الرئيسة \  واحة اللقاء  \  دروب سوريا الملتوية

دروب سوريا الملتوية

01.04.2018
الحسين الزاوي


الخليج
السبت 31/3/2018
شهدت الكتابات والتحليلات حول الوضع في سوريا خلال السنوات الأخيرة، تضارباً كبيراً في المواقف، بسبب اختلاف زاوية النظر، وتعارض المنطلقات الإيديولوجية، من جهة، وبسبب تضارب المصالح الدولية والإقليمية، من جهة أخرى. وقد كتب ميشال جويا المختص في الشؤون العسكرية مقالاً موسوماً ب"طريق دمشق يمر عبر موسكو"، قدّم فيه عناصر مهمة بشأن الوضع في سوريا، وأشار إلى الدور المحوري الذي باتت تلعبه موسكو في ما يتعلق بالأزمة السورية، كما تحدث عن قدرتها على فرض حل سياسي توافقي على نظام بشار الأسد.
وتزامن هذا التحليل مع ظهور مقاربات أخرى مماثلة حرصت على استثمار الأزمة المتصاعدة بين الغرب وروسيا من أجل التركيز على الحضور الروسي في معادلة الصراع في سوريا، مع إغفال المنحى التصاعدي للتدخل العسكري الأمريكي الذي يتقاطع، ويتعارض في اللحظة نفسها، مع التدخلات التركية، و"الإسرائيلية"، والإيرانية، في مناطق واسعة من التراب السوري. ومن الواضح أن التركيز على الدور الروسي يبدو مبرراً إلى حد بعيد، إذا انطلقنا من فرضية أن شرارة الأزمة في سوريا اندلعت أساساً من أجل تغيير النظام، وبالتالي فإن تركيز قوى المعارضة، سيظل منصباً على كل الجهات التي تعمل على تثبيت حكم هذا النظام.
وعليه، فإننا إذا قمنا بإجراء "تعليق" مؤقت، أو وضعنا بين هلالين عنصر (إسقاط النظام) الذي يمثل الشغل الشاغل لمعظم أطراف الأزمة، فإننا سنتمكن لا محالة من تقديم توصيف أكثر وضوحاً لخريطة الصراع في سوريا التي تحوّلت مع تعاقب الشهور والسنوات إلى مسرح كبير لحروب بالوكالة ما بين مختلف القوى الإقليمية والدولية. ونستطيع أن نقول إنه وعوض الحديث عن طريق دمشق الذي كان يمر- حتى زمن قريب - عبر بوابة موسكو، فإنه من الأفضل الحديث الآن عن دروب سوريا الملتوية التي تمر عبر مسالك أنقرة، وواشنطن، وطهران، و"تل أبيب".
يمكننا أن نلاحظ في كل الأحوال، أن الاجتياح التركي للشمال السوري، ودخول أنقرة منطقة عفرين- المتزامن مع دخول قوات النظام إلى الغوطة الشرقية- من أجل مواجهة الأكراد، قد أعطى مبررات قوية للطرف "الإسرائيلي" من أجل التوغل مستقبلاً في الأراضي السورية بدعوى حماية مناطقه الحدودية، لاسيما بعد تجرؤ "تل أبيب" على الاعتراف بتدمير المفاعل النووي السوي في 2007؛ إذ إنه، وبالرغم من الرفض الجماهيري الذي يُقابل به الوجود "الإسرائيلي" في الأرض العربية، إلا أن هناك منابر إعلامية عربية بدأت تنظر إلى الحضور "الإسرائيلي" في سوريا كأنه لا يختلف عن الحضور الإيراني، أو التركي، بل إن بعضها لا يجد حرجاً في التعامل مع "إسرائيل" على أنها دولة إقليمية، ويمكنها من ثم أن تدافع عن "أجندتها" الخاصة في سوريا.
كما تنظر بموازاة ذلك أطراف عدة إلى الانخراط الأمريكي المتزايد في تفاصيل الأزمة السورية، على أنه انخراط طبيعي، وقد يكون ضرورياً من أجل إحداث قليل من التوازن في مواجهة الحضور الروسي اللافت؛ وهذه الرؤية وإن كانت تبدو منطقية، إلا أنها ترفض الإقرار بأن الوجود الروسي في سوريا هو جزء من التوازنات الموروثة عن مرحلة الحرب الباردة، وجاء بطلب من الحكومة السورية، قبل أن تفقد شرعيتها الأخلاقية؛ وأن الروس يسعون بالدرجة الأولى، إلى الدفاع عن مصالحهم الحيوية في مواجهة الإصرار الغربي والأمريكي على محاصرتهم، ولا يمثل النظام الحاكم بالنسبة إليهم، سوى ورقة من أجل المقايضة السياسية عندما تصبح شروط التسوية ناضجة.
ومن المؤكد أيضاً، أن أطرافاً سياسية عدة تتعمد السكوت عن الحضور النشيط للقوات الخاصة الفرنسية والبريطانية، رفقة أجهزة مخابراتهما، وهو حضور يثبت سعي باريس ولندن إلى توظيف الورقة الكردية لتحقيق مصالحهما، بدعم مباشر من واشنطن التي تريد استثمار ملف الأقليات في المنطقة من أجل إعادة النظر في خريطة دول الشرق الأوسط؛ وربما يكون التدخل التركي قد أفسد على هذه الأطراف خططها المتعلقة بتوظيف الورقة الكردية.
أما الحديث عن سعي واشنطن لمحاصرة نفوذ إيران في سوريا، وفي جوارها الإقليمي، فإنه ادعاء يفتقد إلى حجج واقعية تدعمه، لأن واشنطن التي احتلت العراق سنة 2003 وكانت سبباً في انتشار نفوذ طهران في هذا البلد، لا تفعل في سوريا -الآن- سوى مقايضة إيران على أمن ومصالح "إسرائيل". ونعتقد أن تفعيل اتفاقيات الدفاع العربي المشترك، والالتزام من ثم بمقتضيات الأمن القومي العربي، سيؤدي لا محالة إلى تحجيم النفوذ الإيراني الذي يتغذى على الخلافات العربية.
ونستطيع أن نستنج عطفاً على ما سبق، أن الأمر لا يتعلق - كما ذهب البعض- بالحديث عن الدببة والثعالب الروسية، أو عن الصقور والكواسر الأمريكية، ولا عن الديكة الفرنسية، أو الخفافيش الإنجليزية، فهذه القوى العظمى لها أجندتها الخاصة، كما أن "لإسرائيل" وإيران وتركيا خططها وأهدافها الخفية والمعلنة التي تسعى إلى تحقيقها من خلال المتاجرة بدماء السوريين. ومن غير المستبعد في الأخير، أن يؤدي قرار واشنطن المتعلق بتصعيد حدة المواجهة مع موسكو على الأرض السورية، إلى مزيد من القتل والتدمير على مستوى كل دروب الجغرافيا السورية المقطعة الأوصال. وبالتالي فمن مصلحة القوى العربية التي تسعى إلى الدفاع على وحدة سوريا، أن تراهن مستقبلاً، بشكل أكبر، على الأبعاد الاستراتيجية للأمن القومي العربي، وأن تعمد إلى الاحتفاظ ببعض البيض الثمين خارج سلال الدببة والصقور.