الرئيسة \  تقارير  \  “ذي إنترسبت”: حرب أمريكا على الإرهاب كانت خطأ جسيمًا.. وهذه كانت البدائل أمامها

“ذي إنترسبت”: حرب أمريكا على الإرهاب كانت خطأ جسيمًا.. وهذه كانت البدائل أمامها

14.02.2022
عبدالرحمن النجار


عبدالرحمن النجار
ساسة بوست
الاحد 13/2/2022
تناول تقرير نشره موقع مجلة “ذي إنترسبت” نتائج بحث جديد يقدم بديلًا للحرب على الإرهاب التي شنتها الولايات المتحدة بعد تفجيرات 11 سبتمبر (أيلول) 2001 الشهيرة، وذلك في وقت تعيد فيه إدارة بايدن التفكير في سياستها الخاصة بمكافحة الإرهاب.
يستهل معد التقرير نيك تورس، الكاتب المساهم في “ذي إنترسبت” والمهتم بشؤون الأمن القومي والسياسة الخارجية، بأنه في 19 سبتمبر 2001 جمع ضباط وكالة المخابرات المركزية صناديق من الورق المقوى مليئة بـ3 ملايين دولار من فئة 100 دولار لشراء ذمم أمراء الحرب الأفغان، ليبدأ الرد العسكري الأمريكي على هجمات 11 سبتمبر. بعد ذلك بيوم واحد وقف الرئيس جورج دبليو بوش أمام الكونجرس مُعلنًا: “الحرب على الإرهاب لن تنتهي حتى نعثر على كل جماعة إرهابية ذات نفوذ عالمي، وإيقافها، وهزيمتها”.
على مدار العقدين التاليين اتسعت رقعة هذا الصراع الذي بدأ في أفغانستان، ولكنه انتشر في جميع أنحاء العالم إلى بوركينا فاسو، والعراق، وليبيا، ومالي، والنيجر، وباكستان، والصومال، وسوريا، وتونس، واليمن، ليكسر حاجز 6 تريليون دولار. وجاءت النتائج مرعبة، فحتى الآن أودت الحرب بحياة 900 ألف شخص، من بينهم أكثر من 350 ألف مدني، ونزح قرابة 60 مليون؛ كما تسببت الحرب في كوارث إنسانية، بالإضافة إلى أسوأ هزيمة عسكرية أمريكية منذ حرب فيتنام. وقد أُنفق المال الأمريكي على جيوش انهارت أو تبخرت عند مواجهة التحدي، في غضون ذلك تضاعف عدد الجماعات الإرهابية الأجنبية حول العالم من 32 إلى 69.
لكن وفقًا لدراسة جديدة حول مناهج مكافحة الإرهاب من مشروع تكاليف الحرب في جامعة براون الأمريكية، لم يكن ضروريًا أن يسير الأمر على هذا النحو. وبحسب الباحثة جينيفر ووكاب جايس، فإن الإرهاب ظاهرة سياسية، وذلك حسبما ورد في دراستها بعنوان “ما وراء نموذج الحرب: ماذا يخبرنا التاريخ عن كيفية انتهاء الحملات المناهضة للإرهاب”، التي شاركتها حصريًا مع “ذي إنترسبت” قبل إصدارها مؤخرًا. وتضيف: “قد تنتهي موجات العنف الإرهابي بفعل إستراتيجيات مكافحة الإرهاب التي تعالج الأسباب الجذرية للإرهاب، بدلًا عن ملاحقة المنظمات والأشخاص المضطلعين به”.
أظهرت التحليلات الإحصائية المتطورة أن هناك طرقًا فعالة ومثبتة للإسراع بزوال المنظمات الإرهابية، وفقًا لتقرير ووكاب جايس، لكن نموذج الحرب، الذي شكل خروجًا عن نهج تطبيق القانون الأمريكي السابق لمكافحة الإرهاب، ليس واحدًا منها.
نتائج باهتة للحرب على الإرهاب
تشير إحدى الدراسات المبتكرة التي شملت 648 جماعة مسلحة، واستشهدت بها ووكاب جايس إلى أن 7% فقط من الجماعات الإرهابية قد هُزمت من خلال الجهود العسكرية. أجريت الدراسة عام 2008 بواسطة مؤسسة راند، وهي مركز أبحاث عسكري، عندما كانت تكلفة الحرب على الإرهاب لم تزل تافهة، حوالي 752 مليار دولار.
قال بوش في العام نفسه: “وضعنا تعريفًا واضحًا للنجاح في العراق وأفغانستان: سيأتي النجاح عندما لا يكون للقاعدة ملاذ آمن في هذين البلدين، ويمكن للناس حماية أنفسهم من الإرهاب. سيأتي النجاح عندما يصبح العراق وأفغانستان قادرين على البقاء اقتصاديًا. سيتحقق النجاح عندما يكون العراق وأفغانستان ديمقراطيات تحكم نفسها بفعالية وتستجيب لإرادة شعبيهما. سيأتي النجاح عندما يكون العراق وأفغانستان حليفين أقوياء وقادرين في الحرب على الإرهاب”.
ولكن يؤكد تورس أن القاعدة لم تزل موجودة في أفغانستان. وخليفتها “داعش” تنشط في أفغانستان والعراق. ولا تتمتع الدولتان بديمقراطية أو اقتصاد مستقر، حيث تتأرجح أفغانستان الآن على شفا الانهيار الاقتصادي، ويحكمها نفس النظام الذي أطاحه بوش في عام 2001.
يقول الخبراء إن سلسلة الإخفاقات هذه كان من الممكن تجنبها إلى حد كبير. وفي هذا الصدد تقول ستيفاني سافيل، المديرة المشاركة لمشروع تكاليف الحرب، “يمكنك تصور سيناريو، بعد 11 سبتمبر، يجري فيه التعامل مع الهجمات الإرهابية على أنها مشكلة عدالة جنائية”، مشيرة إلى أن مكتب التحقيقات الفيدرالي ووكالة المخابرات المركزية قادا الجهود بهدف اعتقال ومحاكمة وسجن أسامة بن لادن وآخرين ممن خططوا للهجمات.
أشارت سافيل إلى أن تقرير تكاليف الحرب يسلط الضوء على عيوب هذا النهج، وقالت لموقع “ذي إنترسبت” إنه كان من الممكن أن يشكل نقطة تحول: “ما كنا سنشهد 20 عامًا من الصراع وهذا الهدر الهائل للموارد. ولم يكن رد الولايات المتحدة ليؤدي إلى هذا التصعيد، والحرب والعنف اللذان يولدان المزيد من الحرب والعنف”.
وبدلًا عن ذلك كان من الممكن تخصيص الأموال التي أنفقت على نموذج الحرب على مخاوف أخطر تتعلق بالأمن القومي. تلفت ووكاب الانتباه إلى مخاطر أزمة المناخ العالمية، وحقيقة أن نقص التأمين الصحي يقتل أكثر من 45 ألف شخص سنويًا، ووباء كورونا الذي لم يؤد فقط إلى وفاة ما يقرب من مليون أمريكي، ولكن فضح أيضًا الوضع المؤسف للرعاية الصحية في الولايات المتحدة.
تقول ووكاب: “الحقيقة هي أن الفقر والعنصرية والتفاوتات الهيكلية الأخرى تشكل تهديداتعلى حياة البشر أكبر بكثير من الهجمات الإرهابية. هذه التهديدات أخطر بكثير من الجماعات المسلحة التي تستخدم تكتيكات الإرهاب، وهناك سياسات ممكنة لمواجهتها”.
سيناريو بديل
يؤكد تورس أن كل هذا يثير التساؤل عما كان يمكن أن يحدث لو تم إعادة تخصيص ميزانية الحرب على الإرهاب. لو أن حكومة الولايات المتحدة قد استخدمت حتى جزءًا من مبلغ 8 تريليونات دولار الذي جرى إنفاقه على حروب ما بعد 11 سبتمبر على السياسات المحلية الأخرى لتعزيز الصحة، والرفاهية المجتمعية، أو التخفيف من آثار تغير المناخ، كان هذا من شأنه تامين الناس بصورة أكبر في أمريكا، وفقًا لتصريح سافيل.
تقدم دراسة “ما وراء نموذج الحرب” 10 بدائل متميزة، وإن كانت متداخلة في بعض الأحيان، للنهج العسكري الأمريكي لمكافحة الإرهاب. وتشمل نموذج إنفاذ القانون الذي يعتمد على النظام الشرطي والقضائي، واستخدام الرسائل العامة والحملات الإعلامية لتقويض الأيديولوجيات المتطرفة، ومعالجة الأسباب الجذرية للإرهاب من خلال تمويل مشاريع التنمية، ونموذج الأمن البشري الأشمل، الذي يهدف إلى تمكين الفئات الأضعف سياسيًا واقتصاديًا؛ مما يجعل الإرهاب تكتيكًا أقل جاذبية لصنع التغيير.
تقول هيذر براندون سميث، مديرة التشريع للنزعة العسكرية وحقوق الإنسان في لجنة الأصدقاء للتشريع الوطني، إحدى مجموعات جمعية الأصدقاء الدينية أو “الكويكرز”، إن الدراسة بالغة الأهمية لتثقيف أعضاء الكونجرس، الذين دخل العديد منهم الحكومة بعد 11 سبتمبر، حول البدائل لإستراتيجية أمريكا غير الفعالة منذ زمن طويل.
وقالت لموقع “ذي إنترسبت”: “لقد شهدنا 20 عامًا من مكافحة الإرهاب من منظور الحرب. يقدم هذا التقرير الجديد خيارات مختلفة ويوضح أن الحلول غير العسكرية طويلة المدى هي الأكثر فعالية، كما يوفر المعلومات اللازمة لإجراء محادثة مع الكونجرس وإدارة بايدن حول كيفية توفير الموارد المناسبة لهذه الأدوات غير العسكرية، والتي تعتبر بالغة الأهمية لمكافحة الإرهاب بنجاح”.
تنظيم جديد لعمليات مكافحة الإرهاب
كشف تورس أنه قبل عام فرض البيت الأبيض قيودًا مؤقتة على ضربات الطائرات بدون طيار وغارات الكوماندوز خارج مناطق الحرب التقليدية. وأطلقت الإدارة مراجعة لمثل هذه المهام وبدأت في كتابة دليل جديد لتنظيم عمليات مكافحة الإرهاب. جرى تأجيل هذه السياسة، التي كان من المقرر إصدارها في الذكرى العشرين لأحداث 11 سبتمبر، حيث تعامل البيت الأبيض مع تداعيات الانسحاب الفوضوي للقوات الأمريكية من أفغانستان والضربة التي نفذتها طائرة مسيَّرة في أفغانستان التي اعترف البنتاجون أنها قتلت مدنيين فقط، ومعظمهم من الأطفال.
لم يقدم البيت الأبيض حتى المعلومات الأساسية حول حالة مراجعة مكافحة الإرهاب ومتى قد تكشف الإدارة عن سياساتها الجديدة، إذا ما كانت ستفعل ذلك من الأساس. قال مسؤول كبير في الإدارة الأمريكية للمجلة: “نُقيِّم باستمرار وضعنا لمكافحة الإرهاب في جميع أنحاء العالم وإجراء التعديلات حسب الحاجة”.
في الآونة الأخيرة دعت النائبتان براميلا جايابال وباربرا لي إلى ما هو أكثر بكثير من مجرد تعديلات، وقالتا: “أعظم التهديدات لأمن أمريكا – الأوبئة وتغير المناخ وعدم المساواة الاقتصادية والاستبداد – لا يمكن هزيمتها بالبندقية. لقد حان الوقت للتوقف عن الاعتماد على نفس قواعد اللعبة القديمة وصياغة سياسة خارجية تعمل لصالح الأشخاص العاديين بدلًا عن ذلك”.
كما كتبتا في مقال يعلنان فيه عن قرار قدماه للكونجرس: “لا يمكن حل أكبر التحديات الأمنية اليوم من خلال المغامرات العسكرية. ويجب أن يكون التعاون الدولي والدبلوماسية والتنمية وبناء السلام، وليس القنابل، أدوات السياسة الخارجية التي يصل إليها البلد أولًا”.
يؤكد تورس أن خبراء آخرين دعوا إلى سياسة هجينة تحافظ على القدرات العسكرية الحالية، لكنها تركز بشكل أكبر على الأساليب البديلة. دعا لوك هارتيج، كبير مديري مكافحة الإرهاب في مجلس الأمن القومي بإدارة بأوباما، وهو الآن زميل في برنامج الأمن الدولي لأمريكا الجديدة، إلى “نهج يوظف جميع الأدوات لمكافحة الإرهاب”، حيث يجمع بين تطبيق القانون، وأمن الحدود، والاستخبارات، واستهداف تمويل الإرهاب، والشراكات الأجنبية، والتصدي للأيديولوجيات المتطرفة، والعمليات العسكرية.
قال هارتيج: “لقد أهدرنا الموارد على ردودنا العسكرية وقللنا الإنفاق على برامجنا المدنية. لا أعتقد أن إنهاء الحرب الأبدية يعني إنهاء جميع العمليات العسكرية ضد الجماعات الإرهابية، لكن هذا يعني التحول إلى نموذج بقيادة مدنية. وهذا يعني زيادة الاستثمار في أشياء مثل: مكافحة التطرف العنيف وبناء المؤسسات. ونشر الدبلوماسية الذكية لتعزيز أهداف مكافحة الإرهاب. والاستعداد للاعتماد على دفاعاتنا لحماية البلاد بدلًا عن استهداف كل تهديد نراه في العالم”.
ويشير تورس إلى أن الدراسة مليئة بالنتائج المثيرة للفضول عن التطرف، مثل الصلة بين نسبة عدم التوازن بين الجنسين من الشباب وبين الإرهاب، وحقيقة أن تدريس العلوم الإنسانية قد يوفر تحصينا ضد الأيديولوجيات العنيفة، لا سيما تلك التي تستهدف الآخرين على أساس العرق أو الدين، بالإضافة إلى اقتراحات حول كيفية استخدام مثل هذه الأبحاث لتحقيق نتائج مكافحة الإرهاب على أرض الواقع.
إجمالًا يعزز هذا الاكتشاف ما ورد في تقرير التنمية العالمية للبنك الدولي لعام 2011، الذي سلطت الضوء عليه ووكاب، والذي يبدو أنه مع ذلك قد مر مرور الكرام على أربع إدارات رئاسية ومئات من المشرعين على مدى أكثر من 20 عامًا، وورد فيه أن عنف الدولة في شكل الغزو، والاحتلال، والقمع، أمر أساسي لمنطق الجماعات الإرهابية.
قالت ووكاب لـ”ذي إنترسبت”: “سنكون في مكان مختلف تمامًا إذا حكمنا على هجمات 11 سبتمبر باعتبارها أعمالًا إجرامية. لقد تسبب نموذج الحرب في حمل مزيد من الناس للسلاح ضد الولايات المتحدة، وتوسيع نطاق الدعم للجماعات الإرهابية. لذلك، فإذا كان هدفك هو منع الإرهاب حقًا، فإن أفضل رهان لك هو المساعدة في تعزيز الأمن وحقوق الإنسان، وضمان وصول الناس إلى الموارد التي يحتاجون إليها”.