الرئيسة \  واحة اللقاء  \  ذاهب إلى موسكو

ذاهب إلى موسكو

11.01.2015
سمير التنير



السفير
السبت 10-1-2015
إذا ما انعقد لقاء موسكو فلا بدّ من الذهاب إليه، مهما كان الموقف من صيغة الدعوة.
لن يُفضي اللقاء إلى إنشاء جسم حكم كامل الصلاحيات، بل، وحتّى لو أفضى إلى ذلك، لن يوقف ذلك الجسم وحده القتال اليوم، خصوصاً إذا كان يحكم ثلث سوريا فقط.
سوريا اليوم مقسّمة وتعيش حربٍا عبثيّة. هناك مناطق يسيطر عليها إرهاب "داعش"، لا يُمكن توحيد السوريين لمواجهته إلاّ إذا توقّف ما يسمّى "إرهاب الدولة"، أي استهداف المدنيين عمداً لأغراضٍ عسكريّة وسياسيّة، وأيضاً من دون مصالحة وطنيّة على الأرض بالحدّ الأدنى. وليس المعني هنا "المصالحات" التي تجري في الأحياء والمدن المحاصرة، التي تشكّل استسلاماً لموازين القوى، وإنّما يعني وقفاً للحرب على خطوط تماس جنوب دمشق، أو في أرياف حمص وحماه، أو في حلب، أو في مناطق أخرى، اي من خلال تفاوضٍ تفصيليّ تدريجيّ للاتجاه نحو الاستقرار والمصالحة. هذه هي الفكرة التي استقاها دي ميستورا وخصّ فيها تحديداً "تجميداً للصراع" في حلب، بينما لا تصلح إلاّ إذا كانت آليّة شاملة سائر الأمكنة. هذه الآليّة السياسية الاجتماعية الإغاثيّة التي تعيد التواصل بين السوريين ومناطقهم، والتي يشار إليها بآليّة "القاعدة إلى القمّة"، هي الأساس الذي لا يُمكن لآليّة السياسة العامّة أن تنطرح من دون تقدّمها بشكلٍ ملحوظ. إذ إنّها الوحيدة القادرة على إعادة معنى السياسة في البلاد.
التقدّم في حلّ الصراع في سوريا له إذاً مستويان لا يصحّ التقدّم بأحدهما من دون التقدّم بالآخر. والمجتمع والمواطنون همّ الأساس. ولا بدّ إذا من إجراءات بناء ثقة، تملك السلطة مفاتيحها قبل المعارضين، مثل إطلاق سراح المعتقلين وإيصال الإغاثة والخدمات والكفّ عن العبث بما يجعلهم مواطنين، كي تفتح الطريق أمام الخروج من التدهور.
الصراع في سوريا هو صراع إقليميّ دوليّ عبر السوريين. ولن ينتهي إلاّ إذا جرى توافق دوليّ على الخروج منه. وقد أضحى للقوى الخارجيّة كلها ميليشيات تحارب عبرها في هذا الطرف أو ذاك، ومؤسسات إغاثية تهيمن عليها، وتجمّعات سياسية تؤثّر في مواقفها. لكنّ التوافق لن يأتي من هذه القوى الخارجيّة بقدر ما سيأتي من قدرة رجالات ونساء سوريا على صنع توافق يحمي بلدهم، على مستوى السياسة كما على مستوى القوى العسكريّة.
يعرف الجيش السوريّ كما المقاتلون أنّ نهاية الطريق إذا ما بقيت سوريا موحّدة هي أن يندمجوا جميعاً في جيشٍ وطنيّ. ويعرف السياسيّون، خصوصاً في "الائتلاف" و "الهيئة"، أنّ صراعاتهم على النفوذ السياسي لا معنى لها اليوم. يجب بذل كلّ الجهود كي تتوحّد كلمتهم. لكن إذا لم تتوحّد هذه الكلمة، فلن اصطفّ مع قوّة سياسية معيّنة، مهما كان رأيي الشخصيّ، وسأذهب إلى موسكو بصفتي مواطنا سنحت له الفرصة أن يقول كلمته، وسأقولها.
أخيراً، رحيل السلطة القائمة في سوريا ليس في الحقيقة شرطاً، بل حتميّة، إذ يعرف الموالون قبل المعارضين، أنّها هي المسؤولة الأولى والأخيرة عمّا آلت إليه الأمور، حتّى لو كانت هناك مؤامرة. ومن يستخدم الأمر شرطاً يساهم في استمرار المعاناة. سوريا لا يُمكن أن تبقى سوريا الأسد، فهي أكبر من الجميع، ويستحقّ شعبها الذي يبذل الغالي والرخيص من أجل حريّته وكرامته، أن يتمّ اتخاذ مواقف جريئة حتّى لو أثارت غضب البعض. أليس هناك في ما آلت إليه الأمور ما يدفع إلى الغضب؟!