الرئيسة \  واحة اللقاء  \  داعش وأخواتها

داعش وأخواتها

30.01.2014
د. عبد الله بن إبراهيم العسكر


عكاظ
الاربعاء 29/1/2014
    برزت داعش (دولة الإسلام في العراق والشام) وعشرات الطوائف الإسلامية الجهادية السنية في كل من العراق وسورية. ولدي ملمح قد لا يكون مقبولاً من قِبل العديد من المراقبين فضلا عن المختصين. هذا الملمح أن هذه الجمعات التكفيرية المتشددة، وبعضها يتصف بصفة الإرهاب ليست بالضرورة أنها ولدت من رحم القاعدة سيئة السمعة التي اشتهرت أيام الحرب الأفغانية، والتي ولدت فكرتها في مصر في سبعينيات القرن الميلادي الماضي. كثير من المختصين يرون العكس وأن القاعدة هي أم رؤوم لكل الطوائف الجهادية التكفيرية.
في نظري أن هناك ثلاث مظلات كبيرة ينضوي تحتها كل الطوائف الإسلامية الجهادية وهي: السلفية والإخوانية والقاعدية. لكن هذا الانضواء لا يعني أن بعض الطوائف لا تخرج عن مسلّمات المضلات الكبرى.
لقد خُدع مئات الآلاف من شباب المسلمين بصحة التراكم الفقهي والعقدي الذي يُبرر الانقسام وكثرة الملل والنحل الإسلامية، وغاب عن أذهانهم أن التمذهب والطائفية الدينية ثمرة للانقسام السياسي، وأن الصراع السياسي سابق للتمذهب والمذهبية.
إن اتصاف هذه الطوائف والفرق بمشتركات فكرية رئيسة مع فكر القاعدة على سبيل المثال لا يعني بالضرورة أن الأخيرة أمٌ لتلك الطوائف والفرق الدينية المتشددة والتكفيرية. بل مصدر التشابه هو أن الجميع يمتح من بئر فكرية واحدة، لكنها تختلف في التفصيلات الفرعية لدرجة أنها تقاتل بعضها باسم الدين. ولهذا الملمح شواهد من عصور الإسلام المبكرة عندما كثرت الطوائف والملل والنحل التي ترفع شعار الإسلام ولكنها تكفر من خالفها.
الجهاد الذي تتبناه تلك الطوائف القتالية متسق مع التراكم المعرفي الفقهي الإسلامي، وهو تراكم تجد فيه كل طائفة مسوغات دينية تجعلها مطمئنة إلى صحة معتقدها ومسيرتها، وبالتالي تجد فيها ما يسوغ قتالها لكل طائفة لا ترى رأيها.
ولقد قامت عدة دول في جزيرة العرب منذ القرن الثالث الهجري بناء على تلك المسوغات بعدما دخلت في صراع مسلح راح ضحيته آلاف الضحايا. لهذا أرى أن هذا الواقع سيستمر زمناً ليس بالقصير، فنحن ورثنا هذا الواقع الأليم منذ زمن الفتنة الأولى التي أعقبت مقتل الخليفة عثمان بن عفان.
كانت البئر الفكرية الفقهية التي تحولت مع مرور الزمن إلى بئر عقدية سنداً لتكفير الجماعات الإسلامية بعضها بعضاً. وهذا ملمح آخر أن المسألة تعدت الخلافات الفقهية لتصبح خلافات عقدية، ما وسّع دائرة استباحة دماء المسلمين لدرجة غير معروفة في عصر الخلفاء الراشدين، الذي شهد اقتتالاً بين طوائف إسلامية، لكنه قتال لم يُبرر بتهمة الكفر والردة عن الإسلام، بل بُرر بتهمة البغي. وهذه التهمة لا تُخرج من تُلصق به من الإسلام.
لقد خُدع مئات الآلاف من شباب المسلمين بصحة التراكم الفقهي والعقدي الذي يُبرر الانقسام وكثرة الملل والنحل الإسلامية، وغاب عن أذهانهم أن التمذهب والطائفية الدينية ثمرة للانقسام السياسي، وأن الصراع السياسي سابق للتمذهب والمذهبية. هذه الحقيقة موجودة في مدونات تاريخية تحدثت عما حدث بعد مقتل الخليفة عثمان بن عفان.
ما حدث أن انقسم المسلمون إلى فرق سياسية وليست دينية أو مذهبية وكلها تختلف حول: الإمامة، والمقصود هنا القيادة السياسية. وقد اضطر أرباب تلك الفرق إلى البحث في القرآن الكريم والحديث الشريف عما يبرر رؤاهم السياسية. وإذا لم يجدوا اخترعوا أحاديث ونسبوها للنبي صلى الله عليه وسلم.
والآن يوجد في سورية على سبيل المثال أكثر من 9000 جهادي منهم المعتدل وآخرون تكفيريون ينتسبون إلى أكثر من خمس عشرة طائفة دينية، وكل طائفة ترى أنها على حق وما سواها على باطل، وكلّ يغني على ليلاه. ومنها: داعش، وجبهة النصرة لبلاد الشام التي يتزعمها أبو المنذر الشنقيطي من موريتانيا، وجيش محمد، والإخوان المسلمون، والتكفير والهجرة، وكتائب أحرار الشام، وكتائب عبدالله عزام، ولواء الأمة الذي ولد على أيدي جهاديين ليبيين، ولواء صقور الشام، وكتيبة أنصار الحق، وكتيبة ذي قار، وكتيبة المهاجرين والأنصار، وجيش فتح الإسلام، وسرايا الفاروق، وكتيبة خالد بن الوليد التي تتبنى أيدلوجية الإخوان المسلمين.
ما سبب تبني انضمام كثير من شباب المسلمين للجماعات التكفيرية؟
في ظني أن أسبابه اجتماعية واقتصادية وسياسية، لكنه غُلف بالدين أو المذهب. وليس من حل لهذا العمل التكفيري سوى معالجة أسبابه. أما محاججة القوم بالدين فلن تنجح مع التكفيريين، لأن كل فريق سيجد من نصوص الدين ما يبرر دعواه، ويُجرم خصومه. ولنا مندوحة في توجيه الخليفة علي بن أبي طالب عندما أرسل ابن عمه عبدالله بن عباس للتباحث مع الخوارج الذين قاتلوه باسم الدين. فقال له علي: لا تخاصمهم بالقرآن فإن القرآن حمّال أوجه، ذو وجوه، تقول ويقولون. والله غالب على أمره.