الرئيسة \  واحة اللقاء  \  داعش رهان الفوضى الأخير

داعش رهان الفوضى الأخير

19.02.2014
فيصل أحمد النويران


القدس العربي
الثلاثاء 18/2/2014
تواردت التكهنات في الآونة الأخيرة حول حقيقة ما يعرف بتنظيم الدولة الإسلامية في العراق والشام ‘ داعش’ وكيف ظهر هذا الكيان الجهادي فجأة على الساحة السورية بدون سابق إنذار، وكأنه رشح عن الجدران وتكاثر بالانشطار أو البرعمة في الأراضي المحررة تحديدا، دون الساخنة، ليصبح فيما بعد لاعباً أساسياً في معادلة الصراع الدائرة على الأرض السورية، الأمر الذي أثار العديد من إشارات الاستفهام حول طبيعة النشأة والهدف، إذا استثنينا الشعارات الدينية التي يرفعونها علنا ويعارضونها ممارسة، لتلوح دوائر الشك حول مقاصدها، حيث طالها العديد من التهم، انطلاقا من تبعيتها للقاعدة، وانتهاء بارتباطها بنظام الأسد، إلا أن توجهها القاعدي في الشام تم نفيه، إثر مخالفة أميرها البغدادي لتوجيهات الظواهري بمغادرة الأراضي السورية إلى العراق وتسليم مقاليد الجهاد إلى جبهة النصرة التي بايعت القاعدة مع بداية تشكلها، لتترك في مهب الشك والتأويل.
بالنظر إلى الصورة العامة لشكل المأساة السورية، يمكن تصنيفها في إطارعسكري مسلح على المستوى الداخلي متعدد الولاءات، لا يمكن فصله بكل الأحوال عن صراع سياسي استخباراتي على المستوى الدولي، وأغلب الظن أن الأخير هو من يدير حلبة الاقتتال على الأرض، مع استثناءات لا تذكر، وانطلاقا من مراجعة تاريخية لدور الكيانات المسلحة، وبشكل خاص ذات الشعارات الدينية والعرقية، نجد أنها استخدمت بما للكلمة من معنى، كأدوات لها قيمة استراتيجية كبرى في إدارة اللعبة السياسية على الساحة الدولية، وتعد الولايات المتحدة الأمريكية صاحبة السبق في ابتكارها خلال حربها الباردة، من خلال دعمها المعلن للقاعدة في أفغانستان، في معاركها ضد السوفييت على سبيل المثال لا الحصر، ومدها بالسلاح المتطور، وهذا لا يعني ولاء القاعدة للأمريكان، إنما يمكن قراءته في إطار لقاء مصالح في مرحلة معينة من تاريخ الصراع، وبالقياس على الواقع السوري يمكن إسقاط المشهد على السيناريو ذاته، إلا أن الروس قرروا الاستفادة من أخطائهم ومن خبرات أعدائهم الأزليين ‘الولايات المتحدة’ بابتكار سلاح مثيل تدير به حربها في الداخل السوري، بعد أن أُنهك نظام الأسد وبدت علامات سقوطه وشيكة، رغم الدعم الذي تقدمه طهران وحزب الله اللبناني، لتواجه به الثوار، لكنه أكثر غموضاً وخطورة، ممثلا بتنظيم الدولة الإسلامية في العراق والشام، الذي أوجدته بهدف استنزاف طاقات الجيش الحر والكتائب المقاتلة على الأرض وتحقيق التوازن بين القوى على الأرض لإطالة أمد الفوضى، وهذا ما تؤكده الأحداث الدائرة على الأرض وحرب داعش المعلنة ضد الثوار، فضلا عن دعم مزاعم النظام السوري في محاربته للإرهاب، حيث استفاد الروس من خبرة الأسد ونظامه في التعاطي مع تلك المجموعات المتشددة على اختلاف مسمياتها، خلال الحرب على العراق عن طريق إرسالها إلى الداخل العراقي وتسهيل مرورها، ليعكس المشهد العام التوجه الجديد لدى الروس في إدارة معركتهم ضد الأمريكيين، ولا يمكن نكران مثالية المشهد السوداوي الذي جمع النظام السوري بالعراقي والإيراني والروسي في إطار معادلة إجرامية متوازنة وإتقان توزيع الأدوار، فقد فتح كل من نظامي الأسد والمالكي سجونهما أمام أصحاب الفكر المتشدد وطهران أخذت على عاتقها التمويل وموسكو تفاوض وتضغط.
ومن هنا يمكن توقع سبب المرونة الأمريكية في التعاطي مع الوضع السوري وتشجيع الحلول الدبلوماسية، على الرغم من تلويحها مرارا بالخيارات العسكرية، لإدراكها أن داعش ليست القاعدة التي عرف عنها الالتزام بأدبيات واضحة ومعلنة، يمكن التعاطي معها على هذا الأساس، في حين أن داعش تعكس فوضى فكرية ومنهجية عصية على الفهم، يمكن اعتبارها (الفوضى) ورقة الضغط الأخيرة، التي يساوم من خلالها كل من النظامين السوري والروسي، وقد هدد الأخيران في كثير من المواضع بإمكانية اتساع دائرة الفوضى لتشمل العديد من دول المنطقة، مما أثار مخاوف لدى الأمريكان وحلفائهم وبشكل خاص على المستوى الإقليمي، في حال التدخل العسكري وتوقع مواجهات طويلة الأمد مع أكثر من طرف، على مساحة جغرافية كبيرة وخسائر غير متوقعة، الأمر الذي سيثير العديد من التحفظات لدى صناع القرار في الإدارة، وتنامي سخط الرأي العام الأمريكي الذي يرزح تحت وطأة أزمة اقتصادية، والرافض كليا لهذا التدخل نتيجة تجارب عدة آخرها غزو العراق، حيث لم يتبق أمامهم سوى اللعب بالورقة التقليدية ممثلة في الاعتماد على دعم كتائب مسلحة ذات توجه معتدل، ضد الورقة الروسية ‘داعش’، لتنبئ باستمرار المشهد المظلم للمستقبل السوري حتى بعد سقوط الأسد.