الرئيسة \  تقارير  \  ذا كونفرزيشن: كيف كشفت أزمة اللاجئين في أوكرانيا عنصرية الغرب وتناقضه في تعريف الإنسان؟

ذا كونفرزيشن: كيف كشفت أزمة اللاجئين في أوكرانيا عنصرية الغرب وتناقضه في تعريف الإنسان؟

27.03.2022
ساسة بوست


ساسة بوست
السبت 26/3/2022
نشر موقع “ذا كونفرزيشن” الأسترالي تقريرًا أعدَّه كلٌ من فيليب إس إس هوارد، أستاذ مساعد في التربية بجامعة ماكجيل، وبريان تشان ين جونسون، محاضر بكلية الدراسات المستمرة، جامعة ماكجيل، وكيفن آه سين، طالب دكتوراة في التربية بجامعة ماكجيل، يوضحون فيه كيف كشفت أزمة اللاجئين في أوكرانيا عن العنصرية والتناقضات في تعريف الإنسان.
في البداية، يقول معدُّو التقرير إن الصحفيين وثَّقوا معاملة غير إنسانية ضد الطلاب الدوليين من أفريقيا وجنوب آسيا والشرق الأوسط في أوكرانيا. وقد امتدت هذه المعاملة لتشمل أيضًا المقيمين الدائمين من أصول عِرقية غير أوروبية في أوكرانيا، بمن فيهم طبيب نيجيري ممارس منذ مدة طويلة. وفي حين أعطيت الأولوية للنساء والأطفال البيض في المركبات التي تغادر البلاد، مُنعت النساء الأفريقيات من ركوب القطارات التي تغادر كييف على الرغم من وجود مقاعد فارغة.
منطق العنصرية
ويرى كاتبو التقرير أن هذه الحوادث تُظهر منطقًا عنصريًّا يتعامل مع بعض الناس على أنهم ضعفاء، فيما يضع بعضهم الآخر خارج نطاق الالتزام الأخلاقي لتلقي الحماية. ويبدو أن الأشخاص السود وذوي العِرقيات من غير البيض لا يستحقون الرعاية.
وبصفتهم باحثين في الدراسات التي تركز على شؤون ذوي البشرة السوداء في مجال التعليم، يشير كاتبو التقرير إلى أنهم يدرسون كيف يشكِّل الاستعمار ومناهضة السود ما يعرفونه، لافتين إلى أنهم لم يتفاجأوا من تلك التقارير الصحفية عن هذا التمييز العنصري رغم أنها صادمة لبعض الناس. وتُشكِّل التناقضات المتأصلة في حوادث العنصرية التي تحدث في أوكرانيا جزءًا من إرث طويل من الطرق الحصرية التي يحددها الغرب لمن يَعُدُّونه إنسانًا.
مفزعة لكن ليست مفاجئة
وأوضح التقرير أن الفكرة الليبرالية للمجتمع الغربي تشكَّلت خلال القرنين الخامس عشر والتاسع عشر عندما استعبد الغرب الأفارقة. ولهذا السبب، لا تعد المفاهيم الليبرالية للعدالة الأشخاصَ الأصليين والسود والعِرقيين على المستوى نفسه مثل الأوروبيين البيض.
وعلى سبيل المثال، اتَّبعت الثورة الفرنسية قيم الحرية والمساواة والأخوة حتى في الوقت الذي حارب فيه الفرنسيون لدعم استعباد السود في هايتي (المعروفة آنذاك باسم سانت دومينغو). وعلى نحو مماثل، نَصَّ الدستور الأمريكي على أن “كل الأشخاص خُلِقوا متساوين” في حين أعلن أن السود يُحسبون على أنهم ثلاثة أخماس فقط لشخص.
وأشار التقرير إلى أن إعلان الأمم المتحدة لحقوق الإنسان لعام 1948 أُنشئ لمناهضة النازية ومعاداة السامية، ولكنه لم يَسْعَ إلى إصلاح قرون من استعمار الشعوب العِرقية. فقد أشارت الكاتبة والشاعرة إيمي سيسير إلى أن “الأوروبيين تسامحوا مع النازية قبل أن يكتووا بنارها.. لأنه حتى ذلك الحين، لم تُمارس النازية إلا على غير الأوروبيين”.
مستويات مختلفة من “الإنسان”
ويلفت كاتبو التقرير إلى أن الفيلسوفة الجامايكية سيلفيا وينتر تستكشف التناقضات داخل تعريفاتنا العملية لما يعنيه أن تكون إنسانًا. وتوضح أنه منذ ظهور النزعة الإنسانية في عصر النهضة وانتشار الاستعمار، استخدمت قصص المنشأ الغربي معارضة ثنائية بين الإنسان المثالي و”الآخر الأقل شأنًا بطبيعته”، إذ يكون “الآخر” هذا أسودَ أو من السكان الأصليين أو مصنَّف تصنيفًا عِرقيًّا.
وابتداءً من القرن الخامس عشر، عندما بدأ الأوروبيون في استعمار الأمريكتين، قدَّم المثقفون الأوروبيون قصة منشأ تَعُدُّ العقلانية السِّمة المميزة للإنسان. وفي المقابل، صوَّروا السكان الأصليين في الأمريكتين والأفارقة في كل مكان على أنهم يفتقرون بطبيعتهم إلى العقلانية، الأمر الذي يجعلهم أقل من البشر تمامًا. وبرَّر هذا المنطق الاستعمارَ الأوروبي ونزعَ ملكية الشعوب الأصلية. ويُنظر إلى الأفارقة وأحفادهم على أنهم مستعبدون بطبيعتهم، ويفترض أنهم الأكثر افتقارًا إلى المنطق.
وفي حوالي القرن الثامن عشر، وَضعتْ قصة منشأ منقحة جميع المجموعات البشرية في تسلسل هرمي تطوري مفترض كان يُنظر فيه إلى البيض على أنهم ذروة التطور البشري. وتشترك كل قصص المنشأ تلك في شيء واحد: فهي تتطلب نزع الصفة الإنسانية عن غير البيض، وخاصة السود. وتصبح فكرة الإنسانية السوداء تناقضًا لفظيًّا.
وكما تُظهِر الأزمة في أوكرانيا، يستمر هذا الأمر حتى يومنا هذا، مما يسمح بتجاهل بعض البشر كما يسميهم فرانتز فانون “الملعونون”. ويُعد السلوك العنصري على مستوى الفرد ومستوى الدولة متجذرًا في قصص المنشأ القديمة.
الحد الفاصل بين “البشر” والآخرين
ويشدد التقرير على أن منح الأولوية لبعض البشر على بعضهم الآخر، استنادًا إلى المنطق العنصري، جاء نتيجة لقصص المنشأ من هذا القبيل. وقد أعرب بعض المراسلين عن عدم تصديقهم أن أزمة لاجئين يمكن أن تحدث في أوروبا بين أناس “مثلنا”.
ويُعامل اللاجئون الأوكرانيون البيض معاملة مختلفة عن اللاجئين المصنَّفين على أساس عِرقي من أماكن مثل جنوب السودان والصومال وسوريا وأفغانستان وهايتي. فعلى سبيل المثال، قبلت كندا عددًا من اللاجئين من أوكرانيا خلال الأشهر الثلاثة الماضية فقط يُماثل عدد الذين قبِلتهم من أفغانستان خلال العام الماضي برمته، على الرغم من الوعود الطويلة الأمد بقبول اللاجئين الأفغان.
وكذلك الدول الأوروبية التي قاومت في الأساس قبول اللاجئين من أصول عِرقية تحركت الآن لتوفير الملاذ لنظرائهم الأوروبيين البيض. وتفسِّر الحدود العِرقية المتخيلة بين المختارين وغير المختارين الأقل شأنًا هذا الاختلاف في المعاملة. وهذه الحدود راسخة لدرجة أنه حتى عند الإشارة إلى العنصرية، يصعب على كثيرين تجنبها.
وعندما سُئل سفير أوكرانيا لدى المملكة المتحدة فاديم بريستايكو عن التقارير المتعلقة بالعنصرية، قال: “ربما سنضع جميع الأجانب في مكان آخر حتى لا يراهم أحد وبعد ذلك لن يكون هناك صراع مع الأوكرانيين الذين يحاولون الفرار في الاتجاه نفسه”.
رؤية “الإنسان” لجميع البشر
ويرى كاتبو التقرير أن التغيير الحقيقي يبدأ بإعادة تصور مفهوم الإنسان. وتدعو سيلفيا وينتر إلى قطع العلاقة بهذه التعريفات لـ”الإنسان” والاستعاضة عنها بتعريف ثوري يقدِّر كل البشر. وتقول سيلفيا أيضًا إن الفكرة الثورية للإنسان تُصاغ على نحو أفضل من جانب أولئك الذين يعانون من التناقض بين التعريف الحالي لـ”الإنسان” وإنسانيتهم.
والواقع أن حركات حرية السود كانت على مر التاريخ أساسية لتحدي الظروف المجردة من الإنسانية. وقد اعترفوا بعدم جدوى الاعتماد على النُّظم الغربية لتصحيح نفسها، ذلك أنها تأسست على مناهضة السود.
وبهذه الروح، وحسب ما يختم كاتبو التقرير، نطرح الأسئلة التالية للنظر فيها:
ماذا يعني أن تكون إنسانًا، وما الذي يتطلبه الأمر لكي ندرك إنسانية الجميع، وضعفهم وكرامتهم دون شروط؟
ما المطلوب لتصبح مساحات الملاجيء، التي تدَّعي أنها مفتوحة للجميع، حقيقية وتَسَع الجميع بالفعل؟
كيف يمكن تبنِّي تجارب الأشخاص السود والعِرقيين في هذه الأزمة باعتبارها أساسًا للتغيير السياسي الضروري؟
ما الذي يمكن أن نتعلمه من الدراسات المتخصصة في شؤون ذوي البشرة السوداء ونضالات تحرير السود من أجل صياغة رؤية “الإنسان” التي يُقدَّر فيها كل البشر؟