر عنه أحد كبار المسؤولين السوريين في نظام حافظ الأسد ، ذات يوم ،
 بقوله : " ليقلع كل أشواكه بيده !!" والكلام كان موجهاً للفلسطينيين . ولعل هذه العلاقة الإيجابية مع
 إسرائيل ، هي التي تقف وراء دخول حزب الله وإيران والمالكي على خط القتال في سورية ،
 وحسمهم معركة " القصير " لصالح بشار الأسد ، أمام سمع العالم وبصره وأيضاً صمته . ولايخرج
 مؤتمر الدوحة ــ بتقديرنا ـ عن كون صمته كان من النوع المسموع والمقروء .
 
إن موقف بعض دول ( لندن 11) ، من جهة ، مع الشعب السوري والثورة السورية ضد بشار الأسد ، ومن جهة أخرى ضد المقاومة العراقية و مع نوري المالكي حليف بشارالأسد العضوي ، والذي جاء على ظهر الدبابات الأمريكية عام 2003 بمساعدة إيرانية وخليجية معروفة للجميع ، إنما ينطوي بنظرنا على إزدواجية مكشوفة يمكن رؤيتها بالعين المجردة ، ازدواجية يرفضها العقل السليم والمنطق السليم
وبالتالي يرفضها الشارع العربي ، و ثورات الربيع العربي ، وترفضه بالتالي الثورة السورية .
 
إن مانرغب ان نقوله لإخواننا في الدوحة حول هذا الموضوع ( ونزعم أن شباب ثورة آذار يتفقون معنا في هذا الرأي ) : أيها المشاركون في " مؤتمر أصدقاء الشعب السوري " من العرب والمسلمسن وغيرهم ، تعالوا إلى كلمة سواء بيننا وبينكم ، نتجاوز بها هذه الازدواجية في موقف دولكم من المسألتين السورية والعراقية ، وهي ، أن تقفوا إلى جانب " الشعب " في كلا البلدين ، أي عملياً أن تقفواإلى جانب الديموقراطية الحقيقية ، وليس إلى جانب الديموقراطية المزيفة ، سواء ديموقراطية " بريمر" التي جاءت بدستور الاحتلال الإنجلو ـ أمريكي عام 2005 ، والذي بدوره ( الدستور)جاء بنوري المالكي إلى سدة الحكم ، أو ديموقرطية المادة 8 من دستور حافظ الأسد 1973 ، والذي بدوره أوصل بشار الأسد إلى سدة الحكم . إن التطبيق الحقيقي للديموقراطية الحقيقية ، يستلزم بداية ، تطهير البلدين من عفن الاستبداد والفساد ، ذلك العفن الذي مابرح ينخر في الجسم السوري منذ 1970 ، وينخر في الجسم العراقي منذ 2003 . ينبغي فتح أبواب ونوافذ البلدين للهواء النقي ، المطعم بالحرية والكرامة ، وبالمساواة والعدالة ، وذلك تمهيداً لولوج محراب هذه الديموقراطية الحقيقية ، حيث لن يكون على رأس السلطة التي ستطبق وتحمي هذه الديموقراطية ، لابشارالأسد في سورية ، ولا نوري المالكي في العراق.
 
لقد تجسدت ، التناقضات والتباينات ، في مواقف " أصدقاء الشعب السوري " الـ 11 ، والتي حملها البيان الختامي (غير السري ) ، والمؤتمر الصحفي لوزيري خارجية أمريكا وقطر، وكذلك بعض التصريحات الخاصة لبعض المشاركين ، بصورة أساسية بالآتي :
ـ الاستمرار في لعبة عدم التطابق بين القول والفعل ، لدى بعض هؤلاء " الأصدقاء !! " ، وكذلك في
 لعبة ماهو" معلن " وما هو " مسكوت عنه " ،
ـ جعل دعم الثورة مسؤولية خاصة ، وفردية ، تتعلق بما تراه وبالتالي تقرره لنفسها وبنفسها ، أية دولة من هذه الدول الـ " الصديقة " ،
ـ اتفاق الجميع ( !!) ، على أن كافة المساعدات التي يمكن أن تقدم للثورة السورية حاضراً ومستقبلاً ، يجب أن تصب في طاحونة جنيف2 ،( جنيف كيري ولافروف ) أي جلوس " الطرفين " على طاولة المفاوضات ، للحوار وحل كافة الأمور المختلف عليها بالتوافق ، بما في ذلك مصير بشار الأسد ، وعائلته ، وكل من تلطخت يداه معهم بدماء الشعب السوري من المرتزقة والشبيحة والأتباع .
ـ محاولة شق صفوف الثوار ، إلى عسكريين ومدنيين ، إسلاميين وعلمانيين ، متطرفين ومعتدلين ،
 واللعب بورقة هذا الإنقسام ، وتوظيفها في تبريرمواقفهم من الثورة السورية ،سواء أكانت هذه المواقف باتجاه الأمام ، أو باتجاه الخلف ، أو مكانك راوح .
ـ تنفيذاً وترسيخاً لمخطط الدول الكبرى ، في استمرار اللعب بورقة الانقسام الطائفي في المنطقة ، فإن الدول العربية ( الإسلامية السنية ) سوف تعطى ـ غالباً ـ هامشاً خاصاً للحركة ، يساعد هذه الدول الكبرى ( صديقة الشعب السوري !) على الاستمرار في مسك عصا الصراع السني الشيعي في المنطقة من منتصفها ، وجعله يستمر أطول مدة ممكنة ، لأن هذا هو ماتريده " إسرائيل " على مايبدو.
ـ إن إطالة أمد الحرب بين المعارضة والنظام في سورية أطول مدة ممكنة ، وعدم السماح للمعارضة  السورية بالانتصار على نظام بشارالأسد ،هي الهدف الحقيقي ــ من وجهة نظرنا ــ عند أغلبية
 "أصدقاء الشعب السوري" المحترمين ، ولكن ــ بطبيعة الحال ــ ليس كلهم ؟!. لقد أوضح أحد وزراء الخارجية الكبار المشاركين في مؤتمر الدوحة ، بصورة لالبس فيها ، من أن المساعدة العسكرية التي سيقدمها أصدقاء سورية للمعارضة السورية ، يجب ألاّ تسمح بتحقيق انتصارهذه المعارضة على النظام ، وإنما إحداث توازن عسكري ، يسمح لهذه المعارضة بالذهاب إلى جنيف 2 .
 إذن فهو القتال إلى ماشاء الله ، وهي المؤتمرات والبيانات والتصريحات ، أيضاً إلى ماشاء الله .
لا ياسادة ، لقد شب الشعب السوري عن الطوق ، وما عاد رغم حاجته إلى سلاحكم ، يقبل بأقل من النصر، النصرعلى مصاصي دمائه ، وسارقي رغيف خبزأبنائه ، ومدمري بيوته ،وقاتلي زهرات شبابه ومشردي أسره . وليست ثورات الربيع العربي ،التي فجرها جيل الشباب في تونس ومصر وليبيا واليمن وسوريا والعراق ، والتي يحاول بعض المشاركين في مؤتمراتكم العتيدة الإلتفاف عليها واحتواءها ، إلاّ الطلائع الرائدة لهذا النصر ، الذي تحسبونه بعيداً ، ونراه قريباً . والله أعلم .