الرئيسة \  تقارير  \  ذا نيوستيتسمان : فرانسيس فوكوياما: ربما نواجه نهاية “نهاية التاريخ”

ذا نيوستيتسمان : فرانسيس فوكوياما: ربما نواجه نهاية “نهاية التاريخ”

07.04.2022
ميغان غيبسون


ميغان غيبسون* – (ذا نيوستيتسمان) 30/3/2022
ترجمة: علاء الدين أبو زينة
الغد الاردنية
الاربعاء 6/4/2022
ربما تلاحظ الطريقة التي يُذكر بها فرانسيس فوكوياما على “تويتر”. في الأسابيع التي تلت غزو روسيا لأوكرانيا في 24 شباط (فبراير)، قال النقاد المبتهجون للمنظر السياسي الأميركي بشكل روتيني إن أطروحته التي تعرِّف مسيرته المهنية حول كون الديمقراطية الليبرالية هي “الشكل الأخير للحكومة البشرية” أصبحت بالية عفا عليها الزمن.
قال فوكوياما أثناء احتساء شاي “إيرل غراي” في فندق بوسط لندن في أواخر آذار (مارس): “عادة ما يظهر هذا مرتين أو ثلاث مرات في اليوم على حسابي على تويتر”. لكن التكرار ازداد في الآونة الأخيرة. وبينما وصف فوكوياما هذه السخرية بأنها “مزعجة”، فإنه لم يبد منزعجًا منها بشكل مفرط. وقال: “لدي سياسة في الواقع تتمثل في عدم قراءة التعليقات وعدم الرد عليها”.
يعترف فوكوياما بأنه معتاد على هذا الاتهام. فقد كان توجيهه إليه مستمراً بثبات منذ نشر كتابه التاريخي، “نهاية التاريخ والإنسان الأخير”، قبل ثلاثة عقود. وفي النص، الذي تم تعديله وتوسيعه من مقال صحفي نشر في العام 1989 بعنوان “نهاية التاريخ؟” وضع أطر نظريته القائلة إن الديمقراطية الليبرالية مفضلة إلى حد كبير على أي شكل آخر من أشكال الحكومة، والأهم من ذلك، أنه لا يمكن لأي ديمقراطية ليبرالية أن تتطور إلى بديل أفضل.
كان فوكوياما سريعاً في الإشارة إلى أن معظم الناس الذين يدّعون أن نظريته غير صحيحة قد أساؤوا تفسير الفرضية الأصلية. إنه لم يتصور أن نهاية التاريخ ستكون دولة طوباوية ولا توقع أن “العالم كله سيكون ديمقراطيًا” وبـ”حركة خطية مباشرة في هذا الاتجاه”. كما أنه لم يقترح أنه “لن يحدث شيء من الآن فصاعدًا”. في واقع الأمر، أكد فوكوياما منذ فترة طويلة أن الأحداث -وهي طريقة أخرى لقول “المزيد من التاريخ”- سوف تستمر في الحدوث.
ومع ذلك، فإن فوكوياما، في سن التاسعة والستين، مستعد للاعتراف بالأخطاء. وقال إنه عندما كتب أطروحته، ربما لم يقدّر تمامًا مفهوم “الانحلال السياسي: فكرة أنك بمجرد أن تصبح ديمقراطية حديثة، فإنك يمكن أيضًا أن تتراجع إلى الوراء”. وهو موضوع يتصارع معه في في كتابه الأخير، “الليبرالية ومكامن سخطها”. وفيه يستكشف فوكوياما الطرق التي عمل بها كل من اليسار واليمين لتقويض الليبرالية (اليمين من خلال تبني مبادئ السوق الحرة التي وسعت عدم المساواة الاقتصادية؛ واليسار بإعطاء الأولوية لسياسات الهوية على الاستقلال الفردي). وفي حين أنه كتب هذا الكتاب قبل غزو فلاديمير بوتين لأوكرانيا، فإن الحرب لا تبطل حججه. إنها تشرح، بدلاً من ذلك، كيف أن الكفاح من أجل الحفاظ على الليبرالية يدور حول أكثر من مجرد معركة بين الأنظمة الاستبدادية والديمقراطيات.
كان هذا شيئاً لاحظه فوكوياما، كأميركي، عن كثب في السنوات الأخيرة. كان يراقب بقلق الانقسامات العميقة بين اليمين واليسار طوال فترة رئاسة دونالد ترامب وفي أعقابها. وقال عن الاستقطاب السياسي الحالي في الولايات المتحدة: “لم أرَ الوضع خطيرًا حقاً على هذا النحو من قبل أبداً، منذ الحرب الأهلية الأميركية. هناك فرصة كبيرة لأن نواجه أزمة دستورية كبيرة في وقت الانتخابات الرئاسية المقبلة”. وعلى الرغم من أنه شدد على ترجيح أن يتغير الكثير قبل منافسة العام 2024، فإن فوكوياما يكافح لتخيل كيف يمكن لترامب أن يفوز بالبيت الأبيض مرة أخرى بعد غزو بوتين. وقال فوكوياما: “إن ترامب خارج حقًا عن موقف الجزء الأكبر من حزبه” في مسألة إعجابه العلني بالزعيم الروسي. “أنا فقط لا أرى كيف لن يؤذيه ذلك”.
وكان فوكوياما أيضًا على استعداد، على حد تعبيره في مقال أخير له، لـ”المغامرة” بتوقع العواقب الجيوسياسية المحتملة للحرب في أوكرانيا. ومن بين أهم توقعاته: سوف تخسر روسيا الحرب، ربما بطريقة مذهلة، وهذه الهزيمة ستساعد الغرب على الخروج من “ذعرنا بشأن الحالة المتدهورة للديمقراطية العالمية. سوف تستمر روح العام 1989 بفضل مجموعة من الأوكرانيين الشجعان”. وبالنسبة لأولئك المهتمين باستقرار النظام الدولي، فإن هذه رؤية متفائلة، بل ومطمئنة، للنتيجة المحتملة للحرب.
يعرف فوكوياما أوكرانيا جيدًا، حيث زار البلاد مرات عدة كجزء من “أكاديمية القيادة من أجل التنمية”، وهو برنامج يديره من خلال جامعة ستانفورد، حيث يعمل زميلًا رفيعاً في “معهد فريمان سبوغلي للدراسات الدولية”. ويطور البرنامج التدريب على القيادة في مختلف الديمقراطيات الناشئة.
وقد تطور انطباعه عن أوكرانيا من خلال الزيارات المتلاحقة. وقال: “ابتداءً من العام 2014، بدا لي حقًا أن هذا هو الخط الأمامي لنضال أوسع من أجل الديمقراطية”، مشيرًا بذلك إلى الفساد المتفشي واستمرار حكم القلة في السلطة. ولكن بعد العمل مع جيل أصغر من الأوكرانيين المؤيدين لأوروبا، وجد أنه “كان في الواقع ملهمًا للغاية، لأن الكثير من هؤلاء الأشخاص كانوا مكرسين للغاية لمحاولة إيقاف الفساد وجعل مؤسسات الدولة تعمل بشكل أفضل”.
في الأسابيع الأخيرة، أصبح الإلهام من الأوكرانيين تقريبًا رياضة شائعة في الغرب، حيث انتشرت الخطب التي ألقاها الرئيس فولوديمير زيلينسكي ونشرت صور الأوكرانيين العاديين الذين يستعدون للانضمام إلى القتال على نطاق واسع على الإنترنت. ويتعاطف فوكوياما مع هذا الاتجاه، بل ويعلنه في إطار دعم محنة أوكرانيا، لكنه يحذر من أن هذا الدعم ليس ظاهرة عالمية، حتى بين الدول الديمقراطية ظاهريًا. ويستشهد بالهند وجنوب إفريقيا كدولتين رفضتا حتى الآن إدانة الغزو الروسي.
وقال: “أعتقد أن هناك العديد من الأماكن التي تنبض فيها ذكرى الظلم الذي ارتكبته الدول الغربية”. وفي المقابل، ما يزال دعم الاتحاد السوفياتي لحرب حزب المؤتمر الوطني الأفريقي ضد الفصل العنصري يلوح في أفق العديد من ذكريات جنوب إفريقيا عن تلك الحقبة. ويضيف: “لا يوجد تضامن حتمي بين البلدان التي يمكن أن تكون مؤهلة من بعض النواحي (لاعتبارها) ديمقراطية ليبرالية. وكما تعلمون، لا بأس في ذلك؛ لأن التجربة التاريخية لكل بلد مختلفة. لذلك ستكون لدى البلدان تفضيلات مختلفة، لا سيما (عندما يتعلق الأمر) بالسياسة الخارجية”.
ومع ذلك، في حين أن الآراء المختلفة قد تكون مقبولة، فإنها أبرزت مرة أخرى الخلل الوظيفي لبعض الهيئات متعددة الأطراف. وبالتحديد، مجلس الأمن التابع للأمم المتحدة الذي رفض في 25 شباط (فبراير) مشروع قرار بشأن إنهاء الحرب الروسية على أوكرانيا؛ وقد اعترض الاتحاد الروسي، وهو عضو دائم، على مشروع القرار، بينما امتنعت الصين والهند والإمارات عن التصويت.
وقال فوكوياما صراحة عن مجلس الأمن: “إنه لا يعمل الآن. أعتقد أنه لا يمكنك وضع كل بيضك في سلة منظمة عالمية واحدة، لأنه لا يوجد إجماع كاف بين البلدان في جميع أنحاء العالم، خاصة عندما يتعلق الأمر بالقضايا السياسية”. ولكن، هل كانت هذه الهيئة تعمل في السابق؟ “الفترة الوحيدة التي بدت فيها أنها قد تكون مفيدة كانت في أوائل التسعينيات، بعد انهيار الاتحاد السوفياتي السابق، عندما بدا أنه يمكنك إقناع الأعضاء الخمسة الدائمين بالاتفاق فعليًا على شيء ما”. لكنه يحذر الآن من أنها “لن تكون لديك أي توقعات بشأن ما يمكن أن تفعله”.
ربما يكون قد سئم من اتهامه بأنه مخطئ، ولكن هل يقلق فوكوياما يومًا من أن يثبت خطأه؟ قال، بالطبع، ولكن ليس من باب الاهتمام بعمله وإنما بسبب ما ستكون عليه تداعيات ذلك على العالم. وقال إن “كابوسه النهائي” هو عالم تعمل فيه الصين وروسيا بانسجام مع بعضهما بعضا، ربما مع تعزيز الصين لحرب روسيا وشن بكين غزوها الخاص -لتايوان. وقال فوكوياما إنه إذا حدث ذلك، ونجح، “فعندئذٍ ستعيش حقًا في عالم تهيمن عليه هذه القوى غير الديمقراطية. وإذا لم تستطع الولايات المتحدة وبقية الغرب منع حدوث ذلك، فستكون هذه حقًا نهاية نهاية التاريخ”.
*ميغان غيبسون Megan Gibson: محررة تنفيذية للشؤون الأجنبية في صحيفة “ذا نيو ستيتسمان”.
*نشر هذا المقال تحت عنوان:
Francis Fukuyama: We could be facing the end of “the end of history”