الرئيسة \  واحة اللقاء  \  داعش قبل تسوية جنيف -2

داعش قبل تسوية جنيف -2

25.01.2014
بشار عمر الجوباسي


القدس العربي
الخميس 23/1/2014
هل كان من قبيل الصدفة إعلان الحرب على داعش في أرض ملكها المزعومة في نفس الوقت؟ ولكن المالكي استخدمها ليبرّر فضّ اعتصامات الرمادي ولا يزال يتذرّع بحربه عليها في محاولته لاقتحام الفلوجة، في مسرحية مفضوحة تتكرر فصولها في أغلب الدول العربية، مع اختلاف توقيع الديكتاتور المخرج؛ فداعش في العراق لم تخض مواجهة مع قوات الحكومه ويقتصر دورها على تفجير السيارات المفخخة هذا إن كانت هي فقط من يقوم بذلك؛ أهم ما جرى هناك هو تعرية الصحوات وظهور انحيازها للمالكي. أما في سورية فالوضع مختلف فقد خرج السوريون في المناطق المحررة من نير النظام الإرهابي ليجدوا أنفسهم تحت سطوة تنظيم أشد قبحاً وقمعاً من النظام نفسه؛ ترددت كتائب المعارضه كثيراً قبل الدخول في مواجهة مع داعش، رغم كل ما تعرضت له من اعتداءات منها، خوفاً من إستنزاف قدراتها في تلك المواجهة، ولكنها مؤخراً أقدمت على هذه الخطوة؛ لقد أعاد تحرير المدن والقرى من داعش روح الثورة إلى الناس، كما كانت في بدايتها بعد كثير من المعاناة، فهل تسعى الجبهة الإسلامية أبرز من يقاتل داعش إلى إرسال رسالة إلى الغرب قبل جنيف -2 من خلال سعيها إلى اجتثاث داعش؟ أم كان هناك طلب عربي من داعميها بذلك بعدما ذُكر في أحد التسريبات عن تخفيض كميات السلاح الموردة إليها خوفاً من وقوعها بيد داعش؟ على كل حال لا يمكن أن يكون ما حدث محض صدفة، وربما تكون رسالتها وصلت إلى وجهتها، فالولايات المتحدة تفكر في استئناف مساعداتها غير القاتلة إلى المعارضة السورية، كما جاء في مقال في ‘واشنطن بوست، و كذلك ذكّر وزير الخارجية الفرنسي بدعوة بلاده قبل سنة ونصف السنة إلى إمداد الثوار المعتدلين بالسلاح النوعي، ولكن هل يعبر ذلك عن ندم بسبب ما وصلت إليه الأمور، ورغبة حقيقية بإمداد الثوار بالسلاح؟ أم إنّه مجرد نوع من الضغط على النظام قبيل مؤتمر جنيف؟ وقد شرع بان كي مون بتوزيع الدعوات لحضوره، متجاهلاً حتى ائتلاف المعارضة الذي لم يتخذ قراراً بعد بمشاركته فيه ولا تزال تعصف فيه الخلافات.يسعى الغرب إلى المحافظة على جزء من النظام السوري الحالي، مع إجراء بعض أعمال التزيين عليه، و لا يضع في اعتباراته لا النظام ولا المعارضة السياسية منها أو العسكرية، فهذه الأخيرة في النهاية تظل أسيرة التمويل، وقد اتفقت روسيا والولايات المتحدة على نزع السلاح الكيماوي من دون الرجوع إلى النظام، وتم إملاء بنود الاتفاق عليه وما كان منه إلا التنفيذ. أرسل النظام منذ بداية الثورة السورية عدة إشارات إلى الغرب، منها حمايته للأقليات ومحاربته للإرهابيين و’القاعدة’ لكنها لم تنطل يوماً على الغرب الذي يشاهد كل ما يجري على الأرض بكل وضوح، فمقرات داعش يُكتب عليها اسمها بالخط العريض ويُرفرف فوقها علمها، من دون أن تصاب برصاصة واحدة، في حين تنهمر البراميل والصواريخ على رؤوس المدنيين في أحيائهم غير الآمنة؛ لكن التقت مصالح الغرب مع مصالح النظام في إطالة أمد الأزمة، فاتخذوا من تلك القضايا ذريعة لتخاذلهم تجاه مآسي ومذابح الشعب السوري؛ والغرب لا يكترث إلا برسالة واحدة لا تغيب أبداً عن خططهم، كان ذلك عندما قام النظام بإرسال عشرات الشبان ليجتازوا الحدود مع إسرائيل، حيث وصل عدد منهم إلى عمق الأراضي الفلسطينية المحتلة، عندها استوعب الجميع الدرس وتذكروا دور النظام الرئيسي في المنطقة، تلك الحدود لن تتمكن إسرائيل من إحكام إغلاقها مهما عملت ولا بد لهم في سبيل ذلك من التعاون مع حكومة دمشق؛ وهذا ما يحاول الغرب تحقيقه في أي تسوية للصراع في سورية، ففي النهاية من المحال أن يتركوا سورية للإسلاميين، كما أنّهم لن يضمنوا ضبط حدود إسرائيل إلا إذا تمّ الحفاظ على ما تبقى من الجيش السوري ليكون الركيزة التي يستند اليها من تبقى من أشلاء النظام في سورية ما بعد الثورة، لذلك فمن المنطقي ألا يسمحوا باستمرار الحرب أكثر، وقد بدأ ناقوس الخطر يُقرع بشدة، خاصة بعد وصول ذلك الجيش إلى مرحلة يختبئ فيها أكثر فأكثر خلف ميلشيات لبنانية وعراقية يمنية وباكستانية وإيرانية و… يمثل جنيف -2 المخرج من هذا المأزق وقد بدأت إسرائيل تستشعر الخطر، فاعتمادها على ديكتانوريات لتحمي حدودها سيصبح قريباً من ذكريات الماضي، وعلى الرغم من محاولات الانقلاب على الربيع العربي واحتدام الصراع بين أنظمة لم يسقط إلا رأسها وشعوبها الثائرة، فلن تكون النتائج مهما طالت الأيام ومهما كانت العوائق من لعنة النفط وما ترتب عليها من غرس إسرائيل في المنطقه وغيرها، إلا لمصلحة الشعوب والأمثله من حولنا في كل دول العالم تؤكد ذلك.يمضي أعضاء الإئتلاف اجتماعاتهم في الخلافات والتصارع على مراكز يطمحون من خلالها إلى مناصب في سورية ما بعد الثورة؛ وظهر هذا جلياً في آخر اجتماع لهم، حيث ترافق إعادة انتخابهم للجربا رئيساً لهم مع اشتداد الاختلاف بين جناحين في الإئتلاف، أحدهما محسوب على قطر والآخر محسوب على السعودية، فإن كان لتعدد مصادر التمويل كل هذا الدور السلبي فلماذا لم نشاهد مثل هذا الانعكاس على الفصائل الإسلامية التي اتحدت مشكلة الجبهة الإسلامية، وكل المؤشرات توحي بتعدد الجهات الممولة لها أيضاً، وكذلك لا تعترف الجبهة الإسلامية بالإئتلاف على الرغم من أنّ لهما نفس الممولين، فهل هذا الموقف معد للاستهلاك الإعلامي فقط والحقيقة غير ذلك. من المفترض أن تكون الدول الممولة للفصائل المقاتلة هي المسؤولة عن إلزامها بتطبيق أي اتفاق يخرج عن جنيف، لذلك فكل التصريحات الرافضة لمؤتمر جنيف من قبل الكتائب المقاتلة ليست أكثر من محاولة لإثبات الوجود والظهور بمواقف قوية، ولكن إذا كان هؤلاء الداعمين لا يملكون القرار بإمداد الثوار بسلاح نوعي يستطيع قلب موازين القوى وإسقاط النظام بالقوة؛ فليسرعوا الى إيجاد حل يضع حد للمعاناة والفظائع التي يعيشها السوريون، ففقراؤهم هم الآن مَن يدفع فواتير الثورة الباهظة، وقد كانوا مسحوقين قبلها وسيظلون كذلك بعدها في ظل تركّز الثروة في أيدي طبقة جديدة من تجار الأزمات ومهربي النفط وغيرهم ممن بنى ثروات على حساب السوريين ومعاناتهم