الرئيسة \  تقارير  \  دعونا لا نسمح للقوى العظمى بتدمير العالم

دعونا لا نسمح للقوى العظمى بتدمير العالم

05.02.2022
لورنس ويتنر


لورنس ويتنر – (كاونتربنش) 31/1/2022
ترجمة: علاء الدين أبو زينة
الغد الاردنية
الخميس 3/2/2022
على الرغم من أن حرباً تندلع بين الصين والولايات المتحدة يُرجح أن تبدأ بالأسلحة التقليدية، إلا أنها يمكن أن تتصاعد بسهولة إلى حرب نووية. وتمتلك كلتا الدولتين أسلحة نووية متطورة، وعلى الرغم من أن الولايات المتحدة لديها ميزة كبيرة جدًا من حيث العدد، فإن الصين تتصدر، حتى الآن، في مجال إنتاج أسلحة نووية تفوق سرعتها سرعة الصوت. وتنتقل هذه الأسلحة أسرع بخمس مرات من سرعة الصوت ولديها قدرة أكبر على المناورة من الصواريخ الأخرى المسلحة نوويًا.
* * *                 
كان ينبغي أن يكون الدمار الهائل الذي أحدثه القصف الذري لليابان في آب (أغسطس) 1945 كافياً لإقناع الحكومات الوطنية بأن لعبة الحرب قد انتهت.
كانت الحروب تدور لأمد طويل بين الأقاليم المتنافسة، وفي وقت لاحق بين الدول، مع اندلاع الصراعات الشرسة بين أثينا وإسبارطة، وروما وقرطاج، وإسبانيا وبريطانيا، والمتحاربين في الحربين العالميتين الأولى والثانية من بين أشهر المتصارعين. وعلى الرغم من أن الحروب كانت لها أسباب متنوعة وتم الترويج لها أحيانًا باستخدام مُثل وشعارات سامية، إلا أنها غالبًا ما كان سببها الخلافات على الأراضي والموارد. ولذلك، ليس من المستغرب أن تكون الدول الأقوى والأكثر تسليحًا، والتي كانت لديها أفضل الفرص للخروج منتصرة في صراع عسكري، هي الأكثر حرصًا على خوضها.
ومع ذلك، مع ظهور الأسلحة النووية، أصبح النمط التقليدي لصراع القوى العظمى –النظر إلى الدول الأخرى كأعداء، ومواجهتهم عسكريًا، وشن حروب مدمرة ضدهم- يكتسي صفة شبحية. وكما لاحظ ألبرت أينشتاين، فإن ثمة “إبادة عامة تلوح في الأفق.”
لسوء الحظ، كانت حكومات القوى العظمى بطيئة في تعلم هذا الدرس. وعلى الرغم من دعمها المعلن للأمن الدولي تحت قيادة الأمم المتحدة، فإنها عمدت إلى توسيع ميزانياتها العسكرية وانخرطت في غزوات عسكرية وحروب جديدة. وفي الوقت نفسه، قامت ببناء أساطيل نووية ضخمة للتحضير للنزاعات المسلحة المستقبلية.
اليوم، أصبحت لعبة حرب القوى العظمى واضحة بشكل خاص في أوكرانيا، حيث تنخرط الدول المسلحة نوويًا في مواجهة متوترة. وقامت روسيا، التي استولت على أجزاء من شرق أوكرانيا في العام 2014، بحشد أكثر من 100.000 جندي، بالإضافة إلى الصواريخ والدبابات والسفن الحربية، على حدود تلك الدولة. وعلى الرغم من أن الحكومة الروسية نفت أي نية لديها للغزو، فمن الواضح أن طاغوتها العسكري لم يتم تجميعه هناك لمجرد اللعب. في الواقع، أصدر الرئيس فلاديمير بوتين إنذارات نهائية يطالب فيها حلف الناتو برفض عضوية أوكرانيا وإخراج القوات العسكرية لدول الناتو من معظم أوروبا الشرقية.
في الجهة الأخرى، على الرغم من نفيها وجود أي نية لإرسال قوات إلى أوكرانيا، إلا أن الحكومة الأميركية، إلى جانب شركائها في الناتو، كانت ترسل الأسلحة الدفاعية إلى الحكومة الأوكرانية وتهدد برد “شديد” على أي غزو روسي. وتؤكد الحكومة الأميركية أنها تحاول فقط تجنب حدوث الغزو الروسي أو الاستيلاء على جار أضعف. ولكن، كان من الممكن تجنب المواجهة مع أوكرانيا لو أن الإدارات الأميركية السابقة لم تعمد إلى إغضاب حكام روسيا واستفزازهم من خلال توسيع إطار حلف الناتو بلا مبالاة في اتجاه الشرق -وصولاً إلى حدود روسيا نفسها.
وهذا بالتأكيد وضع متفجر، فضلاً عن كونه خطيرًا بشكل استثنائي، لا سيما بالنظر إلى حقيقة أن كلاً من روسيا والولايات المتحدة تمتلكان نحو 6.000 سلاح نووي.
كما أن هذه ليست المواجهة العسكرية الحالية الوحيدة الجارية في العالم بين القوى النووية، لأن العلاقات الأميركية الصينية تصبح أكثر توتراً باطراد هي الأخرى.
في السنوات الأخيرة، تبنت الحكومة الصينية نهجًا أكثر تشددًا في الشؤون العالمية، فحولت الجزر المتنازع عليها في بحر الصين الجنوبي إلى قواعد عسكرية، وعززت القوة العسكرية الصينية بشكل مطرد. وفي غضون ذلك، انخرطت قواتها المسلحة في مواجهات متكررة وخطيرة مع السفن الحربية الأميركية في المنطقة. وبالإضافة إلى ذلك، بدأت الحكومة الصينية في تهديد تايوان المجاورة، حيث تقوم بإرسال مئات الطائرات الحربية للتحليق في المجال الجوي لتلك الجزيرة.
وفي المقابل، اعترضت حكومة الولايات المتحدة بحدة على تأكيد الصين على مكانتها كقوة عظمى. وبالإضافة إلى إجراء تدريبات عسكرية في بحر الصين الجنوبي، والتي غالباً ما تلتف حول الجزر التي تطالب بها الصين وتحتلها، قامت بإنشاء تحالف عسكري ضد الصين وبتزويد تايوان، التي تعتبرها الصين مقاطعة انفصالية، بأسلحة متطورة. ووفقًا لوزارة الدفاع الأميركية، فقد تم تصميم الميزانية العسكرية الأميركية المكثفة لهذا العام “لإعطاء الأولوية للصين”.
على الرغم من أن حرباً تندلع بين الصين والولايات المتحدة من المرجح أن تبدأ بالأسلحة التقليدية، إلا أنها يمكن أن تتصاعد بسهولة إلى حرب نووية. وتمتلك كلتا الدولتين أسلحة نووية متطورة، وعلى الرغم من أن الولايات المتحدة لديها ميزة كبيرة جدًا من حيث العدد، فإن الصين تتصدر، حتى الآن، في مجال إنتاج أسلحة نووية تفوق سرعتها سرعة الصوت. وتنتقل هذه الأسلحة أسرع بخمس مرات من سرعة الصوت ولديها قدرة أكبر على المناورة من الصواريخ الأخرى المسلحة نوويًا.
وإذا كانت هذه التطورات تبدو وأنها تشير إلى أن القوى العظمى لم تتعلم بعد درس الحرب الذي علَّمه للعالم تدمير هيروشيما وناغازاكي، فذلك لأنهم لم تفعل. وهكذا تستمر اللعبة.
تم اقتراح العديد من الخطط لنزع فتيل المواجهات الأخيرة بين القوى العظمى. في حالة المواجهة الأميركية الروسية، أوصى بعض المحللين بتنفيذ صيغة “مينسك” للحكم الذاتي في شرق أوكرانيا. واقترح آخرون تسوية أوسع، بما فيها الاعتراف الغربي بالمخاوف الأمنية الروسية المشروعة وقبول روسيا بحقيقة أنها لا تستطيع ان تجعل أوكرانيا دولة تابعة أو أن تُجبر دول البلطيق على التخلي عن عضويتها لحلف الناتو. وفي حالة المواجهة بين الولايات المتحدة والصين، سعى المراقبون القلقون إلى تجنب الحرب من خلال لفت الانتباه إلى مخاطرها وتأييد المشاريع التعاونية بين البلدين. وربما تتمكن هذه السياسات أو غيرها من تجنب الكارثة. أو أنها قد لا تفعل.
ومع ذلك، على المدى الطويل، سيتطلب تقييد نزوع القوى العظمى إلى الحرب –وكبح التواقين إليها في هذه الدول- بناء هيكل تنظيمي يتمتع بالمسؤولية والسلطة للحفاظ على الأمن الدولي. ومن الواضح أن مثل هذا المشروع يتطلب نظامًا أقوى للحوكمة العالمية -نظامًا أكثر قدرة على تطبيق القانون الدولي من النظام الذي لدينا الآن.
على الرغم من أن إنشاء الأمم المتحدة كان لهدف معلن هو كبح السلوك المتهور للحكومات الفردية، فمن الواضح أن المنظمة العالمية ليست قوية بما يكفي لإنجاز هذه المهمة. وفي واقع الأمر، لم تسمح القوى العظمى، على عكس خطابها، لهذه الهيئة بتولي هذا الدور، لأن سلطة الأمم المتحدة المعززة كانت ستتدخل في المغامرات العسكرية لهذه القوى نفسها.
ولكن، ما يزال من الممكن التخلص من الأوهام التي عفا عليها الزمن عن المجد الوطني وتقوية الأمم المتحدة بحيث تكون قوة رئيسية من أجل السلام. وسيكون من شأن هذا الإجراء، الذي يمثل استجابة ذات معنى حقًا للعصر النووي، أن يحسن بشكل كبير احتمالات إنقاذ العالم من الدمار الذي تسببه القوى العظمى.
*أستاذ فخري للتاريخ في جامعة ولاية نيويورك/ ألباني
*نشر هذا المقال تحت عنوان: Lets not allow the great powers to destroy the world