الرئيسة \  واحة اللقاء  \  رايس: سوريا و"الأمن القومي"... بدلاً من "الخارجية"!

رايس: سوريا و"الأمن القومي"... بدلاً من "الخارجية"!

17.06.2013
محمد ولد المنى

الاتحاد
الاثنين 17/6/2013
ثلاث قضايا رئيسية كانت موضع حديث لسوزان رايس، أول من أمس السبت، في مقر الأمم المتحدة بواشنطن؛ حين أعربت عن القلق الأميركي من تورط «حزب الله» وإيران في سوريا، وأعلنت أن واشنطن ستزيد دعمها العسكري للمعارضة السورية، كما كشفت عن تسليمها تقريراً إلى أمين عام الأمم المتحدة حول استخدام النظام السوري للأسلحة الكيماوية ضد معارضيه.
وقد أدلت رايس بهذه التصريحات بوصفها سفيرة للولايات المتحدة في الأمم المتحدة، وهو المنصب الذي ستغادره نهاية الشهر الجاري لتتسلم مهامها كمستشارة للأمن القومي في البيت الأبيض، لتصبح ثاني امرأة تتقلده بعد كوندوليزا رايس. وخلافاً لما يعتقده البعض، فلا وجود لصلة قرابة بين المرأتين، بل هو مجرد تشابه في الأسماء. هذا، ورغم أن المنصب هو نفسه، إلا أن اختلاف المرحلتين يقتضي تبايناً آخر بين مهمتي كوندوليزا وسوزان. فالأخيرة في منصبها الجديد معنية بمساعدة أوباما على رسم مشهد أكثر استراتيجية للسياسة الخارجية الأميركية، وبإيصال رسائل أكثر وضوحاً إلى العالم، لاسيما عقب الانعطافة الاستراتيجية الأميركية نحو آسيا.
وسوزان إليزابيث رايس، أكاديمية وسياسية أميركية مقربة من أوباما، سبق أن عملت في إدرة كلينتون، وتوصف بأنها امرأة قوية وذكية وذات تأثير نجومي ملحوظ. ولدت في واشنطن عام 1964، لعائلة جامايكية الأصل، متعلمة وغنية، حيث كان والدها أستاذاً للاقتصاد في جامعة كورنيل، قبل أن يصبح أول رئيس أسود للاحتياطي الفيدرالي الأميركي، بينما كانت والدتها باحثة في معهد «بروكينجز». وقد حظيت سوزان بأفضل فرص التعليم، والتحقت بجامعة ستانفورد لتتخرج منها بشهادة في التاريخ عام 1986، قبل نيلها الدكتوراه في العلاقات الدولية من جامعة أوكسفورد عن أطروحة حول السنوات الأخيرة للاستعمار البريطاني في زيمبابوي. وبدأت رايس العمل في الحياة السياسية مستشارة للمرشح الديمقراطي مايكل دوكاكيس الذي مني بهزيمة قاسية أمام المرشح الجمهوري بوش الأب عام 1988. وإثر ذلك اتجهت نحو القطاع الخاص وبقيت في عالم الاستشارات طيلة خمس سنوات، قبل أن تعود إلى ميدان السياسة في كنف إدارة كلينتون، حيث عملت عضواً في مجلس الأمن القومي بين عامي 1993و1997، ثم مديرة للمنظمات الدولية وحفظ السلام خلال الفترة من 1993 إلى 1995، قبل أن تصبح المساعد الخاص للرئيس للشؤون الأفريقية بين عامي 1995 و1997. لكن وزيرة الخارجية في حينه مادلين أولبرايت، معلمة رايس وصديقة عائلتها، حثت كلينتون على تعيينها مساعدة لوزير الخارجية للشؤون الأفريقية. ولم تكن رايس الخيار الأول للنواب السود في الكونجرس، كونها كجزء من «النخبة السوداء المستوعبة من واشنطن»، لكنها تركت انطباعاً جيداً خلال جلسة استماع لها في مجلس الشيوخ، فأصبحت أصغر من تولى ذلك المنصب في بلادها، كما اهتمت بقضايا أفريقية عديدة، مثل جرائم الإبادة الجماعية في رواندا، وعلاقة العداء مع حكم الإسلاميين في السودان، والموقف من التحولات الديمقراطية في القارة، والعلاقات التجارية الأفريقية الأميركية.
وفي عام 2001 عادت رايس للتدريس الجامعي، ثم أصبحت مستشارة للمرشح الديمقراطي جون كيري الذي لم يحالفه الحظ عام 2004 أمام بوش الابن، فتفرغت للبحث في معهد «بروكينجز». ثم عادت للعمل الحكومي مجدداً في إدارة أوباما، حين عينها سفيرة في الأمم المتحدة لتصبح ثالث امرأة في ذلك المنصب، وأول امرأة من أصول أفريقية تتقلده.
ولرايس أعداءٌ كثرٌ داخل الإدارة، على رأسهم سمانثا باور خلفها المعنية في الأمم المتحدة. وتعتقد رايس أن باور تقلل من قيمتها لأنها «سوداء»، مع أنها فخورة بخلفيتها الجمايكية الأفريقية، وبكونها أنجزت ما أنجزت بسبب ذكائها وجهدها.
والعلاقة بين رايس وأوباما ليست فقط بسبب لونهما الأسود، ولكن أيضاً بسبب العداء الذي يكنه لهما قادة من السود يصفون أوباما ورايس ضمن «الاندماجيين»، أي السود الذين يعتقدون أن البيض لا يفرقون ضدهم ولا يتعالون عليهم.
وتعود علاقة رايس بأوباما إلى عدة أعوام خلت، إذ انضمت إليه مع بداية طموحه الرئاسي في عام 2006، حين كان يستعد لمغادرة مجلس الشيوخ ولخوص انتخابات الرئاسة، ثم أصبحت مستشارته لشؤون السياسة الخارجية. لذلك ما أن تم تنصيبه رئيساً في بداية عام 2009 حتى عيّنها سفيرة في الأمم المتحدة. ثم أراد في بداية ولايته الثانية، عقب خروج هيلاري كلينتون للمعاش، أن يعينها وزيرة للخارجية، لكنها ووجهت بمعارضة قوية من الجمهوريين في الكونجرس، على خلفية تصريحات سبق أن أدلت بها عقب الهجوم على القنصلية الأميركية في بنغازي، والذي أدى إلى مقتل السفير الأميركي، حيث اعتبرت أن «الاعتداء لم يكن بالضرورة إرهابياً، بل كان نتيجة تظاهرة عفوية انتهت بشكل سيء». ثم اضطرت أخيراً لسحب ترشحها لأرفع منصب في الدبلوماسية الأميركية، فتولاه عوضاً عنها السيناتور جون كيري، رئيس لجنة الشؤون الخارجية في الكونجرس.

بيد أن شغور منصب مستشار الأمن القومي، عقب استقالة دونيلون، والتي ستصبح سارية المفعول مطلع الشهر القادم، أفسحت المجال أمام أوباما ليأتي برايس إلى البيت الأبيض في هذا المنصب الذي لا يحتاج قرار التعيين فيه إلى موافقة الكونجرس.
ويلخص المحللون سياسة رايس وقد أصبحت في منصبها الجديد، في عبارة كتبتها سنة 2007 عندما طلب منها أوباما أن تلخص له السياسة الخارجية كما تقترحها، حيث كتبت: «رؤية باراك أوباما صحيحة، وفلسفة الدبلوماسية الأميركية الحالية خاطئة. نريد عهداً جديداً من الدبلوماسية الأميركية لمواجهة القرن الحادي والعشرين، وليكن كالآتي: مبدئي، ومصمِّم، ومستمر». لذلك يُتوقع أن يؤدي وجودها كمستشارة للأمن القومي إلى تغير في الملفات والأولويات، فسلفها دونيلون الذي تولى هذا المنصب أواخر عام 2010، هو صاحب الدور الأكبر في تحويل اهتمام الولايات المتحدة نحو آسيا والمحيط الهادئ، وتحسين علاقاتها بالصين، وبروسيا التي زارها مراراً، فيما تعرف رايس بميلها إلى المواجهة وبنبرتها الحادة أحياناً حيال روسيا، خاصة فيما يتعلق بالأزمة السورية. وقد أكدت خلال إحدى جلسات مجلس الأمن أن بلادها ستستمر في الضغط على نظام الأسد، إلى جانب دعم المعارضة السورية، كما أقرت بفشل خطة عنان؛ لأن الحكومة السورية لم تتخذ الخطوات اللازمة لوقف العنف.