الرئيسة \  واحة اللقاء  \  دور الأقليات في الثورة السورية

دور الأقليات في الثورة السورية

17.06.2015
ميسرة بكور


القدس العربي
الثلاثاء 16-6-2015
هدف هذا المقال مناقشة موضوع الأقليات ودورها في الأحداث الدامية في سوريا، التى برزت خلال سنوات الثورة الاربع والتي لم تنته فصولها حتى الآن، والأطروحات التي تتحدث أن عمليات انتقامية أو إباده جماعية ستقع على الطائفة الفلانية، وسوريا مقبلة على حرب طائفية لا تبقي ولاتذر.لا يشكك أحد بأن سوريا بلد متعدد الطوائف والأعراق كما هي تضاريسها، رغم عدم وجود احصائيات او مراجع موثقة تدل على نسبة كل طائفة او عرق على الوجه الدقيق، لكن في نظرة سريعة على خارطة التنوع السكاني"العرقي" والطائفي نجد بأن الطائفة السنية تشكل ما يزيد عن 85 % من السكان وهم مقسومون بدورهم الى اربع عرقيات "العرب السنة وهم الغالبية الساحقة، الكرد والتركمان "لا يوجد رقم دقيق يثبت أيهم الآكثر عدداً، ومن ثم الشركس والداغستانيون" بعدهم تأتي الطائفه العلوية والمسيحية والدروز، والاسماعيلية، أما الطائفة الشيعية فهي صغيرة جداً لا تكاد تذكر ولا تشكل في أقصى حد 0.5% من التركيبة السكانية للبلاد.
مع انطلاق شرارة الحراك السلمي في سوريا 15مارس/آذار من عام2011 كان اللون الغالب على هذا الحراك "السنة" وهو شيء طبيعي ومفهوم قياساً لحجم السنّة وتوزعهم في البلد. كذلك انخرط معهم بالثورة مجموعات لابأس بها من الطائفة "الاسماعيلية خاصة في منطقة السلمية في محافظة حماة وسط سوريا. كذلك فعل التركمان ذو الغالبية السنية حيث تفاعلوا بشكل مباشر مع الثورة دون النظر إلى الموضوع العرقي، وخير دليل على ذلك "باباعمرو" حمص وسط سوريا.
أما الكرد فكانت مشاركاتهم على استحياء في الحراك السلمي حتى استشهاد المعارض الكردي البارز "مشعل تمو" والذي كان تحولا نوعيا في فعالية الحراك الكردي، لكن للأسف بعد أن سيطر الجناح الكردي المتعصب قومياً حدث شرخ بينهم وبين الثورة السورية الشاملة، وبدأت تظهر الشعارات القومية والأهداف الانفصالية أو الراغبة في الحكم الذاتي في المناطق ذات الأغلبية الكردية وهي قليلة في كل الأحوال، وخير شاهد على ذلك هو تشكيل مجلس اطلق عليه اسم "المجلس الوطني الكردي" على غرار المجلس الوطني السوري والذي انضم اليه مجموعات من الكرد، كذلك رفعوا الرايات الخاصة بهم "علم ما يسمى كردستان" وهذا إن دل على شيئ يدل على أنهم يريدون وطنا مستقلا خاصا بهم بعيداً عن الوطن السوري.
أما الطائفة الدرزية والتي تتمركز اغلبيتها في الجبل ومحافظة السويداء جنوباً، فشاركت مجموعات صغيرة في الحراك السلمي والمظاهرات ضد حكم الأسد، سرعان ما تلاشت وتم تطويقها من قبل الزعامات المحلية أوالحزبية والأمنية التابعة لنظام الأسد الحاكم.
أما أغلبية الطائفة العلوية فأعلنت من أول يوم تضامنها مع نظام بشار الأسد ورفضت رفضاً قاطعاً التعاطي مع هذه المظاهرات على أنها ثورة شعبية، واعتبروها أنها مؤامرة خارجية ضد نظامهم يقودها مجموعات تكفيرية وهابية ممولة من الأمير بندربن سطان ومن رئيس الحكومة اللبنانية الأسبق سعد الحريري، فتصدى بعض شباب هذه الطائفة للحراك الشعبي.
تعددت وسائل القمع من التشويه الإعلامي والتشكيك في نوايا الثوار الى أن وصلوا حد القتل وماسمي بـ "التشبيح والذبح" ومن ثم انخرطوا في جيش الدفاع الوطني وتعاونوا مع الأمن وبذلوا كل ما بوسعهم لوأد هذه الثورة التي اعتبروها بأنها موجهة ضدهم وضد حكمهم المتمثل بالرئيس "بشار الأسد" ابن طائفتهم. ومع تواتر الأحداث وارتكابهم كل المجازر والافعال الشنيعة التي يعجز قلم كاتب عن وصفها، لم يعد لديهم اي خيار سوى المضي قدماً بما فعلوه أو الفرار خارج البلاد خشية ردة فعل الثوار بحال سقوط النظام. كذلك فعلت الطائفه الشيعية على ندرتها في سوريا.
أما المسيحيون السوريون فيمكن تقسيمهم الى ثلاث فئات، فئة شاركت بالمظاهرات، وفئة شاركت بالأعمال الإغاثية لكن الأغلبية لاذت الصمت والمراقبة. على مبدأ "الي بيتزوج امي أقول له عمي".
بالعودة الى دروز جبل العرب في السويداء، لم يحدث أي حراك حقيقي أو فعلي ملموس عندهم وغالبيتهم التزمت الصمت والمراقبة مع بعض التحركات التي يطلق عليها العسكريون اسم "مناوشات" وكثير منهم انخرط في جيش النظام ومن ثم الدفاع الوطني، خاصة في قرى ريف ادلب وكذلك في بعض احيائهم بدمشق.
مع منتصف السنة الثالثة من عمر الثورة السورية بدأ اهل الجبل يتذمرون من ارتفاع عدد القتلى بين ابنائهم وخوفهم من انتقام الثورة، فما كان منهم أن أعلنوا عدم ارسال أبنائهم إلى التجنيد في صفوف جيش الأسد وحدثت بعض الاحتجاجات والمناوشات مع فرع الأمن العسكري وصلت الى حد الاصطدام المسلح وطرد عناصر النظام من بعض الحواجز الأمنية.
ولا يفوتنا التذكير بأنهم احتضنوا إخوانهم اللاجئين من محافظة درعا القريبة وقدموا لهم العون والمساعدة، ويذكر انهم هددوا نظام الأسد في حال تم قطع الوقود والمحروقات عنهم سيقومون بقطع طريق السويداء دمشق ويتحركون في احيائهم القريبة من الغوطة المحاصرة . اليوم وعلى اصداء انتصارات ثوار درعا نسمع بعض الاصوات التي تنادي بتسليح الدروز وانخراطهم في جيش النظام لكن فقط في مناطقهم، وأصوات اخرى تنادي بالانضمام للثورة بشكل مباشر والتعاطي معها على أنها ثورة شعب ضد نظام جائر.
خلال هذة الفترة الزمنية بذل الثوار كل ما بوسعهم لإقناع باقي فئات المجتمع السوري بأن ما يقومون به هو فعل ثوري هدفه رفع المظالم وتحقيق العدالة للجميع ومما فعلوه في هذا السياق أسماء الجمع التي كانت تميز الحراك السلمي، على سبيل المثال "الجمعة 22 نيسان/ابريل 2011 (العظيمة) 17/6/2011 جمعة صالح العلي، جمعة ازادي9/3/2012 ، جمعة الوفاء للإنتفاضة الكردية، 27/5/2011 جمعة حماة الديار12/10/2012 جمعة أحرار الساحل يصنعون النصر، دون ان يفلحوا في اقناع الشريك من الأقليات بمشروعية الثورة وضرورة الانضمام اليها.
كان نظام الأسد قد حرص خلال حكمه لسوريا لأكثر من 40 عاماً أن لا تكون هناك إشارة لأي تمايز ديني أو عرقي، وذلك على الرغم من اعتبار سوريا دولة ذات طابع إسلامي. لكنه مع أول شرارة للثورة السورية بذل كل مابوسعه لتسويق أن مايحدث في سوريا ارهاب "وهابي" هدفه تحويل سوريا إلى إمارة إسلامية ظلامية تضطهد الطوائف ساعده على ذلك ظهور تنظيم الدولة وأسلمة الثورة السورية الذي كان سببه الرئيسي هو تدخل حزب الله اللبناني على أساس طائفي واضح. في هذا السياق نذكرتصريح وزير الخارجية "وليد المعلم" بان من قام في سورية ضد النظام هم عصابات وهابية سلفية متشددون يريدون ان يقيموا امارة اسلامية في سوريا". مما دفع الطوائف والاقليات السورية التزام الصمت وترقب ما يسفر عنه شلال الدماء المنهمر من شرايين اخوانهم في الوطن.
قد يحتج البعض بأنه قدم مساعدات انسانية واغاثية للنازحين السوريين "عندما يسيل دمي لايكفي ان تقدم لي الخبز".
المتابع بعين المراقب المحايد يستطيع أن يقول دون حرج ان الأقليات السورية خذلت الثورة وخذلوا اشقاءهم في الوطن لو أنهم انخرطوا في الثورة لوفروا كثيرا من الدماء، ربما لم يستطع احد فرض تسمية اسلمة الثورة بسبب تنوع أطيافها وعرقياتها.
رغم كل ما تم تسويقه من قبل حلفاء النظام عن عمليات انتقامية تجاه بقية الطوائف لم يفلح نظام الأسد بأن يثبت على الثوار السوريين وجيشهم الحر أيا من هذه الادعاءات. أما ما يفلعه تنظيم الدولة يسأل عنه هو يقول بأنه دولة خلافة "اي اعماله لا تلزم الثورة السورية".
تشير الأحداث على الأرض إلى أن المجتمع الدولي والعربي لن يسمح بأي عملية انتقامية، ودليل ذلك الضغط على الثوار عندما تقدموا في منطقة كسب في ريف اللاذقية، ومنع السلاح عن ثوار حمص. وليس ببعيد عنا الضغط على جيش "الفتح" ادلب لوقف معارك سهل الغاب وكذلك التقدم الى معقل النظام في اللاذقية.
من الصعب منح الأعذار للمتقاعسين عن أداء الدور الثوري في هذا الوقت الصعب، على الجميع تحمل المسؤولية كاملة والعمل بالطاقة القصوى، لأن الوقت من دم.