الرئيسة \  واحة اللقاء  \  "داعش وبشار".. والضحية باريس!

"داعش وبشار".. والضحية باريس!

17.11.2015
د. أحمد الجميعة



الرياض
الاثنين 16/11/2015
    الأحداث الإرهابية الدامية في باريس لم تكن بتخطيط خارجي وتواطئ داخلي فقط كما أعلن الرئيس الفرنسي، وإنما أيضاً نتيجة صمت دولي وتخاذل عن مواجهة تنظيم "داعش"، وتمدده، وانتشاره، وتهديده للأمن والاستقرار في المنطقة العربية تحديداً والعالم أجمع، حيث لم تكن باريس محطته الأولى، ولن تكون عاصمة أخرى محطته الأخيرة، وإنما سوف يستمر في نشر ثقافة قتله وتخويفه، وهو ما احتاط له كثير من عواصم العالم، وسارعت إلى تحصين مواقعها الحسّاسة من الاختراق، واستنفار استخباراتها، وأمنها الداخلي لأي مواجهة محتملة.
المملكة التي حذّرت من خطر هذا التنظيم الإرهابي ومن يقف خلفه، واكتوت بناره في مرات عدة ومتتالية، وشاركت في تحالف دولي لضرب معاقله وقطع إمداداته؛ كانت على يقين من أن "داعش" لن تمنعها حدود، أو حصون، أو حتى نفوذ استخباراتي لمنع هجماتها، وإنما كان يمنعها تقديم الحلول لأكثر القضايا سخونة في العالم وهي القضية السورية، حيث ترى المملكة أن النظام السوري والحرس الثوري الإيراني والمليشيات المأجورة في المنطقة، وخلفهم استخبارات دولية هي من صنع "داعش"، وجعلها أداة للقتل والفوضى والتهديد والتغرير، وتنفيذ أجندات لإطالة الأزمة السورية وبقاء المجرم بشار الأسد لخدمة مصالح إستراتيجية لأنظمة ودول أخرى.
مرة أخرى وغيرها كثير ناشدت المملكة المجتمع الدولي إلى تكثيف جهوده لحل الأزمة السورية، ونتيجة لذلك تتوقف "داعش" عن إرهابها، كما ناشدت في أكثر من مناسبة إلى التصدي لمشروع إيران في المنطقة، وتصدير ثورتها الطائفية، وبرنامجها النووي المشبوه، وتدخلها السافر في شؤون الغير الداخلية، وتسييس قضاياه، حيث تعد إيران الداعم الأول للإرهاب الدولي مادياً ولوجستياً، كما تعد الرابح الأكبر من نتائجه، وتداعياته، وتمدد نفوذه نحو تحقيق حلم فارس.
أعود إلى باريس مدينة النور التي انطفأت مع مجزرة مخيفة، وشنيعة، ومرفوضة، وسارعت المملكة إلى استنكارها، والتنديد بها، وتأكيد مواقفها وتضامنها مع الحكومة الفرنسية، حيث كان اتصال الملك سلمان، وبرقية العزاء شاهد على الموقف الثابت من رفض الإرهاب أياً كان مصدره، وجنسه، وموقعه، وضرورة التعاون لمكافحته ودرء خطره، وتزامناً مع هذا الموقف من القيادة كان الوعي الشعبي على مواقع التواصل الاجتماعي شاهداً آخر على رفض المجتمع السعودي لمثل هذه الأعمال التي لا يقرها دين ولا عقل ولا أخلاق، وعانى منها قبل غيره في مواقع متعددة من جغرافيا وطنه، وحاولت ولا تزال هذه التنظيمات أن تثير الفتنة، والانقسام، والفوضى، ولكن لم يتحقق هدفها، بل العكس ما حدث في باريس -وهي في موقع جغرافي آخر- كان مؤشراً مهماً على أن هناك وعياً لم يتأثر بإيدلوجيات، أو ينساق خلف شعارات، أو مزايدات، حيث كان التنديد مغلفاً بلغة تضامن وعزاء ومواساة للشعب الفرنسي الصديق، كما هو أيضاً اعتزاز بقوات الأمن التي واجهت الإرهاب، وأحبطت كثيراً من محاولاته قبل وقوعها، ولم تحتاج إلى نزول الجيش، أو إغلاق المنافذ، أو منع تجول المواطنين، بل كانت بحاجة إلى إنصاف، ووعي من الجميع بأهمية الشراكة في المواجهة، وتجفيف منابع الفكر الضال، والتبليغ عن كل ما يهدد السلم الاجتماعي.
هزيمة "داعش" لن تكون فقط بعمل عسكري لضرب مواقعه وانحسار تمدده، أو التنديد بهجماته، أو النأي عن مواجهته، أو السكوت عن جرائمه، ولكن هزيمته تكون بسقوط نظام المجرم بشار الأسد، وخروج إيران الفارسية من المنطقة العربية، وإنشاء مركز دولي لمكافحة الإرهاب تشترك فيه جميع الدول برعاية الأمم المتحدة.