الرئيسة \  مشاركات  \  دمشق .. اذكريني دائماً !

دمشق .. اذكريني دائماً !

22.08.2013
أحمد كنعان



دمشق ..
يا زهرة "الربيع" الذي انتظرناه طويلاً
متى تزهر حدائق أيامنا ؟
متى ينعقد حصرم أحلامنا عنباً ؟
متى تصرفين هؤلاء النواطير الذين استباحوا بساتين عينيك
وتركوها نهباً للثعالب
والذئاب
والبوم
والغربان
وخفافيش الظلام ؟!
**
دمشق ..
يا ربيع البراءة والطهر
هذا زمن "امرأة العزيز" تراود شعبها عن نفسه
هذا زمن العهر السياسي
والنفاق الدبلوماسي !
هذا زمن النواطير الكَذَبة
والأنبياء الكذبة
والديمقراطيين الكذبة
والأحلام الموقوفة على ذمة التحقيق
فلملمي جراحك
وما تبقى من أزهار صبرك
ومزقي كتاب الحكمة
وأشعلي بركان الغضب
واتبعيني نعتصم في ميدان الجنون !
**
دمشق ..
يا ربيع الرحمة
هذا زمن "شمشون" : عليَّ وعلى شعبي !
هذا زمن "فرعون" : ما علمتُ لكم من إله غيري
هذا زمن "هامان" يقتِّل أحلامنا ويستحيي آلامنا
وينتهك حرماتنا
**
دمشق ..
يا ربيع السلام
هذا زمن "القنّاصة" يتسابقون على أسطحة المنازل لاصطياد حمامات سلامك !
هذا زمن "البلطجية" يتربصون بالملائكة عند أبواب المساجد والكنائس !
هذا زمن "البرمكي" يملأ جيوب "أبي نواس" بالذهب والفضة
ويطلقه في شوارع بغداد يتسكع من حانة إلى حانة
يبث على الهواء مباشرة
أكاذيب "السرداب"
وترَّهات "العتبات المقدسة" !
**
دمشق ..
يا بحر المحبة
هذا زمن "الهوامير" المستعد الواحد منهم لابتلاع بلدان بأكملها
وابتلاع أمه وأبيه وصاحبته وبنيه إذا اقتضى الأمر
لا زمن العشاق الدراويش الذين في "عيد الحب"
لا يجدون ما يشترون به وردة للحبيبة
ويكتفون بالوقوف دقيقة وَجْد على أطلال عطرها !
**
دمشق ..
يا ربيع كل الأزمنة
هذا زمن العربان الذين تعبوا من "الهرولة"
فجلسوا في الظل ينتظرون الحل
بصارووخ يمطرهم بالفودكا الروسية المعتَّقة
أو "برميل" ينثر فوقهم زجاجات الكوكا كولا
والهمبرغر
ودونات العم سام !
**
دمشق ..
يا أمَّ الكروم
هذا زمن احتراق الدوالي
واحتراق الثورات
هذا زمن الحصرم
فاجلسي سيدتي ريثما ينعقد العنب
أغسل قدميك بما تبقى من دموعي
وأزين ثوبك بما تبقى من أحلام الثورة
ونامي على صدري
ريثما يؤوب إلى مآذن "الأموي" ما تبقى من حمام
ويخرج من التخشيبة ما تبقى تحت التحقيق من ملائكة
ويأتي السلام محمولاً على بغال "الممانعة"
ويعود الذئب يرعى الغنم في أحضان "الغوطة"
ويعود التمساح يلعب كرة الماء مع أطفال النيل
ويهبط "المخلِّص" فيملأ الأرض عدلاً كما ملئت جوراً
ويجلس العسكر فوق قبة البرلمان يلعبون الورق
ويشربون أنخاب المعركة الأخيرة ضد شعوبهم !
**
دمشق ..
هذا زمن المنابر
والخطباء
وكهنة الثورة
وحراس المعبد
الذين منعونا حتى في تشهدنا أن نقول : لا !
**
دمشق ..
هذا زمن البث الفضائي
وبث الإشاعات
وبث الأحلام العسكرية
وبث المخبرين تحت جلدنا
وفي حقائب أطفالنا المدرسية
فأطفئي جوالك والآيباد وحطمي الشاشات
وتعالى نستعيد ذكريات الولدنة
لنضحك من أعماقنا كما كنا نفعل
قبل أن يداهمنا زمن الحصرم
الذي لم يترك لنا لا دمعة فرح
ولا دمعة حزن
وأوقفنا في زنزانات الصبر
ننتظر الذي سيأتي .. ولا يأتي !
**
دمشق ..
يا دمعة هذا "الربيع"
يا تنهيدة القلب
يا كحل العيون
يا الفاتنة التي انكسر القالب بعد خلقها
أيتها الشقية
كيف طاب لك أن تغرسي حبك في شراييني إلى هذا الحد ؟
وبهذا العنفوان !
وبهذا الحقد الشهي !؟
ومن أين لك كل هذا الحضور
الذي يحملني لسابع سما كلما سمعت اسمك
أو هبت عليَّ نسمة من زيزفون شفتيك
أو داهمتني "همسة حائرة" من ندى حديثك !؟
**
دمشق ..
يا نسرين هذا "الربيع"
وياسمينه
وفلَّهُ
وشقيق نعماه
وشقيقة روحي
أيتها الحبيبة التي تبالغ في بُعدها
كما تبالغ بدلالها
وغيِّها
وإغرائها
وتمنُّعها
رفقاً بقلوبنا التي أضناها السعي وراء مواعيدك المؤجلة
رفقاً بشبابنا الذي "ذهب مع الريح"
وامنحينا غمزة مختلسة عن أعين المخبرين
كالتي كنت تجودين بها علينا
في الصباح ونحن ذاهبون إلى المدرسة
وفي مساء ونحن عائدون نلوح بحقائبنا في الهواء
نغني لحن حبك !
**
دمشق ..
رفقاً بهذا الشيب الذي غافلنا ونحن على أبواب انتظارك
رفقاً بنا ..
فقد جفت ينابيع الوقت
وشحَّ زيت أحلامنا
فلا تبخلي علينا بنظرة أخيرة
أو كلمة أخيرة
أو إشارة أخيرة من يديك المباركتين
تقول لنا : استنوني
أنا راجعة إليكم بعناقيد العنب
وعصير المواعيد المؤجلة !
**
دمشق ..
يا سيدة الفصول
يا سيدة الورد والماء والعصافير
يا سيدة الأحلام الشاهقة
والجراحات الشاهقة
يا ست الدنيا
ها قد أتيت أحمل معول أشواقي
لأعمل بستانياً في حدائق عينيك
وأغسل قدميك بما تبقى من ماء عمري
وأضفر خصلات شَعرك بأوتار قلبي
وأهدهد نومك بقصائدي
التي يعد يهتم بها رواد المقاهي والقنوات الفضائية !
**
آه ..
أيتها الشقية
التي بيني وبينها أسرار غير قابلة للنشر
وحكايا غير قابلة للنسيان
وجراح غير قابلة للشفاء
ما الذي أستطيع أن أفعله لأشفى من حبك ؟!
ما الذي أستطيع أن أفعله ضد ابتسامتك
التي تجعلني أدور في الحواري كالمجاذيب
لقد جربت طبَّ العطارين
وأعشاب الهند والسِّند
والإبر الصينية والكورية واليابانية
وكاسات الهوا
فلم أبرأ من هواكِ
يا ظالمة .. كيف طاب لك أن تفعلي بي كل هذا !؟
**
دمشق ..
يا سيدة النفس الكبيرة
والتحولات الكبيرة
والطقوس المتقلبة
والأمطار العاصفة
خذي وقتك ..
خذي وقتك ..
فمازال في محطة العمر الأخيرة
بطاقة أخيرة
فمدي يديك وباركيني بمسحة من يديك الطاهرتين
قبل أن أودع نلك الصخرة الشاهقة من قاسيون
و .. اذكريني دائماً !