الرئيسة \  واحة اللقاء  \  رسائل إسرائيل الملتهبة: لماذا الآن؟

رسائل إسرائيل الملتهبة: لماذا الآن؟

14.09.2019
عادل سليمان


العربي الجديد
الخميس 12/9/2019
وجّه العدو الإسرائيلى عدة ضربات عسكرية نوعية إلى أهداف محدّدة في سورية والعراق ولبنان. والدول الثلاث غير قادرة، ولا راغبة، فى الرد المتكافئ على هذا العدوان الذي لم تكن المفاجأة في قيام إسرائيل به، واختراق سيادة هذه الدول العربية، وإنما في إعلان رئيس الحكومة ووزير الدفاع عنه بصراحة. وكان المبرّر أن الضربات العسكرية كانت تستهدف أذرعا ومواقع عسكرية موالية لإيران، وهذه تمثل تهديداً مباشراً لأمن إسرائيل. وقبل ظهور أي ردود فعل عربية، أو إقليمية، قالت إدارة الرئيس الأميركي، ترامب إن الضربات الإسرائيلية العسكرية هذه في إطار الدفاع المشروع عن النفس، وهو حقها تماماً، حالياً ومستقبلاً. ما يعني أن إدارة ترامب تُعطى تصريحا بالقتل والعدوان لإسرائيل، أينما أرادت وكلما أرادت.
صمت غريب ومُريب، ومعتاد أيضاً، من جامعة الدول العربية، ومن كل الدول العربية فرادى. كما أن ردود العراق وسورية ولبنان، الدول التي تعرضت سيادتها للعدوان، جاءت فاترة، واقتصرت على التنديد، والحق فى الرد والتصدي للعدوان. بينما جاء الرد بلهجةٍ أكثر حدة من التنظيمات شبه العسكرية: الحشد الشعبي في العراق، وهو تنظيم شبه عسكري موال لإيران، وفي الوقت نفسه، فى إطار الدولة العراقية، وقد توعد برد. وحزب الله، وهو تنظيم سياسي لبناني، يمتلك جناحا عسكريا قويا، ويعلن صراحة ولاءه للولي الفقيه، المرشد الأعلى للثورة الإسلامية في إيران، خامنئي. وفي الوقت نفسه، هو على درجةٍ من الاتساق السياسي مع بعض الأطياف اللبنانية، وخصوصا فيما يتعلق بمقاومة الاحتلال الإسرائيلي. توعد على لسان أمينه العام، حسن نصر الله، بالرد العملي، باعتبار أن إسرائيل خرقت قواعد الاشتباك مع حزب الله، المتفق عليها ضمنياً منذ حرب لبنان 2005، وبعد قرار مجلس الأمن 1701. وبالفعل قام بعملية استهداف لمدرعات إسرائيلية عبر الحدود اللبنانية مع الأراضى الفلسطينية المحتلة، ثم نجح في إسقاط طائرة مسيرة إسرائيلية، كانت تقوم بعمليات استطلاع فى الأجواء اللبنانية. أما إيران التى أعلنت إسرائيل أنها كانت تستهدفها بضرباتها العسكرية النوعية، فقد أعلنت، كعادتها، أنها لن تتراجع عن مواقفها في مساندة جبهة الممانعة والمواجهة ضد العدو الإسرائيلي، ودعمها القضية الفلسطينية والمقاومة.
أعقبت ذلك كله حالة من الصمت والهدوء، على كل المستويات، سواء للاعبين الدوليين أو 
"الرسالة أن لإسرائيل اليد الطولى في المنطقة وستحصل على ما تريد تحت كل الظروف"اللاعبين من غير الدول (non state actors). انصرف رئيس حكومة الاحتلال، نتنياهو، إلى حملته الانتخابية في إسرائيل، وانصرف حزب الله إلى تأكيد وضعه في التركيبة اللبنانية، وانصرف الحشد الشعبي في العراق إلى توفيق أوضاعه مع الحكومة العراقية، وبقيت عناصر الحرس الثورى الموجودة في سورية فى مواقعها لدعم نظام بشار الأسد. وكان المثير في المشهد الأصوات العربية التي أعلنت صراحة تأييدها العدو الإسرائيلي، وللأسف كان بعضها أصواتا رسمية يشغل أصحابها مناصب رفيعة، في مقدمتهم وزير خارجية البحرين.
السؤال شديد الأهمية: ماذا تحمل ضربات إسرائيل العسكرية من رسائل؟ وإلى من توجّه تلك الرسائل؟ ولماذا في هذا التوقيت الذي لا تتعرّض فيه إسرائيل لأي تهديد، بأي شكل، بل تكتسب كل يوم مزيداً من المطبعين العرب؟ للإجابة علينا أن نراجع المشهد العربي والإقليمي والدولي، جيداً، لأن ما نعرفه عن العدو الإسرائيلي أن كل خطواته محسوبة بدقة، وأنه لا يترك شيئاً للمصادفة، ولعل أهم ملامح ذلك المشهد تظهر فى مواقف الأطراف المختلفة بوضوح، حيث تتلقى إسرائيل دعماً أميركياً غير محدود وغير مسبوق، في ظل موقف إقليمي ممزق ومأزوم، وموقف فلسطيني منقسم على نفسه، ما بين سلطة عاجزة في رام الله ومقاومة صامدة تحت حصار خانق في قطاع غزة، وموقف عربى تطبيعي، ومطمئن لإسرائيل، ومشغول بالتطورات المتلاحقة في مناطق كثيرة، في مقدمتها اليمن وليبيا والسودان والجزائر.
وفي ما يتعلق بالموقف الإسرائيلي الداخلي، كان له تأثير مهم على قرار الضربات العسكرية أخيرا، رئيس وزراء مأزوم، ومقدم على انتخابات حسّاسة تحدّد مستقبله السياسي، ورئاسة أركان جيش جديدة ومتوثبة للعدوان لإثبات مقدرتها، في مواجهة قوى المقاومة المختلفة، خصوصا في ظل الإخفاقات السابقة، وموقف رأي عام إسرائيلي غاضب على سياسات التعامل مع المقاومة عموماً.
يبقى الموقف الإيراني المتحرّك إقليميا ودوليا. وسعي إسرائيل إلى تخريب الجهود المبذولة لاحتواء التوتر بين أميركا وإيران، بإشعال الموقف في المنطقة، واستدراج إيران إلى التدخل. ولعل قراءة ذلك المشهد جيداً توضح مضمون رسالة نتنياهو، في هذا التوقيت، إلى كل الأطراف، وهي باختصار أن لإسرائيل اليد الطولى في هذه المنطقة، وستحصل على ما تريد تحت كل الظروف... تلك كانت رسالة العدو الحقيقي إلى الأمة العربية، وعلى الشعوب أن تستوعبها، حتى تستعيد وعيها قبل فوات الأوان.