الرئيسة \  واحة اللقاء  \  خيارات أوباما الصعبة... في سوريا

خيارات أوباما الصعبة... في سوريا

29.04.2013
د. عبدالله خليفة الشايجي

الاتحاد
الاثنين 29/4/2013
يصعب الآن فهم تردد إدارة أوباما وعدم ممارستها دوراً قيادياً أكثر حزماً وتشدداً تجاه المأساة السورية بكل تداعياتها وخطورتها وتهديدها لأمن واستقرار منطقة الشرق الأوسط، واستخدام السلاح الكيمياوي ورفع منسوب الانفجار الطائفي السني- الشيعي في سوريا والعراق ولبنان ليتحول إلى نار تلتهم المنطقة وتقسمها على خطوط صدع طائفية مع تفجر الاحتقان في العراق بين المحافظات السنية وحكومة المالكي وسقوط 200 قتيل في أربعة أيام! ولا يمكن فهم هذا التردد إلا إذا فهمنا واستوعبنا أفكار ومبدأ أوباما نفسه: فلا حروب كبيرة وطويلة على شاكلة حرب العراق، ولا إرسال جنود وقوات لتحرير دول أو لإسقاط نظم، والخزينة الأميركية مفلسة، والتقشف هو ما يسود في أميركا، ومزاج الناخب الأميركي بعيد كل البعد عن المغامرات والحروب الخارجية، ويستحوذ عليه الهم المعيشي والضرائب والتوظيف، وخلال الأسبوعين الماضيين سجلت أيضاً عودة هواجس الإرهاب! وهذه هي القضايا التي تشغل بال الناخب الأميركي، وليس سوريا. وللمفارقة في استطلاع للرأي أجري مؤخراً تعرف نصف الأميركيين فقط على موقع سوريا على خريطة لدول الشرق الأوسط بلا أسماء!
ويتشكل مبدأ أوباما من خلال اعتماده على الطائرات بدون طيار وليس عن طريق جنود على الأرض لمكافحة الإرهاب واصطياد قيادات "القاعدة" و"طالبان" من أفغانستان وباكستان إلى اليمن والصومال. وطبعاً لا قوات برية تخوض حروباً على الأرض. ويفضل كذلك مفاوضات حتى الرمق الأخير مع الإيرانيين واحتواء إيران حتى النهاية على رغم الحديث الدبلوماسي المبتذل والمكرر عن كون "كل الخيارات على الطاولة في حالة إيران". ويتكرر السيناريو والطرح الإنشائي نفسه اليوم أيضاً حول استخدام نظام الأسد في سوريا السلاح الكيمياوي وخاصة غاز السارين وبكميات محدودة، على الأقل مرتين، كما أكد وزير الخارجية الأميركي جون كيري. وتأكيد وزير الدفاع بعد تردد وتأخير أيضاً أنه توجد دلائل بدرجات متفاوتة على استخدام النظام السوري للسلاح الكيمياوي ضد شعبه ومعارضيه.
وخيارات أوباما في التعامل مع الأزمة السورية بقيت في شكل تجنب المواجهة المباشرة، وترك الشأن لحلفاء واشنطن، واتخاذ قرارات مصيرية وصعبة حولها تتحول إلى كرة ثلج منحدرة من قمة جبل. فأوباما وضع نفسه في موقف حرج أمام معارضيه الجمهوريين، والمجتمع الدولي، والسوريين، عندما هدد في أغسطس الماضي بأن استخدام الأسد للسلاح الكيمياوي يعني تجاوز الخط الأحمر، وكذلك كرر موقفه في الشهر الماضي أثناء زيارته إلى القدس وعمان.
واليوم مع اعتراف واشنطن على لسان وزيري الدفاع والخارجية، وتلميحات من البيت الأبيض، والأهم من قيادات الجمهوريين في مجلس الشيوخ الأميركي، باستخدام الأسد لبعض الغازات السامة ومنها غاز السارين الذي يفتك بالجهاز التنفسي، تتشكل قوة ضاغطة على أوباما لاتخاذ قرارات أكثر فاعلية وأكثر قوة في التعامل مع حسابات الأسد الخاطئة.
ويُنتقد أوباما بأن التردد وعدم الحسم الأميركي والدولي يُعطي المزيد من التطمينات للأسد للمضي في خياره الأمني، وفي القبضة الحديدية، فيما واشنطن التي لا يبدو أنها تملك أكثر من التحذير من تجاوز الخطوط الحمراء وتغيير قواعد اللعبة، كررت ذلك في الأسبوع الماضي أيضاً محذرة من أن استخدام الأسد للسلاح الكيمياوي يجعل كل الخيارات على الطاولة. وأن هذا كما حذر أوباما في البيت الأبيض، وإلى جانبه الملك عبدالله الثاني، يغير من قواعد اللعبة، وهو موقف مكرر لم يردع الأسد عن استخدامه ضد شعبه. ولكن واضح أن سيناريو العراق وشن بوش الابن حرباً على بغداد تحت ذريعة أسلحة الدمار الشامل لا يزال ماثلاً في عقل أوباما، ويريد المزيد من التحقق والتأكد بأنه تم بالفعل استخدام غاز السارين والسلاح الكيمياوي من قبل النظام، ما يعطي الرئيس الأميركي المزيد من الوقت، وكذلك يمنحه المزيد من الدقة في تقييم الوضع على الأرض، حتى لا يكرر ما جرى في العراق. ولذلك فإن دخول مفتشي الأمم المتحدة للمناطق التي يُعتقد أنها تعرضت للقصف بالكيمياوي وأخذ عينات من التربة ومقابلة المصابين يمكن أن يساعد في جلاء الصورة. وفي هذا الوقت قد يرسل أوباما حاملة طائرات للمنطقة وبضعمئات من الجنود للأردن، ويضغط على روسيا والأمم المتحدة لإصدار قرار مندد ومحذر من استخدام أسلحة الدمار الشامل... وحتى تزويد فصائل من القوات المعتدلة بالسلاح لزيادة الضغط على نظام الأسد.
ولكن الواقع أن جميع خيارات واشنطن صعبة ومعقدة وسيئة إلى حد ما. فأوباما رفض في العام الماضي توصيات مستشاريه ووزيرة الخارجية كلينتون بتزويد المعارضة بالأسلحة. وبقي الدعم الأميركي مقتصراً على "الدعم غير المميت" وأقصاه أجهزة اتصالات ومناظير للرؤية الليلية! وتأخير واشنطن في ممارسة القيادة فاقم من المأساة السورية وسمح للاعبين آخرين بخوض حرب بالوكالة، من إيران ودول عربية وروسيا وتركيا، وتفاقم تأجيج النزاع الطائفي السني الشيعي بعد إعلان التعبئة والجهاد من شيوخ سنة في لبنان لمواجهة مقاتلي "حزب الله" في القصير قرب حمص الذين يقاتلون إلى جانب قوات النظام السوري. ما يعني تمدد الأزمة السورية إلى لبنان الذي فشلت سياسة النأي بالنفس عن إبقائه بمنأى عن تداعيات الثورة السورية. كما أن "جبهة النصرة" التي بايعت "القاعدة" أصبحت رقماً خطيراً في الشأن السوري، وهي المدرجة على لائحة الإرهاب الأميركية. وهناك خشية من تزويد الثوار بالسلاح ووصوله للقوى المتشددة التي قد تستخدمه في اقتتال داخلي بعد سقوط نظام الأسد.
كما أن إقامة منطقة آمنة أو عازلة على الحدود السورية التركية والسورية الأردنية التي تتم مناقشتها الآن تواجه صعوبات لأن ذلك بحاجة للتعامل من الأنظمة الدفاعية السورية الروسية المتطورة، وتدمير سلاح الطيران السوري، واستخدام صواريخ "الباتريوت" المنصوبة على الحدود السورية، ما قد يمهد لعمليات عسكرية أميركية في سوريا.
ويبدو أن الحل الأمثل هو اللجوء للأمم المتحدة لإرسال فرق تحقيق للتأكد من استخدام السلاح الكيمياوي وممارسة المزيد من الضغط على روسيا، وفرض عقوبات أكثر على نظام دمشق، وإرسال رسائل تحذيرية واضحة الصرامة للأسد بخطورة اللعب بالنار وجدية أميركا في التدخل.
والراهن أن مصداقية واشنطن والمجتمع الدولي على المحك، ويبدو أن الأزمة السورية قد دخلت منعطفاً ومرحلة حاسمة. وسيزداد النقاش حول جدلية استخدام السلاح الكيمياوي وردود الفعل والتحذير والوعيد... والمفارقة المؤلمة أن سقوط أكثر من 80 ألف قتيل لم يحرك المجتمع الدولي ويقد لصحوة ضميره، ولا معاناة 4 ملايين لاجئ سوري، ولا الرقص على حافة فتنة طائفية سنية- شيعية في المنطقة، حركت المجتمع الدولي للانتفاض. بل إن الخشية من الكيمياوي كانت هي المحرك الوحيد لما نراه اليوم من اهتمام دولي بالشأن السوري. وهذه قمة المأساة والازدواجية في المشهد السوري السريالي المؤلم!