الرئيسة \  مشاركات  \  خواطر حول : إشكاليات صندوق الإقتراع ، والثورة السورية

خواطر حول : إشكاليات صندوق الإقتراع ، والثورة السورية

16.12.2013
د. محمد أحمد الزعبي




1. لايستطيع أحد أن ينكر العلاقة الجدلية التكاملية بين مثلث : الحرية والديموقراطية وصندوق الإقتراع ، ولكن وبنفس الوقت لاأحد يستطيع أن ينكر أن هذه العلاقة إياها هي التي تقف وراء الأزمة المتواصلة التي شهدتها فلسطين عام 2006 ، حين سمح هذا الصندوق لحركة حماس أن تصل إلى قمة مايسمى بالسلطة الوطنية الفلسطينية ( سلطة أوسلو ) ، وشهدها العراق 2010 حين فازت القائمة العراقية التي يرأسها إياد علاوي ، وتشهدها منذ مطلع عام 2011 وحتى هذه اللحظة ( نهاية عام 2013 ) دول الربيع العربي عامة ، وتونس ومصر وسورية خاصة ، ، دون أن يلوح في الأفق أي حل وشيك لها . هذا وقد كان لضلع " صندوق الاقتراع " من بين هذه الأضلاع الثلاثة ، الدور الأكبر والأبرز في هذه الأزمة ، وذلك بسبب طابعه ( الصندوق ) الملموس،الذي يستند إلى الممارسة والإحصاء ، أكثر مما يستند الى النظريات المجردة القابلة للتفسيرات المختلفة ، كما هي الحال بالنسبة لضلعي ( لمفهومي ) الحرية والديموقراطية الآخرين . إن السؤال الذي يطرح نفسه هنا بقوة : ترى ماهي الأسباب الحقيقية التي تقف وراء إشكالية صندوق الإقتراع بالذات ؟ .
2. يشير علم الاجتماع ( السوسيولوجيا ) إلى أن لجميع الظواهر الاجتماعية ( وإشكالات صندوق الاقتراع من بينها ) أسباب قريبة ومظاهر يراها الجميع بأم أعينهم ، وأسباب بعيدة وعميقة تعرف بالبحث العلمي والاستقصاء القائم على الدمج بين الاستقراء والاستنتاج . أما مايراه الجميع بأم أعينهم فهو :
ـ رفض الدول الغربية وأمريكا نتائج الانتخابات الفلسطينية عام 2006 ، رغم اعترافهم بشفافيتها ونزاهتها ، وذلك لأن صندوق الاقتراع ، أوصل حماس إلى قمة السلطة ( سلطة أوسلو ) ، وهي موصوفة عندهم بالحركة الإرهابية (!) ،
ـ رفض أمريكا وروسيا وإيران لفوزالقائمة العراقية برئاسة إياد علاوي في انتخابات 2010 ، أي عبر صندوق الاقتراع وإزاحتها نحو الخلف لصالح ائتلاف نوري المالكي الذي كان أقرب إليهم ولمخططاتهم المشبوهة في العراق ، من القائمة العراقية ،
ـ الانقلاب الأمريكي ـ الخليجي على انتخابات 2012 المصرية ، حيث جاء صندوق الاقتراع بالإسلاميين المعتدلين إلى سلطة مابعد حسني مبارك في مصر ،والذين يخيف اعتدالهم الديني كلا الطرفين ،
ـ الأزمة االمستعصية في تونس ،والتي تسبب بها ، ايضاً صندوق الاقتراع حين أوصل حركة النهضة
 الإسلامية إلى قمة السلطة في تونس ، بالرغم من الاختلاف الكبير بين سلوك قوى وأطراف المعارضة التي أفرزها صندوق الاقتراع في تونس عن تلك التي أفرزها في مصر ،
ـ الأزمة السورية التي تسبب ويتسبب بها ( الخوف الداخلي والخارجي ) من أن يأتي صندوق الاقتراع بالإسلاميين إلى السلطة في سوريا ، وذلك على غرار دول الربيع العربي الأخرى ، ولا سيما في مصر وتونس .
3. تمثل الإشكاليات المتعلقة بصندوق الاقتراع ،الابناء الشرعيين ، للاشكالية الأم المتمثلة بانقسام المجتمعات العربية من جهة انقساماً عمودياً ( دينياً ـ طائفياً ـ قبلياً ـ إثنياً ـ جهوياً )، وأفقياً ( أغنياء ـ فقراء) ومن جهة أخرى ، انقساماً مختلطاً ، متشابكاً ومتداخلاً ، بين أغلبية أمية جاهلة ومتدينة ، وأقلية متعلمة يغلب عليها الطابع العلماني الذي ينتمي من حيث الشكل إلى هذا الدين أو ذاك ، ولكن من حيث المضمون إلى قيم وعادات وتقاليد وثقافات الدول الأجنبية التي درسوا فيها ،وعادة ماينتمي معظم هؤلاء المتعلمين، إلى الأحزاب العلمانية ، ذات الطابع الوطني أو القومي أوالاشتراكي . وإذا كانت الأغلبية الساحقة من الجماهير الفقيرة والأمية ، غالباً مايكون موقعها الطبقي في قاعدة الهرم الإجتماعي ، فإن الأغلبية الساحقة من العلمانيين الذين أشرنا إليهم أعلاه ، إنما ينتمون إلى الطبقتين العليا والوسطى ، بينما يقف جزءً منهم إلى جانب الفئات الفقيرة والمستضعفة ، لأسباب أخلاقية أوايديولوجية.
هذا وقد عبَّرنا عن هذا الإنقسام ـ وهذا على سبيل المثال لاالحصر ـ في الحالة المصرية ، بالصراع بين أقلية من الأفندية أصحاب بنطلونات الجينز والياقات البيضاء والكاكي ، وبين الأكثرية من الفلاحين والكادحين البسطاء والمتدينين من أصحاب الدشاشات المحلية الصنع . ومن هنا نجمت وتنجم الإشكالية المتعلقة بصندوق الاقتراع في الربيع المصري ، حيث فاجأ هذا الصندوق فئة الأقلية من الأفندية ، بنجاح من لايرغبونه هم ، ولا يرغبه حلفاؤهم من العرب والأجانب ، وكان لابد من "الإنقلاب" عليه . واستبداله بصندوق سحري ، كذاك الذي سجد له محمد مصدق في طهران عام 1953 ، عندما جاءت نتائجه المزورة أمريكياً وبريطانياً لصالح الجنرال زاهدي الموالي لهما ، ولما سئل محمد مصدق عن سبب سجوده لهذا الصندوق، أجاب بسخرية ، لأنه صندوق مقدس ، تدخل فيه ورقة التصويت لصالح مصدق ، وتخرج منه لصالح شخص آخر (!!) .
4. وفي بلدي سورية تتحالف ، ضد ربيع دمشق ، وضد أطفال سوريه ،هذه الأيام ثلاث قوى ، هي :
ـ الطبيعة ( البرد المميت ،الثلج ، المطر ، الريح العاتية ،....) ،
ـ تكنولوجيا الدول المتطورة ( الطيران بنوعيه ، البراميل ، القنابل العنقودية ، الأسلحة الكيماوية ، الصواريخ من مختلف الأنواع ،....) ، والتي ترتب عليها تدمير البيوت وتشريد سكانها ، وتركهم في العراء ، فريسة للبرد والجوع والمرض .
ـ الطائفية المقيتة ،التي توظف التاريخ والجغرافية ، ضد الشعب السوري رجالاً ونساءً وأطفالاً.
 
يرى العالم اليوم ، حتى ولو كان أعوراً ، كيف تقف أسرة سورية مسالمة ،قبالة هؤلاء الأعداء عديمي الرحمة والشرف والحمية . أمٌّ يمكن أن يكون إسمها مريم أو زينب أو ماريا ،وطفل صغير بريء يمكن أن يكون إسمه عيسى أو موسى أو محمد ،أو علي ، وأب يحمل في إحدى يديه ربطة خبز ، وفي الأخرى لوحة فيها صورة ابنته ذات الثلاث عشرة سنة ، التي اغتصبها شبيحة بشار ، أمام أعين وبصر شبيحة الخامنئي والمالكي وحسن نصر الله ، وأيضاً صورة أحد أطفاله الذي ذبحه أحد الشبيحة بالسكين أمام سمع وبصر أبيه ،والذي بعد أن ذبح الطفل ، مسح دمه من على نصل السكين ، وقدمها من عيني الأب لكي يقرأ ماكتب عليها ، لقد كانت كلمة " ياحسين " (!!!)
5. سئلت كثيراً هذه الأيام عن رأيي بمؤتمر جنيف ، الذي من المنتظر أن ينعقد في 22.01.2014 ولقد كانت إجابتي على هذه التساؤلات القلقة والمشروعة هي التالية :
يقوم نظام بشار الأسد منذ بضعة أيام بهجمة شرسة ، وبمختلف أنواع الأسلحة الفتاكة والمدمرة ،على مختلف المدن والقرى السورية ، وقد ازدادت ضراوتها بعد تحديد موعد انعقاد المؤتمر ، وبعد إعلان أمريكا وإنجلترا عن وقف مساعداتهما الإنسانية لشمال سورية ( بعد أن استولت الجبهة الإسلامية على مدخل باب الهوا بين سوريا و تركيا ) . إن مانعتقده حول هذا التصعيد الهمجي والوحشي للنظام ضد الشعب السوري، هو أن هدفه الرئيسي ، إما المشاركة في المؤتمر من موقع المنتصر على الثورة ، وبالتالي فإن نتائج المؤتمر وقراراته سوف تصب جميعها في طاحونة استمراره كنظام ، سواء ببشارأو بدونه ( الحل اليمني ) ، أو أن يدفع بقيادات الثورة في الداخل والخارج إلى رفض المشاركة في جنيف جملة وتفصيلاً ، إذا ماتعرضت لخسائر مادية ومعنوية كبيرة بما يمثل أيضاً انتصاراً سياسيا له على الثورة أمام الرأ ي العام العالمي ، وبالذات أمام الدولتين الأعظم ، أمريكا وروسيا .
 وهنالك احتمال ثالث لابد من طرحه ، وهو أن تكون عزازيل ( بعض الدول الكبرى ) وراء هذا التصعيد بهدف شق المعارضة ، وخلق حالة من عدم الثقة بين عناصرها وأطرافها المختلفة ، وإضعافها ، وبالتالي إضعاف الثورة وشرذمتها ،وتفتيت قواها الفاعلة ، وإعادة الأمور إلى ماكانت عليه قبل 18.03.2011.
إن ماينبغي قوله حول هذا الموضوع ،والذي من المفروض أن يعرفه الجميع ، في الداخل والخارج ، هو أن الحراك الثوري الذي انفجر في 15-18 آذار 2011 لم يكن بأوامرأتت من جنيف ولا من غير جنيف ، وبالتالي فإن العلاقة الأخوية والنضالية بين كافة فصائل المعارضة لن تفك أواصرها أيضاً ، لاجنيف ولا غير جنيف ، ولابد من تذكير الجميع بأن شعار" واحد واحد واحد ـ الشعب السوري واحد" و " الشعب يريد إسقاط النظام " سيظلاَّن هما خارطة طريق الثورة ، حتى النصر .