الرئيسة \  واحة اللقاء  \  "داعش" والبيئة الحاضنة

"داعش" والبيئة الحاضنة

06.09.2014
هشام ملحم



النهار
الخميس 4-9-2014
بدأت التيارات والحركات الاسلامية بإعادة تشكيل وتأهيل نفسها بعد هزيمة 1967 وذلك بعد تهميشها وعزلها في دول مثل مصر وسوريا والعراق منذ الحرب العالمية الثانية وبروز التيارات القومية واليسارية. ومنذ سبعينات القرن الماضي بدأ بعض هذه التيارات بنشاط سياسي علني وبعضها الآخر بنشاط سري ومسلح، وقامت جماعة الاخوان المسلمين في سوريا بحملة عنيفة على النظام في سوريا انتهت بمجززة حماه في 1982، وقامت "الجماعة الاسلامية" وغيرها في مصر بحملة ارهاب ضد النظام وحتى السياح الاجانب في ثمانينات وتسعينات القرن الماضي. ومنذ 1967 وعملية "أسلمة" الحياة السياسية في الدول العربية مستمرة من دون توقف، على رغم تعرضها بين وقت وآخر لنكسة كبيرة كما رأينا في الانقلاب على نظام "الاخوان المسلمين" في مصر في 2013. وعندما نراقب الحياة السياسية في المغرب مرورا بتونس وليبيا وحتى مصر ولبنان وسوريا والعراق واليمن، نرى ان الحراك السياسي في هذه المجتمعات هو نتيجة نشاطات حركات اسلامية سنية وشيعية مثل النهضة، و"الاخوان"، والسلفيين، و"حزب الله" في لبنان، والاحزاب الشيعية في العراق والحوثيين في اليمن، أي ان الحياة السياسة تحولت اجتهادات داخل العائلة الاسلامية الكبيرة بفروعها وغصونها المتعددة.
لكن أحد أسباب عودة هذه التيارات الى البروز، هو الخراب السياسي والاجتماعي الذي تسببت به التيارات القومية واليسارية المراهقة والسلطوية من مصر الناصرية، الى سوريا والعراق البعثيين، مرورا باليمن الجنوبي الاشتراكي وانتهاء بالنظامين العسكريين في ليبيا والجزائر. ومدى عقود من الزمن أقامت هذه الانظمة التي سميت او ادّعت انها "علمانية" على خنق المجتمعات المدنية، من خلال احتكار مؤسساتها، وتفريغها من مضمونها الانساني والثقافي، وتشكيل الاحزاب المهيمنة وترهيب الديموقراطيين من علمانيين وتقدميين وقوميين متنورين. ومن هذه الارض المحروقة عادت بذور التيارات الاسلامية الى النمو وقد رأت في القحط السياسي الذي خلفته الانظمة "العلمانية السلطوية" (التي أخفقت في مجالات التنمية الاقتصادية او استعادة الاراضي المحتلة، او حتى اقامة مؤسسات تعليمية حديثة) البيئة الحاضنة لطروحاتها وأوهامها. بعد الغزو السوفياتي لافغانستان ادى تعاون واشنطن والقاهرة والرياض واسلام اباد الى أسلمة حرب تحرير افغانستان من الاحتلال السوفياتي وتعزيز الاسلام المتطرف المتمثل بـ"الجماعة الاسلامية" وتنظيم "القاعدة"، وهبوب رياح اسلامية صحراوية متزمتة ومتعصبة للغاية.
والغزو الاميركي للعراق أظهر بشكل فاضح الى أي مدى نجح نظام صدام حسين في تفكيك العراق الى مكوناته الكردية والسنية والشيعية. وعندما بدأت الانتفاضة السورية بدت واضحة معالم الاذى الذي تسببت به طائفية البعث وطغيانه ومدى نهب الطغمة الحاكمة (بمكوناتها العلوية والسنية والمسيحية) ثروات البلاد. في هذه البيئة الحاضنة ولدت داعش.