الرئيسة \  واحة اللقاء  \  رسائل الجولان المتقاطعة

رسائل الجولان المتقاطعة

05.11.2018
صبحي حديدي


القدس العربي
الاحد 4/11/2018 
السيدة سميرة رضا عمران، من قرية عين قنية الجولانية المحتلة، دخلت بوابات الصحافة الإسرائيلية والأمريكية (“هآرتز” ثمّ “واشنطن بوست”، على سبيل المثالين)، لأنها ببساطة شاءت الخروج عن الإجماع الوطني العام في الجولان، وقررت ترشيح نفسها لـ”انتخابات” المجالس المحلية. وهذه البدعة مهزلة جديدة أدخلتها سلطات الاحتلال الإسرائيلي للمرة الأولى منذ احتلال الهضبة سنة 1967، ثمّ ضمّها إلى الكيان الصهيوني سنة 1982؛ بعد أن كان وزير الداخلية الإسرائيلي يسمّي مجالس القرى الأربع (مجدل شمس، مسعدة، بقعاثا، عين قنية) عن طريق التعيين.
دخلت السيدة عمران، إذن، لكي تخرج مجدداً من البوابات ذاتها، محمّلة هذه المرّة بأثقال مآل لم يكن هزيمة نكراء، فحسب؛ بل اتخذ صفة المأساة التي تُضحك، حين تُبكي: من أصل 1618 ناخباً سجلتهم سلطات الاحتلال على لوائح الاقتراع، شارك 21 شخصاً؛ وأمّا المرشحة العتيدة فقد نالت… صوتاً واحداً وحيداً، كان صوتها أغلب الظنّ! المأساة، لمَنْ يعنيه هذا الجانب من المعادلة، تمثّل في أنّ عمران لم تكن غافلة عن وجود الاحتلال (“هذه حقيقة لا يمكن لأحد أن ينكرها”، قالت في حوار مع “واشنطن بوست”)؛ ولكنها، في المقابل، توهمت أنّ انتخابها يمكن أن يخدم “الشباب الذين يحتاجون إلى العيش وإلى توفير بيئة صحية ونافعة تتيح لهم التقدّم”!
ليس هذا رأي الأغلبية الساحقة من أهل الجولان المحتل، غنيّ عن القول؛ بدليل أوّل هو نسبة المقترعين التي كانت أقرب إلى المقاطعة المطلقة والجماعية، وأدلة أخرى تكاثرت قبيل “الانتخابات” وخلالها وبعدها، بما في ذلك اضطرار الاحتلال إلى إلغاء المهزلة في مسعدة بسبب انسحاب جميع المترشحين. ذلك لأنّ التذرّع بإدارة الشؤون المحلية والبلدية ذاتياً، وعن طريق الجولانيين أنفسهم، لم ينتهِ على مدى نصف قرن ونيف إلى ما هو أوضح من شرعنة الاحتلال وتجميل المحتلّ وتطوير أدوات استدراج السوريين أبناء الجولان نحو حيازة الهوية الإسرائيلية.
صفة أخرى بالغة الأهمية لانتصار الجولانيين على هذه المهزلة الاحتلالية الجديدة، تجسدت في غلبة روح التعدد ضمن الاختلاف، والقبول بالرأي الآخر؛ في مقابل روح التعصب والانغلاق، فضلاً عن التخوين والشماتة. وتلك كانت ستراتيجية صائبة، وطنياً وأخلاقياً، اعتمدها الحراك الشبابي في قرى الجولان، ويُرجى أن تتأصل أكثر فأكثر بعد انكشاف حدود اللعبة. استطراداً، بدا واضحاً للاحتلال أنّ تقسيم الجولانيين إلى فِرَق (مع “الانتخابات” أم ضدها، الانحياز إلى سوريا الدولة أم إلى سوريا الانتفاضة، إطاعة المشايخ أم إعلان العصيان في وجوههم…) آل إلى فشل ذريع، والمنتصر الأكبر في نهاية المطاف كان خيار رفض الاحتلال والتشبث بالهوية الوطنية السورية.
ولأنّ هذا الانتصار ليس جديراً باسمه إلا إذا اقترن حقاً ببُعده الأوسع، أيّ التكامل مع المقاومة الفلسطينية في وجه الاحتلال ذاته والسلطة الاستيطانية العنصرية إياها؛ فقد تناغمت مواقف الرفض الجولانية مع تلك التي أعرب عنها فلسطينيو القدس الشرقية، الذين أبلغوا المحتلّ رسالة مماثلة حول الصيغة المقدسية من المهزلة. الأصداء تقاطعت بالطبع، ليس على صعيد تثبيت المقاومة وتأكيد الهوية فقط، بل كذلك في مستوى الاتصال مع العمق الوطني الداخلي، الفلسطيني في حال القدس، والسوري في حال الجولان.
ويبقى أنّ موقف النظام السوري من هذه الانتفاضة الجولانية الجديدة، التي تعيد التذكير بانتفاضة شباط (فبراير) 1982 حين فرض الاحتلال الإسرائيلي قوانينه على قرى الجولان المحتلة؛ لم يكن له أن يتجاوز، بدوره، حدود المهزلة في الاكتفاء بالضجيج والعجيج وإرسال مفتي النظام لإضافة الإهانة إلى الجرح، في مناسبة تسليم القنيطرة، وعشرات البلدات والقرى والتلال الحصينة، لقمة سائغة أمام الجيش الإسرائيلي.
كأنّ أبصار الجولانيين حسيرة عن مرأى دبابات النظام التي أدارت ظهرها للاحتلال، وانخرطت في ذبح السوريين وتدمير سوريا.