الرئيسة \  واحة اللقاء  \  ربيع الثورات العربي بين رحيل عام وإطلالة آخر

ربيع الثورات العربي بين رحيل عام وإطلالة آخر

02.01.2014
علي الرشيد


الشرق القطرية
الاربعاء 1/1/2014
يرحل عنّا عام ويطلّ علينا آخر.. وبين العامين آلام وآمال، وإحباط وطموحات، ومحطات للتقييم، ومحاولات لاستشراف المستقبل من أجل السير في الاتجاه الصحيح.
لنعترف ولنصارح أنفسنا.. الحديث عن العام المنصرم 2013 مؤلم وموجع.. والنظرة للمستقبل (2014 وما سيليه) فيها كثير من التشاؤم والقنوط، والعيب فينا قبل غيرنا، مع اعترافنا بحجم المؤامرات والكيد الإقليمي والدولي ضد أمتنا.
يرتحل العام الماضي وواقع الحال يشير إلى محاولة منع الشعوب العربية من الاستمتاع بربيع ثوراتهم الذين انتظروه بلهفة، بعد عقود طويلة من الظلم، ويتمثل ذلك في الحيلولة دون تواصل هذا الربيع وامتداده ريحه الطيبة لدول أخرى، وذلك من خلال الضغط لمنع انتصار الثورة السورية، والحيلولة دون تمكين الشعب السوري من بلوغ تطلعاته المشروعة بالحرية والكرامة والخلاص من الاستبداد، وعبر إجهاض ثورات الشعوب التي انتصرت على جلاديها كما حدث في مصر، أو إثارة الفتن والقلاقل للعودة إلى مربع الديكتاتورية من جديد، والالتفاف على حلم الشعوب، كما تجري المحاولات في اليمن وليبيا.
ويرتحل العام الماضي أيضا وسط مخاوف جدّية بدخول المنطقة في أتون صراعات طائفية سواء في العراق أو سوريا أو لبنان أو اليمن على الأقل، وربما يمتد شررها لدول أخرى عاجلا أو آجلا ـ لا سمح الله ـ بسبب ممارسات النظام الإيراني وبعض حلفائه في المنطقة وفي مقدمتهم حزب الله، وقرارهم بالوقوف إلى جانب الطغاة الظلمة من الحكام، ضد تطلعات الشعوب، تحت شعارات كاذبة خاطئة عنوانها الظاهر "دعم المقاومة" وعنوانها الباطن "الحقد الطائفي والشوفيني والتمدد الإقليمي".. ليس هذا فحسب بل ثمة مخاوف من تقسيم وتفتيت المنطقة، بسبب المطامع الإقليمية والدولية ولعبة المصالح واقتسام النفوذ، على طريقة "سايكس ـ بيكو" سيئة الذكر وغيرها.
ويرتحل العام الفائت وسط خشية من تفتت نسيج المجتمعات العربية والإسلامية وتمزيقه إلى طرفين متناحرين أو أطراف متناحرة، وتعميق جذور العداوة والبغضاء بين شركاء الثورة بالأمس، وإحداث فتن بين أبناء الوطن الواحد، كما في مصر.
ويرتحل عام 2013 وما تزال الأمة في
غفلة كبيرة عن فهم الأولويات، أنظمة وشعوبا، وفيما تستشعر كثير من الأنظمة خطر النظامين السوري والإيراني على وجودها، إلا أنها لا تنظر للأمر من وجهة نظر إستراتيجية ثاقبة، ولا تدعم الثورة والشعب السوريين بما يجب، وقد تصطفّ على مستوى المواقف والتحالفات في مواقع تصبّ في خدمة المحاور المنافسة لها، وبينما يعتبر نظام طهران مواجهة ما يدور على أرض سوريا معركة وجود، ويستميت من أجلها، ويبذل له كل الإمكانات عبر تدخله المباشر، ويوحّد مواقفه مع القوى التي تدور في فلكه، في خندق واحد، بل ومع حلفائه العالميين كالروس، فإن جهود الأنظمة والشعوب العربية المناهضة لنظام الأسد والمستنكرة لجرائمه، لا ترقى لأن تكون مناصرتها للثورة والشعب السوريين قضية مصيرية ذات أولوية (قضية أمة)، وليس ثمة تنسيق بين بعضها البعض لتعظيم الأثر، بل إنها في الحقيقة تعاني من التشتت وعدم التركيز.
ويرتحل 2013 وفي القلب غصص كثيرة، بسبب تواصل نزيف جراح الشعب السوري بفعل جرائم ومجازر النظام ضد المدنيين، والصمت المريب للمجتمع الدولي، وغياب الضمير الإنساني الذي يتواطأ مع الجلاد أو يغضّ الطرف عن أفاعيله (ما يزال قصف سكان مدينة حلب من المدنيين العزّل بالبراميل المتفجرة متواصلا منذ أكثر من أسبوعين).
ويتصرّم العام الفائت، وماتزال الآلام تعتصر الفؤاد، لتشتت مواقف المعارضة، وبخاصة في سوريا، سواء على مستوى الفصائل المقاتلة في الميدان بين بعضها البعض، أو بين معارضة الداخل والخارج أو بين المعارضة السياسية والحراك العسكري، بينما يفترض فيها أن تتوحد على مذهب الشاعر القائل (لمّتِ الآلام منّا شملنا.. ونمتْ ما بيننا من نسب) على الأقل.
الغصص كثيرة والجروح عميقة ولكن يبقى لنا بصيص أمل بالله أولا، وبإرادات المخلصين ثانيا، في تخطي الصعاب وتجاوز المحن، والتحرك في الاتجاه الصحيح نحو الأفضل.
الأمل يحدونا أن تكون المحطة الفاصلة بين عامي 2013 و2014 مساحة للتأمل والتفكر والتقييم، وأخذ العظة والعبر مما وقع وحدث، والسعي لوضع خطط تتجاوز الصعاب وتقلل من الأخطاء، وتقوّي العزائم وتشحذ الهمم، وتسدد الخطى. معللين النفس بالأمل مرتقبين له.. (أعلل النفس بالآمال أرقبها.. ما أضيق العيش لولا فسحة الأمل).
ربيع الثورات في محنة فهل سيحمل عام 2014 آمالا كالتي عاشتها الشعوب العربية في عامي 2010 و2011، أما أنه سيكرس آلاما كالتي عاشتها في عامي 2012 والعام الماضي؟!!