الرئيسة \  تقارير  \  “ذي إنترسبت”: تجميد بايدن لأموال أفغانستان حكم “بالقتل الجماعي”

“ذي إنترسبت”: تجميد بايدن لأموال أفغانستان حكم “بالقتل الجماعي”

19.02.2022
عبدالرحمن النجار


عبدالرحمن النجار
ساسة بوست
الخميس 17/2/2022
وصف تقرير على موقع “ذي إنترسبت” قرار بايدن تجميد 7 مليارات دولار من الأموال الأفغانية في البنوك الأمريكية بعملية “قتل جماعي”، وأوضح التقرير – الذي أعده الصحافي السياسي أوستن ألمان – أن بايدن يسحق الاقتصاد الأفغاني من خلال مصادرة 3.5 مليار دولار من أموال شعبه وتحويل 3.5 مليار دولار أخرى لصندوق ائتماني أمريكي “لصالح الشعب الأفغاني”.
بعد اتخاذ القرار الشجاع في الصيف الماضي بسحب القوات الأمريكية من أفغانستان، أعلنت إدارة بايدن يوم الجمعة أنها تعتزم تقسيم أصول البنك المركزي الأفغاني – التي يحتفظ بها بنك الاحتياطي الفيدرالي في نيويورك – بين عائلات ضحايا أحداث 11 سبتمبر (أيلول) وجهود غير محددة لصالح الشعب الأفغاني. وهو ما “يضع بايدن على المسار لإيقاع المزيد من الضحايا وإحداث الدمار في أفغانستان أكثر مما تسبب فيه 20 عامًا من الحرب” وفق تعبير ألمان.
ناقشت الإدارة لأشهر كيف سيبدو مستقبل العلاقات الاقتصادية مع أفغانستان الخاضعة لسيطرة طالبان. فالأصول، التي تم تجميدها في البداية عندما سيطرت طالبان على البلاد في أغسطس (آب)، ضرورية للسيولة المالية والوظائف الأساسية للاقتصاد. ومع عدم التزام الإدارة الراسخ بإعادة الأصول إلى البنك المركزي – الذي يقول الاقتصاديون الأمريكيون الذين ساعدوا في هيكلته وما زالوا يساعدون في إدارته، إنه لا يزال مستقلًا عن طالبان – سيعتمد الشعب الأفغاني على المساعدات الإنسانية في المستقبل المنظور. وبالفعل، تشير التقارير إلى أن المساعدة ليست كافية لمنع التدهور السريع في الظروف المعيشية التي يواجهها الشعب الأفغاني.
القرار الأمريكي زاد الأوضاع سوءًا
أدى الاستيلاء على أموال البنك المركزي الأفغاني إلى توقف النشاط الاقتصادي. وفقد الناس إمكانية الوصول إلى الأموال الموجودة في البنوك، وبات موظفو الحكومة والمعلمون بدون رواتب، كما يعجز المستوردون عن الوصول إلى رأس المال لتلبية الاحتياجات، ولا يمكن للمصدرين أيضًا الوصول إلى رأس المال للحفاظ على سير أعمالهم، وانهارت العملة الأفغانية من حيث القيمة، ونتيجة لذلك، أصبح التضخم أكثر حدة في أفغانستان مقارنة ببقية العالم.
قال شاه محرابي، أستاذ الاقتصاد في كلية مونتجمري وعضو المجلس الأعلى للبنك المركزي: “كل احتياطيات النقد الأجنبي الموجودة في الولايات المتحدة وأوروبا تخص الشعب الأفغاني. إن قرار الإفراج عن جزء فقط من الأموال سيستمر في إلحاق الضرر بملايين الأطفال والنساء والأسر الأفغانية الذين يعانون من واحدة من أسوأ الأزمات الإنسانية والاقتصادية في جميع أنحاء العالم”. وأضاف محرابي أنه على الرغم من التقارير الصحفية التي تفيد بأن أموال البنك المركزي سترسل إلى مجموعات المساعدات الإنسانية، فإنه يأمل الإفراج عنها للبنك، الذي لا يزال يضم عضوين من مجلس الإدارة الأمريكيين. وقال متحدث باسم البيت الأبيض إن الإدارة ستنشئ صندوقًا ائتمانيًا لصالح مساعدة الشعب الأفغاني بعدة طرق.
وأكد ألمان أنه في الأشهر القليلة الماضية، بينما تنازع الديمقراطيون في مجلس النواب حول صياغة الخطابات وامتنع أعضاء مجلس الشيوخ عن طرح أسئلة حول مسؤولية أمريكا عن الأزمة، تطور الوضع على الأرض في أفغانستان بسرعة. فقد حذرت العديد من المنظمات الدولية من أن هذه الظروف دفعت ما يقرب من 10 ملايين أفغاني إلى حافة المجاعة.
للبقاء على قيد الحياة، يحرق الناس أثاثهم وممتلكاتهم الأخرى للتدفئة، أو يبيعونها مقابل الطعام. في حين أن تلك السنوات العشرين من الحرب، والجفاف الطويل غير المنتظم، والشتاء القاسي قد مهدت الطريق للأزمة، لكن السبب المباشر لمعاناة الشعب الأفغاني هو الاستيلاء على الأصول الأفغانية، إلى جانب العقوبات التي فرضتها حكومة الولايات المتحدة، بحسب التقرير.
بينما عرضت إدارة بايدن مساعدات إنسانية بقيمة 308 ملايين دولار، ونفذت سياسات لتسهيل إيصال تلك المساعدة، فإن هذا الاستيلاء على أصول بمليارات الدولارات مملوكة بشكل شرعي للشعب الأفغاني – الذي يعيد التكيف مع الحياة في ظل حكم طالبان القاسي – لم يترك له سبيلًا نحو بناء اقتصاد مستدام قادر على استيراد الغذاء والوقود الضروريين للبقاء على قيد الحياة في بيئة البلاد القاسية.
استجابة بطيئة للمشرعين الأمريكيين
كان أعضاء الكونجرس بطيئين في استيعاب آثار سياسة إدارة بايدن في المنطقة. وفي ديسمبر (كانون الأول)، وجه أكثر من 40 نائبًا رسالة إلى الإدارة شددت على الحاجة إلى “صحوة ضمير وتعديل السياسة الأمريكية الحالية فيما يتعلق بتجميد الاحتياطيات الأجنبية لأفغانستان والعقوبات المستمرة”.
في الأسبوع الماضي، رعت النائبة براميلا جايابال (ديمقراطية عن ولاية واشنطن)، زعيمة التكتل التقدمي في الكونجرس، تعديلًا لقانون “أمريكا كومبيتس” بشأن العقوبات. وفي حين أنها لم تطالب بإنهاء نظام العقوبات الأمريكية، إلا أنها وضعت الأساس للكونجرس لدراسة الآثار الكارثية لسياسات أمريكا الاقتصادية رسميًا. في حين أن الديمقراطيين في مجلس النواب كان بإمكانهم تمرير التعديل بأصواتهم الخاصة، انضم 44 منهم إلى كل عضو جمهوري في مجلس النواب لمنع تمريره. وتواصل موقع “ذي إنترسبت” بكل هؤلاء الـ44 نائبًا من الديمقراطيين، ولم يقدم أي منهم تفسيرًا مسجلًا لسبب معارضتهم دراسة الدمار الذي يواجهه الأفغان نتيجة لسياسات الولايات المتحدة.
يرى ألمان أنه بعد فشل التعديل، يبدو أن الإجراء التشريعي لمعالجة الأزمة متوقف في الوقت الحالي، على الرغم من أن جايابال أعربت عن تفاؤلها بأن التصويت قد يكون مقدمة لتخفيف القيود الأمريكية. وفي مقابلة مع “ذي إنترسبت” يوم الأربعاء الماضي، قالت إن المؤتمر الحزبي شعر أنه كان نصرًا لكسب الغالبية العظمى من الديمقراطيين في تصويت “لأول مرة، يعالج بالفعل الآثار الإنسانية لهذه العقوبات”، هذا ولم يرد مكتبها على الفور على طلب للتعليق على إعلان إدارة بايدن.
تحذيرات دولية من الآثار الكارثية للخطوة
قال أحد كبار مساعدي السياسة الخارجية من الديمقراطيين، الذي فضل عدم الكشف عن هويته، إن هذه السياسة “ترقى فعليًا إلى القتل الجماعي”. ووفقًا لهذا المصدر، تلقى بايدن تحذيرات من الأمين العام للأمم المتحدة، ولجنة الإنقاذ الدولية، والصليب الأحمر، مع إجماع على أن سيولة البنك المركزي ذات أهمية قصوى ولا يمكن لأي قدر من المساعدة تعويض تدمير النظام المالي في أفغانستان والاقتصاد ككل.
وافق مارك وايسبروت، المدير المشارك لمركز البحوث الاقتصادية والسياسية، على وصف قرار بايدن بأنه تجويع جماعي. وقال لموقع “ذي إنترسبت” إن معظم الناس “لا يفهمون الآثار الاقتصادية لقرار بايدن المدمر. إذا لم يكن لدى بلد ما احتياطيات، وليس لديه بنك مركزي فعال، فليس هناك أي قدر من المساعدة يمكنه تعويض ذلك”.
كشف ألمان أنه بعد أشهر من ضغط نشطاء حقوق الإنسان والمنظمات غير الحكومية الدولية، بدأ الكونجرس أخيرًا مناقشة دور الولايات المتحدة في الأزمة الإنسانية المتصاعدة بسرعة في أفغانستان. وأقر رئيس اللجنة الفرعية كريس مورفي، في جلسة استماع طال انتظارها في اللجنة الفرعية للشؤون الخارجية بمجلس الشيوخ المعنية بشؤون الشرق الأوسط، الأربعاء الماضي، بأن المساعدات الإنسانية وحدها لن تكون كافية لمنع موت آلاف الأفغان.
لم يدع مورفي بشكل مباشر إلى تغيير السياسة الأمريكية خلال جلسة الاستماع، لكنه قال في مقابلة مع ذي إنترسبت إن الإدارة ستحتاج إلى تخفيف العقوبات وإلغاء تجميد بعض الأصول الأفغانية للتخفيف من حدة الأزمة. وقال: “أعتقد أن الوقت قد حان بالنسبة لنا للإفراج عن الأموال”، رغم أنه كرر مخاوفه بشأن استقلالية البنك المركزي الأفغاني في ظل حكم طالبان.
السيناتور الآخر الوحيد الذي دعا علنًا إلى هذه الإجراءات هو السيناتور بيرني ساندرز، الذي قام بالتعبير عن موقفه بشأن هذه المسألة الشهر الماضي، ولم يرد أي من أعضاء مجلس الشيوخ على الفور على طلب للتعليق على قرار بايدن، بحسب التقرير.
رفض أعضاء مجلس الشيوخ الآخرون في الغالب الأسئلة المتعلقة بتواطؤ أمريكا في إبادة جماعية محتملة في أفغانستان. في مقابلات مع “ذي إنترسبت” خلال الأسبوع الماضي، عارض العديد من أعضاء مجلس الشيوخ الليبراليين صراحة أو رفضوا فرضية الأسئلة حول نظام العقوبات. نفت السيناتور الديمقراطية تامي داكويرث، وهي من قدامى المحاربين في الحرب الأمريكية في العراق، سماعها بالتقارير العديدة التي تشير إلى أن المساعدة الإنسانية وحدها لن تكون كافية لمساعدة الأفغان.
من جهتها، أشارت السيناتور الديمقراطية تامي بالدوين، إلى رفض طالبان المسبق السماح للنساء والفتيات بالذهاب إلى المدرسة والعمل لتبرير سياسات بايدن، لكنها قالت إنها ستدرس المزيد من التقارير التي تؤكد أنه منذ توليها السلطة في أغسطس (آب)، استمرت طالبان في السماح للمرأة بالحفاظ على دورها في الحياة العامة.
ومن جهته فقد راوغ السيناتور الجمهوري راند بول، في محنة الشعب الأفغاني. على الرغم من أن بول يعد معارضًا راسخًا للعقوبات، إذ ألقى خطابًا ناريًا يعارض اقتراح السناتور تيد كروز بفرض عقوبات على روسيا قبل بضعة أسابيع. وقال بول لموقع “ذي إنترسبت” إن انسحاب إدارة بايدن تسبب في الأزمة، وأنه لا يؤيد تخفيف العقوبات أو الإفراج عن الأصول المجمدة في هذا الوقت. وردت السيناتور الديمقراطية التقدمية مازي هيرونو، على سؤال حول الدمار الذي أحدثته العقوبات والأصول المجمدة بسؤال آخر: “هل ما زلنا نتحدث عن أفغانستان؟”.
أعذار أمريكية واهية
يقول ألمان إنه في جلسة الاستماع الفرعية هذا الأسبوع، قدم كل من رئيس لجنة الإنقاذ الدولية والمدير التنفيذي ديفيد ميليباند ومستشار مجموعة الأزمات الدولية جرايم سميث، إدانات شديدة للسياسات المالية للمجتمع الدولي في أفغانستان. معًا، بدد الاثنان الحجج القائلة بأن المساعدات الإنسانية يمكن أن تعوض عن تطبيع العلاقات الاقتصادية مع أفغانستان ووبخا أولئك الذين يشيرون إلى قسوة طالبان لتبرير الفظائع التي يرتكبها الغرب.
كانت شهادته في تناقض صارخ مع مراوغة أعضاء مجلس الشيوخ الذين حضروا الاجتماع. وركز السيناتور الديمقراطي إد ماركي على السياسات التمييزية لطالبان بدلاً من التدمير الذي ألحقته الديمقراطيات الغربية بالشعب الأفغاني. ولم يحضر عضوا مجلس الشيوخ الديمقراطيين، كوري بوكر وبوب مينينديز. واقتصر تفاعل السيناتور كريس فان هولين، على الرد عن الأسئلة المعلوماتية الأساسية. فيما اعترف السيناتور تود يونج، العضو الجمهوري الوحيد الذي حضر، بأن الولايات المتحدة يجب أن “تحدد طريقًا للمضي قدمًا للتعامل مع أفغانستان التي تحكمها طالبان”. لكنه رفض فتح الباب صراحة أمام تطبيع العلاقات الاقتصادية وإلغاء تجميد الأصول الأفغانية.
في حوار كاشف، أشارت السناتور الديمقراطي جين شاهين إلى تهميش طالبان للمرأة لتبرير الحفاظ على السياسات الاقتصادية الأمريكية المدمرة. ورد ميليباند بأن طالبان تقدم تنازلات كبيرة بشأن المساواة بين الجنسين وتسمح حاليًا للنساء الأفغانيات – اللواتي لا تزال رواتبهن غير مدفوعة وسط تجميد الأصول المستمر – بالعمل والالتحاق بالمدرسة.
ثم قدم ميليباند ما وصفه بالسؤال السائد بين النساء الأفغانيات في منظمته: “كيف يعتقد الغرب أنهم يساعدوننا عندما لا نستطيع إطعام عائلاتنا؟”