دروس موجزة من التاريخ (1) .. سنن التاريخ
07.06.2014
د. أحمد محمد كنعان
في هذه الزاوية سوف نتوقف كل أسبوع على درس موجز من دروس هذا المعلم الكبير : التاريخ !
لقد أبدع الخالق العظيم هذا الكون على نهج من السُّنَن (=القوانين) المطردة الثابتة التي لا تتبدل ولا تتحول ، وهي سنن تسري على المخلوقات كلها ، المادية منها وغير المادية ، بما فيها حياة الأمم والجماعات والأفراد ، ولهذا يوجهنا القرآن الكريم مراراً وتكراراً للنظر في قصص الأمم الغابرة لاستنباط تلك السنن التي على أساسها تنهض الأمم ، أو تنحط ، أو تبيد ، وذلك لأن التاريخ ـ بمنظور الإسلام ـ هو المختبر الحقيقي للفعل البشري : خطأ هو أم صواب ؟ ومن ثم فإن العودة إلى صفحات التاريخ وفهم سنن الاجتماع البشري فهماً صحيحاً يمنحنا القدرة على تسخير هذه السنن لبناء المجتمع الفاضل الذي نادت به الرسالات السماوية ، وبهذا المنهج القرآني الفريد تغدو دراسة التاريخ علماً للحاضر والمستقبل ، لا علماً للماضي وحده .
ولابد من ملاحظة أن سنن الله في الخَلْق عندما تتوافر مقدماتها فإنها تمضي إلى نتائجها الحتمية ، غير عابئة بمن فعلها ، وهذا ما يدعونا إلى التفكير ملياً قبل الإقدام على فعل ما ، فقد تكون نتائجه غير ما توقعناه ، بل قد تكون نتائجه كارثية ، فإن سنن الله في الخلق لا تُحابي أحداً ، مؤمناً كان أم كافراً ، فهي تعاقب المؤمنين كما تعاقب الكفار والملحدين والمنحرفين ، وقد أشار إلى هذه الحقيقة الأديب الفيلسوف هربرت جورج ويلز (1866 ــ 1946) في كتابه "معالم تاريخ الإنسانية" حين قال : إن نظام الكون الاجتماعي يعاقب المغفلين كما يعاقب المجرمين . وعبر عنها كذلك المؤرخ أرنولد توينبي (1889 ــ 1975) في كتابه "دراسة موجزة للتاريخ" الذي كتب يقول : من عجائب التاريخ أن سلوك البشر كثيراً ما يحقق نتائج لا تخطر في بال الذين رغبوا بتحقيق أهداف معينة فتَحَقَّق غيرُها . وهذا يعني أن نراجع أنفسنا كلما رأينا أن أعمالنا لم تأت بالنتائج المرجوة ، لا أن نرمي بالتهمة على الشيطان أو الظروف أو الآخرين ، كما يفعل الفاشلون في العادة !