الرئيسة \  واحة اللقاء  \  رسائل مفتوحة وعاجلة

رسائل مفتوحة وعاجلة

01.07.2013
سامح المحاريق

الرأي الاردنية
الاثنين 1/7/2013
عادة ما تجري قراءة أي مقابلة سياسية على أساس ما يقال فيها، ولكن في المقابلة الأخيرة لصحيفة الشرق الأوسط مع الملك عبد الله الثاني يجب الالتفات لما لم يقل، فمن السؤال الأول تجاهل الملك أن يحصر الأزمة السورية في المسببات وفي التوازنات الإقليمية، أو حتى أن يشير إلى ايران التي وردت في متن السؤال، وتغيبت عن الإجابة، لأن ذلك الحديث لا طائل منه، وليس منتجا في ايجاد الحلول، والسعي لأنسنة القضية السورية بالمرتبة الأولى، هو ما يسبق تسييسها وفقا للأجندة الأردنية.
الأردن يتحمل بصورة مباشرة جانبا من تبعات الأزمة السورية، وهو مثقل بمشكلة اللاجئين، وعددهم اليوم يزيد عن نصف مليون، وبالتالي، فلا رفاهية للحديث عن المحاور الإقليمية، فأي من الدول التي تسعى لأن تقود مرحلة ما بعد الأسد لا تتحمل نفس الضغوط التي تواجهها الأردن، وحتى تركيا أغلقت المجال أمام مزيد من تدفق اللاجئين السوريين، كما أن الذهنية السياسية الأردنية لا تجعل قيادته في وارد الحديث عن كشف الحسابات وتحليل الأرباح والخسائر، واستعراض التحالفات وفرصها بناء على ذلك الأساس، بينما شعب شقيق على الحدود الشمالية يشهد ما يشبه حرب الإبادة.
ما لم يقله الملك أيضا في مرة ثانية أتى في معرض حديثه عن تحول الأزمة السورية إلى صراع مذهبي شيعي - سني، فالملك أشار إلى وجود أسس سياسية للصراع، ولكنه لم يذهب إلى توصيف الأطراف الفاعلة التي تستثمر احتمالات الصراع ليتجنب إعطاء الفتنة مشروعيتها، وليضع جميع الأطراف أمام مسؤولياتها التاريخية في عدم الانجرار إلى حرب مذهبية في العالم الإسلامي، فلو تحولت الدول القريبة من الصراع إلى تراشق الاتهامات بالفتنة ورعايتها، فإنها ستتحول عاجلا أم آجلا لأطراف في ذلك الصراع، وهو يعطي بذلك مخرجا لبعض الدول التي بدأت تضع الفتنة على أجندتها السياسية.
يعول الملك على تراص الصف الأردني من الناحية المذهبية، وهو الدور الذي يمكن أن يعمل على إحداث التوازن في الفسيفساء المذهبية في منطقة الهلال الخصيب، لا أن يكون الدور المرجح أو الحاسم، فالملك يرى أن التباين المذهبي سيستمر كحقيقة بين الشيعة والسنة إلى يوم الدين، فالمسألة ليست صراعا على حدود أو ثروات، ولكن عقائد متوطنة في الضمائر والقلوب، وبالتالي ليس ثمة نقطة يمكن أن توضع على هامتها راية النصر، وليست أي راية للهزيمة سوى مناورة لا تعني انتهاء الصراع أو حسمه.
الملك تعمد، على ما يبدو، أن يترك فرصة للطرف الإيراني لمراجعة أوراقه وحساباته في هذه المرحلة الحرجة من الصراع، وأن يعرض وجود أطراف عربية تبحث عن تسوية شجاعة في سوريا، خاصة أن قمة الثمانية الأخيرة لم تتمكن من تجاوز بعض النقاط الخلافية بين الأمريكيين والروس، ومؤتمر جنيف 2 يبدو منذ البداية متعثرا ومجهضا، والوضع الميداني تجري ترجمته بصورة فورية إلى ضحايا ولاجئين بصورة استنزافية للنظام والمعارضة، ومن يدفع الثمن في النهاية هو سوريا والسوريين.
يتجاهل الأردن الدخول في المناورات السياسية، لأن الأولوية هي لإنهاء تأزم الوضع المتفاقم، وسحب فتيل أزمات أوسع تلوح في الأفق، ويحض في المقابل جميع الأطراف على الاهتمام بمسؤولياتها الإنسانية في هذه المرحلة، وهذا التوجه هو السائد في مقابلة الشرق الأوسط التي يدرك الملك أنها رسالة موجهة للأطراف الفاعلة في القضية السورية، أكثر مما هي رسائل موجهة للداخل الأردني الذي يعد الأكثر تماسكا أمام احتماليات دفع المنطقة إلى حروب مذهبية وطائفية محتملة.