الرئيسة \  واحة اللقاء  \  دي ميستورا ومعضلة الأسد في سوريا

دي ميستورا ومعضلة الأسد في سوريا

30.04.2016
د. بدر حسن شافعي


الشرق القطرية
الخميس 28-4-2016
التدخل الدولي في الأزمات العربية عادة ليس تدخلا بريئا بدوافع إنسانية، وإنما يكون وفق أجندة القوى الدولية الكبرى التي تستخدم المؤسسات الدولية كالأمم المتحدة ومجلس الأمن بما يتوافق مع مصالحها، بل ربما تتجاهل هذه المؤسسات وتتدخل مباشرة إن اقتضت مصالحها ذلك، كما فعل الرئيس الأمريكي الأسبق جورج بوش الابن إبان تدخله لتدمير العراق 2003 بدعوى امتلاك صدام حسين الأسلحة الدولية، في حين لم تتدخل واشنطن في ليبيريا تلك الدولة الإفريقية القابعة في غرب إفريقيا لإنقاذها من الحرب الأهلية التي تسبب فيها رئيسها الديكتاتور تشارلز تايلور.
نقول هذا بمناسبة تعثر مفاوضات جنيف بخصوص الوضع في سوريا. والذي كان يمكن حسمه مبكرا لصالح الثورة حال انحياز الدول الكبرى خاصة الولايات المتحدة وفرنسا لصالح الشعب السوري لمواجهة الديكتاتور بشار الأسد. لكن يبدو أن مصلحة إسرائيل اقتضت بقاء الوضع هكذا. ولولا وجود دعم عربي للمعارضة المعتدلة، لما كان هناك أي التفات دولي للأزمة في سوريا والحرص على تسويتها بصورة تساهم في وأد المعارضة أو عدم الحصول على كل ما تصبو إليه تماما كما يحصل في ليبيا الآن..هذا التدخل الدولي في الأزمة الثورية لم يتسم فقط بالتأخر والبطء. ولكن اتسم أيضا بالتحيز لصالح الديكتاتور بشار الأسد في مواجهة شعبه. فرغم أن المعارضة قبلت على مضض فكرة التفاوض، وكذلك شراكة بقايا نظام الأسد في المرحلة الانتقالية شريطة رحيله، إلا أن الوسيط الدولي ستفان دي ميستورا والذي له سجل أسود من قبل في العراق وقبله كوسوفا، سعى إلى التحايل على القرارات الدولية الصادرة في هذا الشأن، وعمل على إفراغها من مضمونها..ففي وثيقته المسربة لمجلس الأمن قبل فترة، والتي تعد بمثابة توصية مقدمة منه للمجلس لاتخاذ ما يلزم، قال دي ميستورا في البند 51 منها: إن وجود المرحلة التحضيرية "بداية المرحلة الانتقالية" يسمح ضمنيًا باحتمال استمرار الرئيس "الأسد" في ممارسة بعض المهام خلال هذه الفترة ". وعندما اعترضت فرنسا فقط على هذا البند تم تعديله بصورة أكثر خبثا ليصبح " الحفاظ على الصلاحيات البروتوكولية "للرئيس"، أي أنه يرغب في أن يشارك الأسد وليس أتباعه في المرحلة الانتقالية بالمخالفة لكافة القرارات الدولية. هذا الانحياز للوسيط الأممي جعل وفد الأسد للمفاوضات يؤكد منذ اليوم الأول أن فكرة رحيله غير واردة، وأن الحديث يقتصر فقط على كيفية مشاركة المعارضة في الحكومة الانتقالية..ليس هذا فحسب، بل خرقت مقاتلات الأسد الهدنة الهشة أكثر من مرة، وبدلا من أن يعلن دي ميستورا تعليق المفاوضات بسبب عدم التزام الأسد بها، وبالتالي السماح بتسليح المعارضة لاسيَّما أن الدعم الإيراني والروسي العسكري لبشار لم يتوقف خلال المفاوضات، راح الرجل من خلال المتحدث الرسمي له ليعلن وجود تباين في الموقف بين الجانبين، وأن الهدنة مستمرة رغم هذه الخروقات! بل اعتبر أنه لا بديل عن المفاوضات.
هذا الموقف المنحاز جعل وفد المعارضة يعلن تعليق المحادثات، والتأكيد على أن أي خروقات أو قصف على المدنيين سيقابل بقصف مقابل.
إذن يبدو أن المعارضة تدرك جيدا هذا التخاذل بل الانحياز الدولي لصالح بشار، وأن المجتمع الدولي لا يعرف سوى لغة القوة، لذا فهي تعول على الدول العربية والخليجية تحديدا لتقديم الدعم العسكري لها. وربما يكون هذا هو التحدي الحقيقي لها ولهذه الدول أيضا، لأن تقديم السلاح يتطلب موافقة دولية أو تمريره بصورة سرية. وربما تكون هناك صعوبة في ذلك في ظل عصر السموات المفتوحة وانتشار أجهزة المخابرات الدولية والإسرائيلية في المنطقة، فضلا عن عدم الرغبة الدولية في ذلك.