الرئيسة \  واحة اللقاء  \  رسائل الثلوج ومخيمات اللاجئين

رسائل الثلوج ومخيمات اللاجئين

15.01.2015
اليوم السعودية


كلمة اليوم
الاربعاء 14-1-2015
ربما جاءتْ رسائل الثلوج التي غمرت المناطق الشمالية من المملكة مطلع هذا الأسبوع لتذكرنا نحن من نعيش بفضل الله دفء الأمن ودفء الاستقرار، ودفء المكان بواجباتنا تجاه أشقاء لنا أجبرتهم ظروف النزاع، وجبروت الممسكين بزمام السلطة في أوطانهم، على هجر مساكنهم ومدنهم وقراهم ليعيشوا طلبا للأمن تحت خيام اللجوء في عراء الأرض، وهي واجبات لم تغفل عنها قيادة هذا الوطن لحظة واحدة ليس فقط مع الشقيق القريب، وإنما حتى مع الشريك في الانسانية في أقاصي المعمورة، حيث امتدت نحوهم أيادي الخير في سلسلة حملات انسانية لم تغادر حاجة من مستلزمات الحياة اليومية إلا وقد وفرتها دون منّ ولا أذى، واستجاب لها شعب هذه البلاد المباركة بما جُبل عليه من الكرم وحب الخير والإيثار، وإغاثة الملهوف، لكن يظل الخروج من دفء أمن الوطن مهما توفرت سبل الحياة في سواه أقسى من أن تأسوه تلك المساعدات أيا كانت، ومهما بلغتْ، حيث يبقى كجرح مفتوح لا يُمكن أن يلتئم إلا بالعودة إلى أرض الوطن، فلا شيء في الدنيا يمكن أن يُغني أو يُعوّض عن حضن الوطن وأكنافه.
لقد تحسس أبناء هذا الوطن المعطاء مع هطول تلك الثلوج على أراض لم تشهدها أو تعتد عليها كثيرا، تحسسوا ألم الأشقاء السوريين في الأردن وفي لبنان والعراق وتركيا، ولم تلههم هذه الظاهرة الفريدة التي جمعت بين نقائض الصحراء، وأجواء الألب المثلجة بكل ما فيها من الفرح بكسوة البياض، ومفاجأة هذا الزائر الجميل في واحة الدفء والأمن، لم تلههم عن تذكر معاناة من يعيش تحت المخيمات في العراء، حيث اشتعلت مواقع وحسابات التواصل الاجتماعي، وهي توظف الصور لمعايشة تجارب النازحين، وتدوير أرقام الحسابات الرسمية التي تتلقى التبرعات للأشقاء السوريين لإعانتهم على مواجهة تلك الظروف المثلجة في ظروف لا تتيح فرصة لاستقبالها كالعادة بما تستحق من الفرح والبهجة، وكأنها تأخذ هذا الهطول على أنه رسالة أكيدة للإمعان في معونة الأشقاء، وتمثل تجربتهم القاسية، حتى أصبحتْ هي موضوع الأيام المثلجة الرئيس بلا منازع، ولم يتردد حتى أولئك الأطفال الذين غالبا ما يجدون في هذا الطقس ما يدخل السرور على أنفسهم في التعبير عن احساسهم بمعاناة من باغتته الثلوج في مكان ما كان يتمنى لقاءها فيه، مما يكشف عن معدن هذا الشعب، وتمسكه بقيم عقيدته التي تدفعه بكل معاني النخوة لتحسس مواجع الآخرين، والانخراط في معالجتها والمساهمة في التخفيف من آثارها، رغم أنهم ما كانوا بحاجة إلى ما يذكرهم بواجباتهم تلك، غير أن الزائر الجميل جعلهم يتلقفون الرسالة بضمير جمعي، حوّلهم معا إلى طاقم مؤسسة إنسانية غايتها ايقاظ الجميع إلى أسمى عمل إنساني تتحد فيه المشاعر باتجاه هدف واحد وغاية واحدة، غير أن الأجمل والأبهى هو انخراط الأطفال بكل براءتهم في تحمل تبعات هذا النداء، وحديثهم في قنوات اليوتيوب عن معاناة أقرانهم في مخيمات النزوح، وهذه ربما تكون أبلغ منهج تربوي وعملي لتثبيت هذه القيم، وأجدر في تكريسها من أي منهج أو طريقة تعليم، لأنها تنبع من الاحساس الداخلي بها، وتمثل الحالة، والشعور بها في أماكن قد لا تستوعب موعدها بنفس كفاءة المكان الذي يعيش فيه الطفل في واحة الأمن والأمان، ما يجعلها جزءا من الغراس التربوي التفاعلي الذي يستثمر الوقائع، ليوظفها في بناء القيم النبيلة، في ظل دعم الدولة، وكبار قادتها لمثل هذه الأعمال الإنسانية التي تؤكد رسوخ أنبغ الخصال وأسماها في وجدان هذه الأمة.