الرئيسة \  واحة اللقاء  \  خيارات العمل العسكري في سوريا

خيارات العمل العسكري في سوريا

22.06.2013
فايز سارة

المستقبل
السبت 22 /6/2013
تقول المعلومات المسربة من مصادر اميركية وروسية، ان الطرفين الاساسيين المعنيين بالوضع السوري في واشنطن وموسكو يشعران بتعب شديد، وهو امر طبيعي في ضوء ما شهده الوضع السوري من تطورات وتفاصيل، تواصلت بشاعاتها وقسوتها على مدار نحو عامين ونصف، وتمثلت في قتل وجرح وتهجير ملايين السوريين، وتم فيها تدمير امكانيات وقدرات شعب وبلد، كانا خارج توقعات الدمار الحاصل.
ان تعب الاميركيين من الوضع السوري، ناتج طبيعي عن غياب سياسة واضحة ازاء الملف السوري، بل هو ناتج عن تناقضات سياسة واشنطن ومواقفها، وعدم وجود اي مصداقية لادارة اوباما وكبار المسؤولين في تعاملهم مع الملف السوري، وهذا كله يناقض مكانة واشنطن باعتبارها الدولة العظمى في العالم والمعنية في مستويات مختلفة بمعالجة الموضوعات الساخنة، وابرزها في العقد الماضي، كان الملف السوري.
اما التعب الروسي فله أساس آخر. ذلك ان موسكو غرقت في التفاصيل السورية، اذا هي معنية في كل المستويات الدولية والاقليمية والداخلية بالدفاع عن النظام، وتبرير مايقوم به من جرائم في قتل الشعب وتدمير البلد، وهي تدعم قوته العسكرية بتزويده بالاسلحة والمعدات والذخائر للاستمرار بمعركته ضد الشعب، اضافة لما تقوم به من جهد سياسي واعلامي في الهجوم على المعارضة السورية بتكويناتها المختلفة الشعبية والسياسية والعسكرية، وشن اوسع عمليات تحريض عليها في العالم كله وفي هيئاته الدولية، وطالما لم يؤد الجهد الروسي بما يعني من دعم وتقوية للنظام واعطائه مزيد من الوقت للوصول الى اهدافه في القضاء على ثورة السوريين، فكان من الطبيعي، ان يصيب التعب موسكو كما أصاب واشنطن لاعتبارات مختلفة.
ولان، التعب الاميركي الروسي ادى الى توافق الطرفين على الذهاب الى جنيف2 وفتح الابواب لمعالجة سياسية للملف السوري، فان ذهابهما لم يكن مخلصاً، فليس ثمة توافقات جوهرية في المسار الذي ينبغي المضي فيه خاصة لجهة موضوع الرئاسة وصلاحيات الحكومة الانتقالية وغير ذلك. بل ان هناك ماهو اهم وهو استغلال فكرة الذهاب الى جنيف2 وقيام النظام وتحالف الاقليمي الدولي، ولاسيما مع حزب الله بتصعيد عسكري في عموم الاراضي السورية لجلب المعارضة الى طاولة جنيف في اضعف حالاتها، وهو ما لايتوافق وفكرة الوصول الى حل سياسي. اذ ان ذلك يزيد جرائم النظام كمقدمة للحل.
لقد اجلت التناقضات في الموقفين الاميركي والروسي وتحالفاتهما، وكذلك التطورات السابقة ولاسيما الميدانية منها مؤتمر جنيف2، ووضعت الملف السوري امام وقائع جديدة، جوهرها تأسيس مرحلة جديدة من الصراع السياسي والعسكري في سوريا كما في محيطها، الامر الذي يفترض ان يؤدي الى تغييرات في توازنات القوة الحالية القائمة، وهو امر يفسر مواقف وسياسات وخطوات اجرائية كثيرة تتوالى في سوريا وفي دول الجوار منها استنفار سياسي كبير في معظم دول المنطقة، وتحشدات عسكرية وتدريبات نوعية في بعض دول الجوار، واعلانات عن بدء تسليح قوات المعارضة باسلحة نوعية، وهي بالمحصلة تعني ان الخيارات العسكرية تتقدم، ان لم يكن لحسم الوضع في سوريا بالقوة، فعلى الاقل من اجل التمهيد لحل سياسي قد يأتي من جنيف او غيره.
واذ كان الخيار العسكري يتقدم في سوريا، فان من المهم رؤية احتمالات هذا الخيار، والتي يمكن اختصارها في احتمالين، الاحتمال الاول، تطوير عمليات عسكرية محدودة هدفها الوصول الى ذروة، تفتح الباب لعملية سياسية، والاحتمال الثاني تطور العمليات المحدودة الى حرب شاملة، يمكن ان تكون سوريا ميدانها، كما يمكن ان تمتد الحرب الى بعض دول الجوار.
ان العمليات العسكرية الجزئية وبمحصلة تجربة نحو عامين ونصف، لم تثبت قدرتها على إحداث تحول حاسم لافي الاتجاه العسكري ولا السياسي، والسبب الجوهري في ذلك ان البنية الشعبية للثورة، صار من الصعب تطويعها، واخضاع تشكيلاتها العسكرية او تدميرها، فيما تتواصل المساعدات غير المحدودة للنظام شاملة الاموال والاسلحة والذخائر والخبرات وصولاً الى إرسال مقاتلين ومرتزقة، ليس فقط لتعويض خسائر النظام، انما لمساعدته في حسم معركة لن تحسم بالقوة، وفي ضوء هذه المعادلة الصعبة، فان من الطبيعي عدم توقع تحول نوعي في التوازن العسكري الداخلي، لكن دخول أسلحة حديثة مضادة للدروع وللطيران للجيش الحر، ومع فرض مناطق حظر جوي ولو جزئياً، تصبح هذه الامكانية أعلى بكثير، وهذا قد يفتح الباب مجدداً الى جنيف2 او نحو مبادرة سياسية أهم لمعالجة الوضع السوري وإخراجه من انسداداته.
غير ان مسار العمليات الداخلية، قد لا يسير بالصورة المقدرة. لان بعضاً من الجوار صار في عمق الموضوع السوري، والاشارة هنا الى لبنان، حيث يتحشد حزب الله وحلفاء له، وقد صاروا طرفاً في معارك سوريا، كما ان النظام الحاكم في العراق ينخرط أكثر في الملف السوري، ليس بسبب جعله العراق ممراً لمساعدات ايران للنظام في دمشق، وانما لما يقدمه في هذا السياق من مساعدات لوجستية وتسهيلات لذهاب عناصر المليشيات العراقية، وتنظيم حملات التطوع لمرتزقة يقاتلون في سوريا، وهذه العوامل جميعها يمكن ان تؤدي الى انفجار اقليمي، خصوصاً وان النظام في دمشق، يرى ان انفجار الوضع الاقليمي، قد يكون حبل نجاته الاخير الذي ينبغي اللجوء اليه.
خلاصة القول، ان تصاعد العمليات العسكرية في سوريا هو الاحتمال الاكثر رجحاناً في الفترة المقبلة، وهذه العمليات يمكن ان تتسع لتشمل مختلف الانحاء السورية بما فيها مناطق كانت حتى الان خارج العمليات العسكرية، وهذا التطور النوعي، سوف يمنح فرصة اكبر لامتداد العمليات الى المحيط الاقليمي شمالاً بعض دول الجوار السوري، والامر في هذا لايمثل مخاوف، بل احتمالات قابلة لان تصير بنسبة مهمة، مما يفسر الاحتياطات التي يتم اتخاذها للحماية في دول الجوار السوري وهي كثيرة ومتزايدة.
غير انه وفي كل الاحوال، فان مصلحة السوريين والمنطقة، السعي إلى تجنب حرب واسعة سواء في الداخل او المحيط، ما يجعل من الواجب الذهاب الى تكثيف كل الضغوط السياسية وربما العسكرية المحدودة لاجبار النظام للقيام بتحول نحو عملية سياسية، تؤدي الى التغيير المطلوب في سوريا باقل الخسائر البشرية والمادية، حيث لم يعد الوضع السوري قادر على تحمل المزيد منها.