الرئيسة \  مشاركات  \  دروس موجزة من التاريخ (2) التقدير الإلهي العظيم

دروس موجزة من التاريخ (2) التقدير الإلهي العظيم

08.06.2014
د. أحمد محمد كنعان


في هذه الزاوية سوف نتوقف كل أسبوع على درس موجز من دروس هذا المعلم الكبير : التاريخ !

إن من يتأمل مسيرة هذا الوجود عبر العصور ، وما جرى فيه من أحداث ، وما أبدعته عبقرية الإنسان من إنجازات عظيمة ، وما اقترفته يداه من كوارث وآثام ومآسٍ وحماقات ، ليلاحظ عدة ملاحظات تأخذ بالألباب ، في مقدمتها أن الله عزَّ وجلَّ خَلَق كل شيء في هذا الكون وقدَّره تقديراً دقيقاً كما قال تعالى : ( وخَلَقَ كلَّ شيء فَقَدَّرُهُ تَقْديراً ) سورة الفرقان 2 ، وجعله يمضي إلى أجل مسمى وفق برنامج زمني محكم لا يتقدم لحظة ولا يتأخر ( مَا خَلَقَ اللهُ السَّمواتِ والأَرْضَ وما بَيْنَهُمَا إلا بالحَقِّ وَأَجَلٍ مُسَمَّىً ) سورة الروم 8 ، وفي كل يوم تطالعنا الكشوف العلمية المتلاحقة بأخبار تؤكد هذه الحقيقة بالمعادلات والأرقام والإحصائيات الدامغة .
ويكفي للدلالة على قدرة الله عز وجل وكمال صنعته لهذا العالم أن نعلم أن هذا الكون على عظمته واتساعه يتكون من أبجديات بسيطة جداً ، فهو مادياً يتكون من أبجدية لا تزيد عن ثلاثة أحرف ( إلكترونات ، بروتونات ، نترونات ) وهي المكونات الأساسية للذرات التي يتكون منها كل شيء في هذا الكون .
أما المخلوقات الحية المتواجدة في هذا الكون فلا تزيد أبجديتها عن بضع وعشرين حامضاً أمينياً ( Amino Acids ) منها تتكوَّن البروتينات التي هي المادة الأساسية في تكوين أجسام سائر المخلوقات الحية ، من إنسان وحيوان ونبات .
أما لغات البشر التي تزيد عن عشرات الآلاف فتتكون من بضع وعشرين حرفاً منها تتألف سائر اللغات التي يتواصل بها البشر بعضهم مع بعض ، وبها أبدعوا روائع الأدب والفكر والعلم والفن والفلسفة .
أما الإنجازات العظيمة التي حققها البشر عبر تاريخهم الطويل فقد جرت على أيدي عدد محدود جداً من العباقرة الذين وهبهم الخالق عزَّ وجلَّ مواهب عقلية متميزة ، فوهبوا البشرية تلك الإنجازات التي كانت وراء كل الحضارات التي شهدها التاريخ !
فالكون في أصل تكوينه أبسط بكثير مما نظن ، لكنه مع هذا حير عقول العلماء ، الذين مهما بلغوا من العلم فإنهم لن يبلغوا الغاية ، وسوف يظل قوله تعالى : ( وما أوتيتم من العلم إلا قليلاً) شاهداً على عظمة الخلق ، وقدرة الخالق العظيم التي لا تحدها حدود .