الرئيسة \  واحة اللقاء  \  داعش والواقع العراقي

داعش والواقع العراقي

06.11.2014
علي موجاني



الحياة
الاربعاء 5-11-2014
دراسة ظاهرة "داعش" في العراق تقتضي العودة الى التطورات التي ادت الی سقوط الموصل، والبحث في السنوات الأربع السابقة على هذا الحدث ودور جماعات وشخصيات تحالفت مع هذه الظاهرة. وثمة اعتقاد بأن البعثيين ساهموا مساهمة فاعلة في تشكيل هذه المجموعة. وثمة ثلاثة مستويات من الفكر عند البعث: التيار التقليدي الذي نادی به المؤسسون الأوائل امثال ميشيل عفلق والبيطار اللذين نادا بفكر عربي وخليفة عربي ولغة عربية في مواجهة الدولة العثمانية، واستندوا الى افكار دعت الی الوحدة الاسلامية مثل أفكار جمال الدين الافغاني ومحمد عبده والكواكبي. وتزامن تشكيل حزب البعث مع بروز ثلاث حركات اخری سارت علی النهج نفسه، الوهابية في نجد والسنوسية في ليبيا وحركة المهدي في السودان. وهذه الحركات والتيارات كانت في مواجهة الحاكم العثماني. وعليه، استند البعث في افكاره الی العروبة التي سبقت الاسلام. ولذا، انتهج مسيرة تدعو الى النهضة والوعي والثورة ولو من طريق العنف والدماء. وانحسرت هذه الافكار بعد تسلم البعث الحكم في سورية والعراق، وبدأ دور عفلق والبيطار في الانحسار. ولكن افكارهما لم تمت في اذهان المحاربين القدماء الذين سعوا الى تقارب بين الجناحين في العراق وسورية في 1970، ورفعوا راية العروبة.
وشكلت العناصر الوسطية في حزب البعث بعد سقوط صدام في 2003 نواة عدد من حركات المقاومة ضد المحتل من طريق الانضمام الی اوساط عشائرية والاقتراب من التيارات الاسلامية المقاومة للاحتلال. وأدى عزت الدوري دوراً في تنظيم هذه المجموعات.
ولعبت القوی الاستخباراتية الامنية التي عملت مع القوات السورية في لبنان دورا مؤثراً في تشكيل "داعش": عمد النظام السوري الی ارسال هذه القوی الی القری الحدودية مع العراق بعد ان تعذر علی هؤلاء التأقلم مع أحوال دمشق، فاستوطنوا في مدن مثل دير الزور والرقة، ونجحوا في ترتيب علاقات جيدة بإسلاميين متشددين ذهبوا الى العراق لمقاتلة الاحتلال بعد 2003.
وكان صدام الذي اطلق علی نفسه لقب سيف العرب وخالد بن الوليد تقرب من المجموعات الجهادية بعد انهزامه في الكويت في 1991 وتدهور الاوضاع في العراق، وأضاف كلمة الله اكبر الی العلم العراقي وأبعد الحركات الفلسطينية اليسارية من العراق وشن حملة ايمانية مستنداً الى شعارات اسامة بن لادن وثقافته، ولبس لباس الدين كما ظهر في المحكمة وهو يحمل القرآن ويطلق لحيته.
وأنشأ اعضاء من حزب البعث في 2005 مجموعة اطلقوا عليها اسم مجلس شوری المجاهدين، وهي اول من طالب بقيام دولة اسلامية في العراق ضمت ابوعمر البغدادي الحسني والزرقاوي الاردني الذي خلفه في ما بعد ابو حمزة المهاجر والذي أسس حركة الجهاد في بلاد دجلة والفرات في اشارة الى العراق وسورية. واللافت ان المهاجر والبغدادي كانا معاً في سجن بوكا العراقي، وكان الضابط البعثي ابو اسامة العراقي حلقة الوصل بين "داعش" والبعث.
وثمة مجموعة تنتمي الى التيار الصوفي شاركت في تشكيل "داعش" وهي تنقسم الى ثلاثة فروع: الجماعة القوقازية التي انضوت تحت لواء "القاعدة" في الشيشان وداغستان والتي دعت الى الخلافة الاسلامية من ايام القائد الشيشاني الشيخ شامل (بازاييف). والمتصوفة في الساحة الكردية والذين يميلون الى توجهات يسارية ثورية امثال الملا كريكار و"انصار الاسلام".
اما المجموعة الثالثة فهي النقشبندية وهي جماعة قديمة ومتجذرة في المنطقة والعراق ولها امتدادات في شبه القارة الهندية. وكانت هذه الجماعة ناشطة في مدينة كركوك. وعلی خلاف الحسبان الشائع بأن "داعش" تشكل لمواجهة الشيعة، تمددت هذه الجماعة كذلك في الوسط الشيعي.
والحق أن الظاهرة الداعشية هي حركة ولدت من الواقع القومي والقبائلي والسياسي والتاريخي العراقي. ولا يجوز النظر الی هذه الظاهرة نظرة امنية فحسب. ومع الاسف، ستتردد تأثيرات هذه الظاهرة الاجتماعية مدة طويلة في الشرق الاوسط.
 
* عن "ديبلوماسي ايراني" الإيراني، 1/11/2014، اعداد محمد صالح صدقيان